واشنطن تستغل منظمات إنسانية في اليمن للتجسس

قد لا تكون صاعقةٌ تلك الحقائق التي كشفتها صحيفة النيويورك تايمز عن وجود ازدواج وظيفي لدى بعض العاملين في المجالات الإنسانية في اليمن والذين يعملون أيضا كجواسيس لدى الاستخبارات الأمريكية والجيش الأمريكي، بقدر ما يؤكد المؤكد عن حقيقة استغلال أمريكا لبعض المنظمات العاملة على مستوى العالم ومنها اليمن.

 

فضيحة هي تلك التي كشفت عنها صحيفة نيويورك تايمز في تقرير لـ آدام غولدمان وإيريك سميت عن ضلوع منسق المعونات الإنسانية في اليمن والمدير القُطري لـ لمجموعة "التنمية عبر المحيطات"، سكوت داردن، بمهام أساسية تجسسية تحت مظلة إنسانية قبل أن تقبض عليه الأجهزة الأمنية اليمنية، بحسب الصحيفة.

 

وعلى قاعدة وشهد شاهد من أهله، تورد الصحيفة تفاصيل عمل داردن المقنع تحت شعار العمل الإنساني كنموذج لعشرات الجواسيس الذي يعملون تحت مظلة منظمات إنسانية في اليمن، وهي التي تؤكد في الوقت ذاته أنه وأثناء القبض على داردن في مارس 2015، كان نحو 125 مستشارا من العمليات الخاصة يعملون بشكل وثيق مع الجيش اليمني وقوات مكافحة الإرهاب آنذاك.

 

وتضيف الصحيفة في تقريرها الذي نشر يوم الثلاثاء، يعمل داردن تحت منظمة اليونسف والصليب الأحمر لكن عمله الرئيسي والسري كان يتمثل في إرسال "مواد" لقوات النخبة العسكرية الأمريكية، والترتيب مع القوات الخاصة الأمريكية، بالإضافة إلى الإشراف على " شحنات الكوماندو"، بموجب عقد سري مع البنتاغون، والحديث هنا للصحيفة الأمريكية.

 

وتقول الصحيفة أيضاً، كان سكوت داردن، مديرا قُطريا في "التنمية عبر المحيطات"، وهي شركة لوجستية مقرها نيو أورليانز الأمريكية، ومتخصصة في نقل البضائع إلى المناطق الساخنة الأكثر خطورة في العالم، وتنتمي إلى مجموعة صغيرة من الشركات تقدم "مساعدات إنسانية للنساء والأطفال" للذين يعانون من المجاعة، وفي الوقت نفسه تساعد على إنشاء منازل آمنة وتوفير شبكات لوحدات الكوماندوز السرية التابعة للجنود الأمريكيين.

 

وتصف الصحيفة عمل داردن الذي يبلغ من العمر 47 عاما، بأنها نظرة نادرة في عالم غامض من المقاولين العسكريين الذين يعملون في مناطق حرب بلا قانون مثل اليمن، والصومال، وليبيا.

 

وبالرغم من أن اليونيسف نفت عبر المتحدث باسمها نجوى مكي عن علمها بأن "عبر المحيطات" تساعد الجيش الأمريكي، لكن قصة داردن تضع الكثير من التساؤلات حول عمل هذه المنظمات ومدى استغلال الأمريكيين لها، لا سيما في ظل تأكيد الصحيفة من أن داردن قاد عقوداً معها ومع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وأشرف على عشرات الموظفين والمكاتب في صنعاء وفي عدن والحديدة، باعتباره رئيس عمليات "عبر المحيطات" في اليمن.

 

وما يزيد الشكوك حول استغلال هذه المنظمات من قبل الاستخبارات الأمريكية، هو نقل الصحيفة عن ستة مسؤولين سابقين وحاليين في الولايات المتحدة الأمريكية تأكيدهم وجود عقود سرية مع الجيش الأمريكي وتلك المنظمات أو الشركات العابرة، لا سيما في اليمن.

 

 وليس من غير المألوف بالنسبة للبنتاغون أو وكالات التجسس الأمريكية الاعتماد على مسلمين أميركيين يجيدون اللغة العربية بطلاقة كـ داردن، ولكن الجديد، وليس للبعض، هو ضلوع سفراء كالسفير السابق في صنعاء جيرالد م. فيرستاين في عمليات التجنيد للعملاء وهو الذي أشاد بعمل "عبر المحيطات"، وإن نفى علمه بعلاقة داردن مع الجيش الأمريكي، حسب الصحيفة، ما يؤكد صحة ما ذهب إليه أنصار الله حول ضلوع فيرستاين في أنشطة غير دبلوماسية في اليمن آنذاك.

 

ومما قد يبدو للبعض مستبعداً، فإن المملكة العربية السعودية ضالعة في عمليات التجنيد لصالح الولايات المتحدة الأمريكية، وما داردن الذي درس اللغة العربية في المملكة العربية السعودية في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينات، ثم تحول في النهاية إلى الإسلام "الوهابي "، كما قالت زوجته، إلا حالةٌ شاءت إرادة الصحافة الأمريكية كشفها.

 

 تعامل السلطات الأمريكية مع هذه الفضيحة اختلف، بحسب "الطريقة الأنجع لامتصاصها"  فـ حين رفض البنتاغون التعليق على هذه الحادثة قال "سيث مولتون" الديموقراطي في ماساتشوستس وعضو لجنة الخدمات المسلحة في مجلس النواب، وضابط سابق بالبحرية "ليس هناك ما يكفي من الرقابة، وبالتأكيد من الكونغرس"، فيما امتنع داردن عن الإدلاء بأي معلومات لينتهي به الأمر معزولا في منزله.

 

وتساءلت الصحيفة عن الدافع وراء داردن، وهو من الوزن الثقيل، بحسب الصحيفة، للذهاب إلى اليمن بالرغم من تحذير مسؤلي العمليات الخاصة له من عدم الذهاب إلى اليمن، كما فعل سام فاران، الذي كان يعمل خبيرا أمنيا في شركة ترانز أوشنيك في سفارة الولايات المتحدة في اليمن، لكن أساليب الاستخبارات الأمريكية وسوء استغلالها للمسلمين ومواطنيها ربما ستجر غيره إلى المستنقع اليمني أيضا.

 

واعترفت الصحيفة ضمنياً أن ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر عرقلت جهود الحكومة الأمريكية للقيام بعمليات استخباراتية في اليمن، بعد أن كانت اليمن واحدة من أكثر مناطق الصراع نشاطا لقوات العمليات الخاصة في مرحلة ما بعد الـ11 من سبتمبر، بحسب الصحيفة.

 

وعقب هذه الحادث سارعت منظمة اليونيسيف بالتأكيد على أن عقدها مع "عبر القارات" التي وفرت غطاء لعمل داردن انتهي في سبتمبر 2016، وأنها لن تبرم عقود من شأنها أن تخلق مخاطر لعمليات اليونيسيف أو موظفيها، بحسب بيان لها، لكن تحتاج لتبييض ساحتها وكسب ثقة الشارع اليمني بحسب مراقبون.

 

ووفقا لصحيفة نيويورك تايمز عمل داردن قبل أن يأتي اليمن في ميرسك، وهي شركة للنقل والخدمات اللوجستية، في الكويت، ومن ثم انتقل في خدمة فلهلمسن للسفن في الفترة من  2010 إلى 2012، كما أشرف على عودة أكثر من 40 ألف جندي أمريكي يغادرون العراق عبر موانئ العقبة والأردن وأم قصر في العراق.

 

جدير بالذكر أن استخدام غطاء المساعدات الإنسانية للتجسس محفوف بمخاطر جسيمة، ويمكن أن تكون عواقبها مميتة على عاملي المنظمات الإنسانية، على غرار ما تعرضوا له من هجوم في باكستان بعد أن كشفت وسائل إعلام أمريكية أن مخابرات دولتها استعانت بطبيب في حملة تحصينات قادتها منظمة للوصول إلى الحمض النووي لأحد الإرهابيين.