هل باعت "أم الدنيا" دمها في قمة الرياض؟!

"أم الدنيا في رحاب الأراضي المقدسة" بهذه العبارات الرنانة احتفت الصحف المصرية بلقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والملك سلمان بن عبد العزيز ملك السعودية في قمة الرياض بعد جفاء طويل تجاوز حد الاشتباك السياسي، وحلقت الطائرات الحربية السعودية على مقربة من الحدود المصرية في إطار مناورات مفاجئة مع السودان الشهر الفائت، ومن جانبها لم تخرج الصحف السعودية عن الاحتفاء بالزيارة في استدارة كلية للإعلام المصري والسعودي.

 

وبعكس كلام الجرائد فإن ما حدث بين مصر والسعودية لم يكن مجرد إشاعات عكرت العلاقات كما وصف ذلك الإعلام السعودي، بل جفاءً حقيقيًا فشلت زعامات عربية في لجمه بعد أن أدركت الرياض أنها وقعت في فخ الخديعة المصرية ولم تنل الجزيرتين تيران وصنافير، كما لم تحصل في مقابل ملياراتها المسكوبة على الاقتصاد المصري المقابل المرجو في التحالف الذي تقوده الرياض على اليمن منذ عامين دون أن يحقق هدفًا استراتيجيًا باستثناء قتل الأطفال والنساء بمختلف الأسلحة إذا ما عددنا هذا هدفًا.

 

الوساطات، كويتية، إماراتية، والتي دخلت على خط الأزمة الناشبة بين مصر والسعودية اصطدمت بشرط سعودي وهو إنفاذ اتفاق نقل ملكية تيران وصنافير إليها قبل أن تصبح يد السعودية ممدودة لضخ مزيد من الأموال إلى المصريين، وإعادة حصة مصر من نفط أرامكو، وهو مالم يحدث بل بادر النظام المصري المتخوف من إثر تلك الخطوة داخليًا إلى إصدار أحكام قضائية تلغي الاتفاق مع احتفاظه بورقة المفاوضة في الوقت المناسب.

 

ومن جانبها لم توفر السعودية طريقة لإيذاء القاهرة والنيل منها، فأرسلت رسلها إلى أثيوبيا وقدمت دعمًا لسد النهضة الذي يهدد حصة مصر من مياه النيل، وهي مسألة حساسة ما كان للرياض أن تذهب إليها لو كان هناك بارقة أمل في تصالح ممكن، وأجرت مؤخرًا مناورات مشتركة مع السودان، ودفعت به إلى استعداء مصر، ففرضت الخرطوم التأشيرات على المصريين، وتولت بالنيابة عن الرياض "معايرة" نظام الرئيس السيسي بالفشل الأمني عقب تفجيرات الكنائس الدامية.

 

أتى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى الرياض وتبادل الابتسامات مع الملك السعودي، وهو يعلم بأن الخزانة السعودية تعاني الجفاف أو تكاد، أتى وهو لا يزال مكلومًا أيضًا من تفجيرات الكنائس الدامية ولابد أن أجهزة استخباراته أبلغته بأن الرياض ضالعة في الهجمات التي مست به شخصيًا في الداخل المصري، كما أن يدها الخفية هي من تحرك الجماعات الإجرامية في سيناء لاستهداف الجيش المصري، وضرب قطاع السياحة الحيوي لمصر ليس خافيا عن المصريين.

 

وقبل من جانبه الملك السعودي بمصافحة السيسي وتقبيله أيضًا دون أن يحصل على شرطه بالاعتذار والجزيرتين، فما الذي حدث، وأي كلمة سحرية طارت بالسيسي إلى الرياض وفتحت الأخيرة أحضانها له مجددًا، وأعادت له مسبقًا حصة النفط بعد أن كانت قد منعتها عنه.

 

 في تقرير سابق على موقع "المسيرة نت" كنا توقعنا وعقب زيارة الرئيس المصري السيسي للبيت الأبيض بأن ترضخ الرياض لرغبة واشنطن بالتصالح مع مصر لضرورة ذلك في الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في المنطقة والتي تنوي إدارة ترامب انتهاجها في المنطقة وتأسيس حلف "ناتو" عربي يضم إلى جانب مصر والسعودية الأردن والمغرب وباكستان التي تولى جنرال بارز منها قيادة "التحالف الإسلامي" ومن المرشح أن يكون ميناء الحديدة بين ميادين اختبار هذا الحلف إن لم يكن أولى تجارب ترامب الدامية.

 

قمة المرغمين إذًا كانت قمة الرياض بأمر عملياتي صادر من البيت الأبيض، ومن البديهي أن الجيش المصري الأقوى عربيًا سيشكل عماد الحلف في المنطقة، ولذلك يكيل ترامب المديح على غير العادة للرئيس السيسي، وحديث جون ماكين في العام 2015م وتصريحاته المفاجئة عن مبادرة دول عربية إلى تقديم مقترحات بإنشاء قوة عربية تتولى أمريكا قيادتها ستحارب في سوريا لن يخطئ الظن بخلفية إنشاء وأهداف القوة العربية المشتركة التي أعلن عنها في الجامعة " العبرية " العربية، ،مقترحات تلقفها ترامب وطورها إلى تشكيل تحالف على غرار الناتو لا يستثني "إسرائيل" ويمول عملياته من الدم العربي والمال الخليجي تحت يافطة العداء المشترك لإيران.

 

صحيفة "وول ستريت جورنال" الامريكية كشفت في فبراير الماضي عن مباحثات تدور بين إدارة الرئيس دونالد ترامب وإدارات عدد من الدول العربية لحشد حلف عسكري معاد لإيران يزود إسرائيل بالمعلومات الاستخباراتية.

 

وأشارت الصحيفة الأمريكية نقلا عن مصادر حكومية عربية، إلى أن التحالف سيضم بلدانا بينها السعودية والإمارات ومصر والأردن، على أن تلتحق به دول عربية أخرى في وقت لاحق من تشكيله، وأن العمل مستمر في الوقت الراهن – فبراير 2017م - على صياغة النظام الداخلي لهذا الحلف ليكون شبيها بحلف الناتو.

 

ومن هذا المنطلق يمكن فهم سياق الدعوة المتقدمة التي وجهها السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي قائد الثورة الشعبية في خطابه بالأمس -23 أبريل- في ذكرى استشهاد السيد القائد حسين بدر الدين الحوثي سلام الله عليه، إلى تعاون القوى الحرة والشريفة في المنطقة بما يتجاوز مفاهيم التقسيم القطرية ويكسر المعايير الأمريكية التي تجرم إشكال التواصل والتعاطف والتعاون بين القوى التي يصفها بالمارقة، ليتسنى لها مواجهة هذا التحالف الذي قطع أشواطا متقدمة باتجاه إعلانه بشكل أكثر نجاعة.

 

عودة الناطق باسم العدوان على اليمن أحمد عسيري والمعين نائبا لمدير الاستخبارات السعودية في التعديلات الملكية الجديدة عن تصريحه بشان عرض مصري لإرسال 40 ألف جندي مصري للمشاركة في الحرب على اليمن ،والقول إن الجنود المصريين الأربعين ألفا هم قوام المشاركة المصرية في القوة العربية المشتركة، كذب مضاعف، ودليل يضاف بان تشكيل التحالف الأمريكي العربي في المنطقة قد أتم توزيع الحصص، وسينظم إلى الجنود المصريين نحو 60 ألفا آخرين من الدول المشاركة في التحالف الترامبي الصهيوني – وفقًا لتقديرات ماكين في 2015م - لتخوض بهم أمريكا حروبها في سوريا واليمن تحت يافطات وعناوين مضللة.

 

لا تفوت الإشارة إلى تزامن قمة الرياض مع مناورات بحرية يجريها الجيش المصري مع الجيش الأمريكي في عرض البحر المتوسط، والتاريخ كفيل غدا بفضح ما وعدت الرياض بدفعه ثمنًا للدم المصري الذي سيسيل، حيثما تقرر تل أبيب وواشنطن فتح معركة.

 

للإشتراك في قناة الرابط تيليجرام على الرابط التالي :

http://telegram.me/thelinkyemen_bot

_____________________________