السجادة الإيرانية والصبر في الإنجاز

لقد أجاد نجيب رياض الريس -في كتابه مصاحف وسيوف –المماثلة بين صناعة السجاد الإيراني ،والتي تحتاج إلى عشرات الصناع وسنوات من العمل وبين طبيعة النظام السياسي في إيران الخميني .وهو من وجهة نظري المغايرة لمنحى رياض الريس ما يحسب للثورة الإيرانية لا عليها .فإيران الثورة أخذت عشرات السنوات حتى خرج الشعب الإيراني ليواجه بجسده مجنزرات الجيش وقمع المخابرات .
لقد تعاقبت في ظل الثورالإيرانية ست إدارات أمريكية (كارتر ،ريغان ،بوش الأب ،كلينتون ،بوش الابن ،أوباما )وهاهي الإدارة السابعة لترامب ،وقد اتبعت الإدارات الثلاث الأولى نهج التصعيد والمواجهة قبل أن تلتقط إدارة كلينتون دعوة الرئيس الإيراني محمد خاتمي في التلفزيون الأمريكي إلى التقارب بين الشعبين .ومع ذلك استمرت أمريكا في تحديد علاقتها مع إيران وفقا لثلاث محددات هي :1-تأييد إيران لما يسمى أمريكيا بالإرهاب ،ومن ذلك دعمها لمنظمة التحرير الفلسطينية ثم حماس وحزب الله .
2:-موقف إيران الرافض للكيان الصهيوني .
3-سعي إيران وامتلاكها للصواريخ ،ومشروعها النووي .
لم يكن الموقف من أمريكا ووصفها ب"الشيطان الأكبر " من اختراعات إيران الخميني وإنما استمدته من ثورة الدكتور محمد مصدق في الخمسينيات من القرن العشرين ،والذي عملت المخابرات الأمريكية على القضاء عليها .
من ثوابت الثورة الإيرانية أن الصراع مع إسرائيل صراع وجود في حين أن الصراع مع أمريكا صراع صمود ورفض للوصاية والهيمنة على قرارا ومقدرات إيران ،أي أنه صراع مصالح .يمكن لإيران أن تصل إلى تسوية عادلة مع الغرب والولايات المتحدة الأمريكية كما حدث مع اتفاقها معهم حول المشروع النووي ،لكنهاتجد استحالة حتمية في إمكانية التعامل أو التطبيع مع الكيان الصهيوني .
لاعلاقة للموقف الأمريكي من الثورة الإيرانية بكونها راديكالية إسلامية ولكن الموقف العدائي منها سببه رفض إيران لمواصلة دور شرطي المنطقة الذي يخدم ويحرس مصالح الغرب !
السياسة الخارجية لإيران ليست إسلامية مذهبية طائفية كما يصورها الغرب وكياناته الوظيفية في المنطقة ،وإنما هي سياسة هدفها وغايتها الحفاظ على المصالح الوطنية الإيرانية ،وهي مصالح ثابتة لاتتغير ،فالعداء لأمريكا في السياسة الخارجية جوهره صراع المصالح .
لقد أخذت إيران في بناء نظامها السياسي شكلا معقدا من المؤسسات التي تبنى على بعضها وتراقب بعضها من أي اختراق أو انحراف ،فمزجت بين تجربة المنظومة الإشتراكية في الانتخابات المنضبطة بمعايير ،وبدلا من تحديد المرشحين بأشخاص توافق على أسمائهم اللجنة المركزية وضعت إيران الخميني شروطاومعايير للمرشح المتقدم بطلب الموافقة من المجالس المحلية ،وأعطت للشعب حقه في انتخاب البرلمان والمحليات ومجلس صيانة النظام والدستو،ومجلس الخبراء ورئيس الجمهورية ،وفي المقابل أعطت للمرشد الأعلى حق العزل وصيانة النظام من الانحراف ،وهو ذاته منتخب من مجلس الخبراء الذي يتشكل عن طريق الانتخابات الغير مباشرة .
هو نظام متداخل ومترابط كصناعة السجاد ،بصبر وإتقان وجمالية المشهد الكلي مما يجعل مشيخات الخليج والأنظمة العربية في وضعية متخلفة وعاجزة وحاقدة على هذه التجربة !
ليست المدرسة الخمينية حالة مصمتة وأحادية بل هي متعددة ،فعلى سبيل المثال فيها خامنئي ورفسنجاني ومحمد خاتمي ،وهي أسماء لتعددية الخيارات .
إن أهم إنجازات الثورة الإيرانية كما يراها الرئيس الأسبق محمد خاتمي -هو استقلال إيران وسيادتها ومصالحها الوطنية "هو استقلال إيران عن السيطرة الغربية "وهم في هذا النهج يسيرون على طريق ثورة محمد مصدق .
تتحدد مواقف مشيخات الخليج من إيران بشكل رئيسي من موقف الأخيرة من الغرب والولايات المتحدة الأمريكية وبشكل ضمني مواقفها من الكيان الصهيوني .وتخشى هذه المشيخات من بسط نفوذ إيران على الخليج ،وهو ذات الموقف الغربي الذي كان يردده في مواجهته للاتحاد السوفيتي ،وأنه يتصدى لمنعه من السيطرة على الخليج ونفطه .ولهذا تغلف هذه المشيخات صراعها مع إيران ببعد مذهبي وطائفي والتصدي لتصدير الثورات !
ومطالباتها الغير جادة بالجزر التي سيطرت عليها إيران بعد خروج بريطانيا من المنطقة ،رغم استيلاء إيران على هذه الجزر (الطنب الكبرى ،والطنب الصغرى ،وموسى ) كان مقايضة مع بريطانيا ، تأخذ فيها إيران هذه الجزر مقابل توقفها عن المطالبة بالبحرين وادعاءاتها التاريخية فيها .
بعد سقوط الاتحاد السوفيتي عام 91-92م كان اهتمام أمريكا بالجمهوريات الاسلامية (كازاخستان وتركمانستان وأذربيجان )وما يحتويه بحر قزوين من نفط وغاز ،فأوعزت إلى السعودية بالتحرك هناك في آسيا الوسطى بحجة تمويل بناء المساجد وتعيين الأئمة ،ونشر المذهب الوهابي ،الذي يعمل ككاسحة فكرية ،ويمهد للاستعمار الغربي في آسيا الوسطى وصولا إلى السيطرة على النفط والغاز ،ومحاصرة روسيا وإخضاع إيران وتغيير نظامها بما يخدم مصالح الغرب .فبحر قزوين يحتوي على 16%من الاحتياطي العالمي من النفط (24مليار طن )و53%من الاحتياطي العالمي من الغاز (75تريليون متر مكعب ).
يرى خاتمي أن شعار "الإسلام يعلوولايعلى عليه "لايعني التلسط وإنما عظمة رقي الأمة الإسلامية والتنمية والأمن .
هذه هي إيران الثورة والمدرسة الخمينية التي خرج من معطفها ثبات الأسس والمنطلقات عند خامنئي ،وديناميكية الأمة التي تسهم في حوار الحضارات من موقع الندية عند خاتمي .
جاء محمد خاتمي بخطاب منفتح مع الغرب ودول الجوار ،واراد أن يبني جسرا من المصالح المشتركة مع مشيخات الخليج ،وعلى ذلك سار الرئيس أحمدي نجاد وروحاني ،لكن قرار مشيخات الخليج ليس بيدها .
تحدث خاتمي- نقلا عن مصاحف وسيوف –في محاضرة له عن حوار الحضارات عام 1999م في مكتبة الأسد بسوريا عن تنمية وتقسيم جديد للأنشطة "يتم على أساس القدرات والامتيازات النسبية والتعامل بمحبة داخل مجموعة العالم الإسلامي ،وأكد أن تحقيق هذا الهدف "يتطلب الاهتمام بأمن المنطقة الذي يحتم على الأمة أن تحافظ على وحدتها المتزامنة مع قبول التعددية المذهبية والقومية وغيرها والتحمل والصبر داخل المجموعة والثبات والصمود والتعامل العقلاني مع الآخرين "
لقدأفرزت المدرسة الخمينية تنوعا في النظام السياسي بما يبقيه متماسكا وقويا بصبر وإصرار وعمل دؤوب يخدم الأمة الإيرانية .
أنني هنا أتحدث بلغة القارئ الذي يُوصِّفُ الأشياء لا المعجب ،فالإعجاب حجاب .

أضف تعليقاَ

CAPTCHA
This question is for testing whether you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
12 + 6 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.