فتيات يكشفن مذكراتهن الأليمة في حياة عشن إياها تحت سطوة تنظيم "داعش" الإرهابي

لم أخرج من المنزل إلا نادرا منذ بدء فرض الخمار في الموصل، "التي تصادف هذه الأيام الذكرى الثالثة لتدميرها واستيلاء "داعش" عليها"، تجنبا لمضايقات عناصر ما يسمى بـ"الحسبة"...كانوا مثل الذباب يخرجون أمام النساء لتفحص ثيابهن بأعينهم وجلد من تخالفهم.

 

لا تدري أحدنا من أين يخرج لها ذلك "الداعشي" اللعين من الحسبة، ليتفحص خمارها، ومدى مطابقته للشروط والأحكام المقيتة التي بدأ التنظيم نشرها مع سمومه وأحكامه على المدنيين، منذ اليوم الأول لاحتلاله الموصل الحدباء، مركز نينوى شمال العراق.

 

وأكملت نور الهدى، فتاة من الموصل، وكذلك فتيات أخريات كشفن لمراسلة "سبوتنيك" في العراق، عن مذكراتهن الأليمة في حياة عشن إياها تحت سطوة تنظيم "داعش" الإرهابي لنحو ثلاثة أعوام من الإبادة اليومية والمشاهد الوحشية التي ينفذها الدواعش بحق كل من يقف بوجههم ويثور عليهم أو حتى يمارس حياته بشكل طبيعي — فكل ما كل ما كانوا يطبقوه هو العنف والرعب.

 

عودة إلى نور الهدى، التي أكملت تذكرها ما حصل في الأيام الأولى لبث تنظيم "داعش" شره وجرائمه في الموصل…ما أن سيطر التنظيم على المدينة الحدباء حتى بدء بنشر سمومه وأحكامه "اللعينة" وخصوصا تلك التي تتعلق بالنساء وما أكثرها..

 

وتابعت نور الهدى، كان التنظيم يعامل المرأة على أنها "كتلة من عورة متحركة" كان يخافها كثيراً…أنا هكذا استنتجت وإلا لما أمر بـ"توشحها السواد" من رأسها حتى أخمص قدمها.

 

— اذكر ذلك اليوم الذي صدر فيه حكم وجوب ارتداء الخمار، واذكر ردة فعل معظم النساء ما بين استهجان واستنكار وقبول بالأمر تحت مسمى الستر…نعم بعض النساء لبسته تسترا من أولئك الدخلاء الذين اغتصبوا المدينة، غير أن جلهن لبسن الخمار عن خوف من العقوبة التي ستطالهن لو أبين ارتداءه.

 

في بادئ الأمر ارتدينا الخمار القصير الذي يغطي الرأس فقط،…وظل عناصر التنظيم يلاحقون النساء اللواتي يظهرن أعينهن ولا يقمن بإنزال الغطاء الثاني الذي لا يظهر شيئا (كنت اسميه تهكما "الخبنگ"…وهي تسمية محلية تطلق على باب المحل الذي يسدل من أعلى للأسفل) حتى أني كنت أوصي أخواتي وقريباتي بوجوب تنزيل "الخبنگ" أن خرجنا لئلا نتعرض لعناصر التنظيم الإرهابي.

 

وتوضح نور الهدى، أن جميع علماء المسلمين كانوا دوما يؤكدون أن الخمار قد فرضه الله تعالى على نساء النبي لئلا يتعرضن لمضايقات وكذلك لكيلا يتم معرفتهن، أما سائر نساء المسلمين وكما قال تعالى (فليضربن بخمرهن على جيوبهن) أي يضعن الخمار على صدورهن ولم يوجب تغطية الرأس إلا بشروط حددها أهل العلم…وهذا قول المذاهب الأربعة.

 

بزنس خمار "داعش"

 

دخلت نور الهدى بجدال مع أحد عناصر التنظيم مرة حينما أمرها بإسدال الستار الثاني..

 

قلت له: إن المذاهب الأربعة لم توجب ارتداء الخمار!

 

فقال لي غاضباً: وما شأننا بهم إننا الآن في زمن الفتنة ينبغي علينا توخيها.

 

وتابعت نور، كان التنظيم يرى في أقواله إنها الأصح من كل العلماء حتى انه كان لا يأخذ بأقوال العلماء المعاصرين لأنه يسميهم علماء السلاطين.

واختتمت نور الهدى — المهم بعدما فرض "داعش" الخمار الطويل الذي يغطي الرأس وصدر المرأة حتى ركبتيها مشيرا إلى انه هو الخمار الشرعي للمرأة، في كلتا الحالتين كان هو المستفيد ماديا لإنه كان يسيطر على معمل الألبسة ويورد الخمار للسوق بسعر يبدأ من 10 دولار للخمار الواحد في بداية الأمر.

 

هددوني بقتل أبي

 

الفتاة ميسم من الموصل، أيضا ً، في شهادتها وحديثها لمراسلتنا، تقول:

 

كان الأمر صعبا أول يوم اخرج فيه من البيت لأذهب إلى طبيب الأسنان — كنت أسير في الشارع بفصل الصيف آنذاك، كان النقاب يزيد من حرارة الوجه ويحجب عني الهواء فكنت أجد صعوبة في التنفس اضطررت أن ارفع الغطاء عن عيني لكي ينساب إلي القليل من الهواء.

 

وإذ فجأة يراني أحد عناصر الحسبة من تنظيم "داعش"، وينهال علي بالشتائم والتهديد — هددني بأنه سيقتل أبي إن لم أنفذ لبس الخمار بحذافيره، كان يردد بصوت عال أمام الناس (غطي على عيونك) وقتها أصابني الذعر من تهديده ومشيت مسرعة، فوقعت على الشارع والتوا كاحلي.. هذا حادث واحد من بين العديد من الحوادث التي مررت بها بسبب النقاب.

 

منعت نفسي منه

 

"أنا فتاة موصلية كجميع الفتيات اللاتي واجهن شروط "داعش" الإرهابي داخل الموصل، من لبس النقاب واللباس الشرعي، لكن كنت دائما على أمل خروج "الدواعش" من المدينة، ولذلك منعت نفسي من الخروج إلى أن يتم طردهم"..حسبما أخبرتنا الفتاة رفل ماهر.

 

وتضيف رفل، سنة ونصف من ظل "داعش" وأنا لم ارتدِ النقاب ولم اخرج أيضاً من المنزل، لكني استسلمت للأمر الواقع بعد هذه المدة للخروج بأمور ضرورية وارتديت ما يسمى "النقاب" التي وصفتها بـ"خرقة قماش" تحبس الأنفاس مع ارتداء طبقة ثالثة تغطي العيون.

 

وواجهت رفل مثل الكثيرات في الموصل، مشكلات مع "داعش" بسبب النقاب، وتقول:

 

رغم لبسي الشرعي الكامل لتجنب مشاكلهم معنا، لكن بلا جدوى لابد ما أن تحدث نقاشات حادة وغرامات بسبب أتفه الأسباب..هي عصابات لا تهتم على هذا الأمور فيما بينها، غايتها الخراب — دمار أهل المدينة.

 

كنت سجينة

 

ونوهت الفتاة فرح، في تصريحها لنا، إلى أن قرار النقاب الإجباري، قرارا ً تعسفيا ً متوقعا ً من قبل تنظيم "داعش" الإرهابي، وتذكر أنها رفضت  الخروج  بسببه  لثمانية  أشهر  تقريباً..

 

—  حتى اتصلت  بي  إحدى اقرب صديقاتي  تدعوني  لزواجها  الذي  تأخر كثيراً، سبب استيلاء "داعش" على الموصل، لم أستطع عدم  الذهاب  لقد كان  يومها  ولم  أرد  تفويته..

 

استعرت أحد  الكوابيس  المتنقلة "في وصفها للخمار"، وأرتديته،كنت  سجينته، معصوبة  العينين  وأتنفس بصعوبة كبيرة، رافقني أخي ويوصيني  الانتباه  إلى  عثرات  الطريق لأنني لم أكن أشاهدها بسبب قطعة  القماش  تلك.. لم  تكن  هي السجن  الفعلي  بل  كان  القرار  المنبثق  من فكرهم  المتطرف  والذي  جعلنا  سجناء  مدننا  وأجسادنا  معا.‏

 

في الذكرى الثالثة لاحتلال الموصل

 

في مثل هذا اليوم السادس من حزيران/يونيو 2014 خيم غبار على مدينة الموصل — وحينها كان نذير شؤم مع إعلان حظر للتجوال وقطع للطرق وسكون مخيف خلفية هجوم شنه تنظيم "داعش" الإرهابي على مدينة سامراء التابعة لمحافظة صلاح الدين شمالي بغداد — لكن..

 

بدأت صفحات عبر مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، خاصة بالموصل، ببث إشاعات ومعلومات خاطئة أسمت عناصر تنظيم "داعش"، بثوار دخلوا المدينة لمواجهة الحكومة واعتبارها موالية لإيران، حتى حصل ما حصل باستيلاء الدواعش على المناطق الواحدة تلو الأخرى، ونفذوا عمليات إعدام ميدانية بحق منتسبين في الأجهزة الأمنية وأحرقوا سيارتهم العسكرية، وقتلوا من المدنيين الذين حاولوا الهرب.

 

واستذكرت الفتاة رغد، بعد سقوط الموصل بيد تنظيم "داعش" الإرهابي، بأيام بدأ الحديث عن قرارات ستصدر من قبل التنظيم، من ضمنها، الخمار على الوجه.

 

وتشير رغد، في حوار لنا، إلى اعتياد عناصر تنظيم "داعش" على بث قراراتهم بشكل إشاعات بين الناس إلى حين وقتها فتصبح أمر مفروض وواقع لا بد منه..

 

— في بداية الأمر رفضت شراء الخمار، و عمدت إلى عمل "الشال" الإيشارب كخمار، كنت أعتقد أن ما حدث سينتهي بعد أيام..ربما بعد أشهر فلا حاجة لإتباع ما يقررون حرفياً.

 

ويوم بعد يوم، أخذت قرارات "داعش" الإرهابي، تكون صارمة أكثر ولا شي أمامي إلا لبس الخمار، كما يريدون ومن ثم أصبح أمر لا بد منه تجنباً للمشاكل معهم، مشكلتي أو مشكلتنا في الأحرى مع الدواعش، ليس في الخمار و غيره من الأشياء السطحية بقدر ما هي مشكلتنا مع فكر هذا التنظيم الضال.‏

 

فرض علينا لبس الخفاش

 

في السنة الأخيرة لسيطرة تنظيم "داعش" على الموصل، مع بدء الاستعدادات العسكرية عليه، ومحاصرته وقطع خطوط إمداداته وموارده المالية من النفط والتهريب، لجئ التنظيم إلى طرح قطعة سوداء أخرى، للبيع الإجباري تثقل على النساء الخمار.

 

كنا نطلق على القطعة التي أضافها الدواعش، على الخمار، "الخفاش" لأنها أشبه بأجنحة الخفافيش، طويلة توضع فوق كل قطع النقاب المفروضة علينا سابقاً، مثلما أفادت فتاة أخرى كانت مرتهنة في الموصل، مع المدنيين كدروع بشرية بقبضة التنظيم الإرهابي لأكثر من عامين ونصف العام.

 

وكشفت الفتاة التي تحفظت الكشف عن اسمها الصريح، عن تفاصيل الخمار الداعشي، ومما يتكون، من عباءة فضفاضة، وخمار فوقها من طبقتين — الطبقة الأولى هي حجاب طويل بلامس الأرض، يشبه محرم الصلاة وفيه نقاب تبان منه العيون، وفوقه طبقة قماش شفافة خاصة لتغطية الوجه.

 

وحينها كان تنظيم "داعش" يبيع الخمار على النساء، بأسعار تتراوح ما بين (10-20) دولار أمريكي، ولرفع الربح، أضاف القطعة الأخيرة للخمار وبيعها، لتعويض خسائره المادية التي تفاقمت قبل انطلاق معركة تحرير الموصل في 17 تشرين الأول/أكتوبر 2016.

 

وذكرت الفتاة، قطعة الخفاش، رداء أسود فضفاض، وفيه سحاب من الأمام، حتى يغطي منطقتي الصدر والخصر، على اعتبار أن الطبقات الأخرى من الخمار لا تكفي.

ووصفت الفتاة شعورها، عندما كانت ترتدي تلك القطع من الخمار، بإنها كانت تموت واصفة الأيام الماضية بالمرعبة قائلة ً "لا تُذكريني، أيام رعب، لم أكن اشعر إنني من بشر عندما أرتدي الخمار الداعشي، لدرجة أن ضغط الدم يرتفع كثيرا ً".

 

وعن عقوبة المخالفات لحذافير الخمار، أكدن الفتيات، بإن العقوبة كانت "الجلد" يطبقها الدواعش بحق اللواتي لا يرتدين كل قطع الزي المفروض عليهن.

 

منع الخمار وتعنيف لابساته

 

بانتهاء عمليات تحرير الساحل الأيسر للموصل، في معركة انطلقت يوم 17 تشرين الأول العام الماضي، وحسمت في 24 كانون الثاني/يناير 2017، وبدء عودة الحياة إلى المناطق المحررة من قبضة تنظيم "داعش"، أمرت القوات الأمنية العراقية، النساء في المدينة بخلع الخمار تحسبا ً لتسلل دواعش بهذا الزي.

 

وأكدت فتاة أخرى من الموصل، تدعى نور، في بداية الموضوع عن فرض الخمار، أن قرار منع النقاب في الأماكن العامة، في شهر رمضان، ضمن خطة أمنية بأوامر من قائد شرطة نينوى، العميد الركن واثق الحمداني.

 

وتشير نور، إلى بداية تحرير الساحل الأيسر — نعم، أنا بأم عيني لاحظت أن القوات الأمنية قامت بإجبار النساء اللواتي يرتدين الخمار على كشف وجوههن، وفي ناحية حمام العليل جنوبي الموصل، سمعت من قريبة لي أن احد منتسبين الشرطة الاتحادية العراقية، قام بشتم من كانت ترتدي الخمار في احد الأسواق.

 

هرب الدواعش بزي الخمار

 

ويرى حكم الدليمي، مؤسس خلية شباب نينوى، حكم الدليمي، في تصريح لمراسلتنا، اليوم الثلاثاء 6 حزيران، أن قرار منع الخمار في المناطق المحررة في الموصل، جاء عبارة عن نصيحة من قائد شرطة نينوى عبر الإعلام، منعا لتربص عناصر "داعش" بالمدنيين، واستغلاله لخروقات أمنية.

 

وأعلن الدليمي، عن مرات عدة يتم فيها إلقاء القبض على عناصر من تنظيم "داعش" يرتدون الخمار، بأماكن التدقيق الأمني مثلا ً من عمليات نزوح المدنيين من الساحل الأيمن الذي يشهد تقدما ً للقوات العراقية لاقتلاع التنظيم الإرهابي من كامل المدينة.

 

ولفت الدليمي، إلى صورة فوتوغرافية نشرها على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، لداعشي يرتدي الخمار، خلال حملة لفريق شباب نينوى التطوعي بحي السماح عند المدخل الشرقي لمركز مدينة الموصل.

 

ونوه الدليمي، إلى أن الداعشي، متخفيا ً بين النساء، بالخمار "الذي بات منقذا ً ليوم هزيمة التنظيم"، واكتشفنا الأمر لاحقاً.

 

ويشيد الدليمي، بقرار منع الخمار في الموصل، وبقوة، قائلا ً "لأننا ليس في مدينة إسلامية بحتة حتى تأخذ المدينة طابع الدين والخمار، وأنا ليس مع أن ترتدي المرأة "الكائن الراقي" لون السواد بالكامل — أصلا القران لم يفرض هذا الأمر عليهن، وبالتالي دفع الضرر أولى من كل شيء".

 

ونفى الدليمي، أن تكون الفتيات والنساء في الموصل، تعرضن للإجبار على خلع الخمار، من قبل القوات، لأنه رأى طالبات ونساء مازلن يرتدين الخمار.

 

وخلف تنظيم "داعش" وراءه في الموصل "ثاني أكبر مدن العراق سكاناً، بعد العاصمة بغداد"، التي خسر أغلب مناطق سيطرتها فيها بتقدم القوات العراقية المدعومة من التحالف الدولي ضد الإرهاب، الخراب والمجازر والأرامل والأيتام، والذكريات الموجعة للباقين على قيد الحياة الذين نجوا بأعجوبة.