هل نجح كيان العدو الإسرائيلي في اختراق الجزائر؟

لا يعود الأمر لقوة كيان العدو الإسرائيلي، و لا على الإطلاق يعود لعبقرية استثنائية تميز عقله، بل الواقع يفيد بأن الأمر مرده إلى عبثية العقل -إن وُجد- العربي، و غياب الوعي بالمسؤولية التاريخية التي كان يفترض أن يتحملها؛ و للإنصاف لا ينطبق هذا الواقع المتخلف المفكك على دوائر الأنظمة العربية حسرا، بل يتمدد بشكل ملحوظ لساحات ما يسمى بالنخب الفكرية العربية، و يحتل بصورة متعفنة حالة ما يسمى بالشخصيات المجتمعية؛ و السؤال عنوان المقال لم يأتي من فراغ، أو كما قد يتصور البعض من شطحات خيال كاتب يريد استفزاز القراء لاستقطاب اهتمامهم، و إنما هو حلقة من حلقات مقالات عديدة سبق نشرها في صحيفة “القدس العربي” قبل 2011، تتضمن ذات التخوف، مرتكزة على مؤشرات واقعية عديدة، أذكر من بينها مقال بعنوان: هزيمة الجزائر أمام اسرائيل في واحدة من أقوى المعارك. كان موضوعه عن اختراق “الدواء/الداء” المصنع إسرائيليا، السوق الجزائرية و الذي نجح في زرع و تفشي أمراض خطيرة؛ و من المؤسف جدا أن الإعلام الجزائري لم يلتفت ساعتها لناقوس الخطر إلا بعد ثلاث سنوات، و فقط حين تفجّر الأمر في ما يسمى مجلس الأمة، و لولا أن ضحية ذلكم الدواء/الداء لم تكن من أقارب عضو بارز في ذلكم المجلس، لما تم الكشف عن جريمة بحق الشعب الجزائري، تتم على أيدي عملاء جزائريين و تحت إشراف السلطة و برعاية قوانينها.
اليوم أجدني مضطرا للعودة الى استهداف كيان العدو الإسرائيلي للجزائر، في ظل غياب عقل استراتيجي جزائري، و حالة من تقيح اداء المسؤولين الجزائريين، أخلت الساحة للعدو بشكل يكاد يكون كليّا، و حالة من غيبوبة عميقة دخلتها ما يسمى بالنخب الفكرية و الإعلامية الجزائرية، التي بات همها الوحيد الثروة الشخصية و الشهرة، و إن على حساب وطن و شعب.
أصدرت السلطة الجزائرية في جريدتها الرسمية بعددها 67 بتاريخ 13 من شهر نوفمبر الماضي، قانونا يتيح لأول مرة في تاريخ البلد منذ استقلاله، أو على الأقل منذ عام 1974 على ما أذكر، يسمح بإنشاء مؤسسات خاصة لطور التعليم العالي، أفردت لها عشرة فصول تضمنت 50 مادة تحدد كينونة هذه المؤسسات.
بداية اسجل ملاحظة تعني المنظومة القانونية في الجزائري، و هي أنها تكاد تكون من حيث الشكل متقدمة للغاية، و مسايرة من حيث النصوص و المواضيع للمرحلة الحضارية المعاصرة، بيد أن الأمر لا يتعلق في بناء الدولة و النهضة بالمجتمع بكمال المنظومة القانونية، و إنما يتعلق أكثر بالقدرة على تطبيق و إنفاذ موادها على أرض الواقع، الأمر الذي يكاد يكون منعدما بصورة كلية في الجزائر، و أحسن الأحوال يكون مزدوج التنفيذ، يسري على البعض دون الآخر، و حتى هذه الازدواجية وُضعت لها مراسيم و أطر قانونية للتغطية عليها.
و أعود لتساؤل القارئ: و ما علاقة الموضوع بالصراع مع العدو الإسرائيلي هنا؟
تحضرني هنا محاضرة ألقاها افي ديختر (رئيس جهاز الشاباك و وزير الأمن الالاسرائيلي الأسبق)، أواخر العقد الماضي، كنت قد تعرضت لها في مقال أكثر تفصيلا 2009؛ تحدث فيها بكل وضوح و جرأة على أدوات و طرق اختراق مصر، و خلص الى نتيجة مفادها، أن كيانه بات يملك القدرة ليس فقط على استشعار المتغيرات الراديكالية -إن كانت لتحدث- في مصر، و إنما كذلك القدرة على توجيه الرأي العام و التحكم في تيارات التغيير، و التصرف في توجيهها بما يخدم مصالح كيانه، و اللافت في محاضرة آفي ديختر أنه لم يكن متخوفا من تداعيات أي تغير راديكالي في مصر على مستقبل كيانه، تذكروا أن هذا الكلام كان قبل كل الأحداث التي وقعت في مصر؛ و يبدو أن الرجل لم يكن ينظّر فقط، و إنما يتحدث عن واقع كان يراه في حين أننا نحن لم نلقي له بالا، و لعل القارئ اليوم يعاين جدية كلام أفي ديختر بعد كل التقلبات الراديكالية التي وقعت بمصر، دون أن يطال مصالح العدو و علاقاته أدنى ضرر يمكن البناء عليه لتفنيد كلامه.
و أذكر هنا من بين الأدوات التي ذكرها رئيس جهاز الشاباك في محاضرته، و التي تشكل واحدة من أهم و أخطر مداخل إسرائيل على العقل المصري، هي المؤسسات الخاصة للتعليم العالي، و ذكر بالاسم الجامعة و المعاهد الأمريكية، فضلا عن غيرها التي تتخذ أسماء بلدان غربية عنوانا لها. مرابط خيل العدو الإسرائيلي كثيرة، و هذا يعد من بينها مربط فرس واحد، فهناك اختراق الإعلام مؤسسات و منتسبين لها، و هناك اختراق طبقة رجال المال و الإعمال.
إذا عدنا لترسانة القوانين المصرية، سنجدها هي كذلك من أقوى المنظومات التي تحافظ على كيان الدولة و مصالح الشعب، بل و أكثرها تقدما و حماية، و تحسب واحدة من أكبر و أغنى المراجع القانونية، لكن أين هي من الواقع المعاين لحالة مصر عجزا و وهنا و تبعية أقرب لحالة محتل منها لحالة دولة مستقلة سيدة قرارها؟
فمثلا لا حسرا، حين تشترط المادة 25 من الفصل الرابع، أو المادة 29 من الفصل الخامس، الجنسية الجزائرية في الشخص الطبيعي، فعلينا أن نتذكر بأن هذا الشرط قائم كذلك في القوانين المصرية، و لعل من المغالطات البائسة و المضحكة، و التي تفضح عدم الحاجة العلمية لمثل هذه الخطوة غير محسوبة العواقب، ما ورد في نص المادة 36 من الفصل السابع. لا يتسع المقال هنا بل لن أبسط في مناقشة المواد القانونية، نظرا لكون الموضوع ككل يدعو للقلق الجدي على مستقبل الجزائر.
إن المخطط الإسرائيلي على مصر، و الذي ذكر تفاصيله أفي ديختر في محاضرته التي مضى عليها قرابة عشر سنوات، هو بعينه و أجزائه نراه يتقدم بخطى واثقة في الجزائرية، فساحة الإعلام باتت مخترقة بشكل لافت، و هناك شخصيات جزائرية بارزة في العالم، من حيث تدري أم لا، تسير في الاتجاه الذي يخدم مصلحة العدو بالجزائر، و طبقة رجال المال و الأعمال رائحة انخراطها باتت تزكم الأنوف، و ها نحن أمام فتح ساحة أخرى تعد آخر و أخطر ساحة سيحتلها العدو لا محالة في غياب العقل الواعي الجزائري، و تبخر الضمير الوطني. و قد يسخر قوم من هذا الكلام تماما كما سخروا من مثله عام 2008، و قد يأتي يوم يرون فيه بالجزائر، ما يرون اليوم بمصر.
ختاما، ندعو كل من له ضمير وطني حي للتأمل في ما سبق ذكره، و مراجعته و التأكد من صحته و صوابه، ثم و بناء على ذلك ليعمل بما يمليه عليه واجبه الوطني و الأخلاقي؛ و على رأس هؤلاء المنتسبين لأجهزة مهمتها الاولى حماية الوطن و الشعب، و غيرهم من أهل الاختصاص في العلوم الاستراتيجية و الاجتماعية و البيداغوجية.

أضف تعليقاَ

CAPTCHA
This question is for testing whether you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
3 + 1 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.