إحياءُ يوم القُدْس العالمي في اليمن خلال العدوان.. من التضامن إلى المواجَهة

خلالَ أكثرَ من عامَين من العدوان على اليمن، حرصت معظمُ الأنظمة في المنطقة على إظهار تبعيتها وتقارُبِها مع الكيان الصهيوني بشكل متزايد وفاضح أكثر مما كان عليه الأمر من قبلُ؛ لتكونَ هي الفترة الزمنية الأكثر وضوحاً في تأريخ خضوع سياسات الشرق الأوسط لإسرائيل، وقد كان العدوانُ على اليمن سبباً رئيسياً في بلوغ تلك المرحلة من العلنية في التطبيع؛ ربما لأن المشاركة الإسرائيلية في العدوان أصبحت واضحةً إلى الحد الذي أجبر الأنظمة العميلة على إظهار وقوفها في صف إسرائيل بشكل أوضح؛ وربما لأن الورطة التي وقع فيها النظامُ السعوديّ حين تولى كِبَرَه في تبني العملية، كشفت بشكل أكبر تبعيته الكاملة لإسرائيل، وهو ما جعل بقية الأنظمة المصاحبة له في التبعية تنكشف معه وبنفس الوضوح، والأرجح أن السببين معاً حدثا في وقت واحد، وبالطبع كان لذلك تأثيرَه في إظهار حالة من الخنوع العام لإسرائيل والتخلي عن القضية الفلسطينية وتمييعها بشكل وقح.

بمقابل كُلّ ذلك، وفي اتجاه معاكس له تماماً، كان الشعب اليمني وهو يتعرض للعدوان، يزداد ارتباطاً بمبدأ العداء العربي والإسْلَامي لإسرائيل الغاصبة والمحتلة، وتزدادُ القضية الفلسطينية حضوراً في تفاصيل مواجهته للعدوان، وهو يرى آثار تقارب دول المنطقة مع إسرائيل تتجسد في واقعه بمجازرَ يومية وحصار خانق وتواطؤ سياسي مُخْزٍ؛ ولذلك أخذ “يوم القُدْس العالمي” يتحول في اليمن إلى واحدة من أكثر المناسبات أهميّةً، عبر تفاعُل شعبي واسع يزداد اتساعه مع زيادة انكشاف المشروع الإجرامي والتدميري للعدوان، ولم تستطع كُلّ أساليب العدوان أن تقلص حضور القضية الفلسطينية في الوعي اليمني.

في العاشر من يوليو من العام 2015، آخر جمعة من شهر رمضان 1436 هـ، كان شارعُ المطار في العاصمة صنعاء يكتظُّ بأعداد ضخمة من المشاركين في الفعالية الرسمية لـ “يوم القُدْس العالمي”، في مشهد تجاوز وصف “التضامن” مع القضية الفلسطينية، ليُعبِّرَ عن مستوى عالٍ جداً من التفاعل الجاد معها، كما لو أنها قضية يمنية أصيلة لا تقل أهميّةً عن مواجهة العدوان.

لم يكن قد مَرَّ على بداية العدوان سوى أربعة أشهر تقريباً، ومع أنها كانت من أكثر الأشهر دموية؛ بسبب هستيريا قصف العدوان، إلا أن الخروجَ اليمني الذي شهدته صنعاءُ وكثيرٌ من المحافظات والمناطق اليمنية لإحياء يوم القُدْس العالمي، كان دليلاً واضحاً على أن الشارع اليمني بقى بعيداً عن موجة “تمييع القضية الفلسطينية” التي كانت تجتاح دولَ المنطقة آنذاك بشكل واضح، وقبل ذلك كان دليلاً على ارتباط المظلومية اليمنية بأختها الفلسطينية، من خلال الدم الواحد الذي يسيل على يد نفس القاتل، وبنفس السلاح والتمويل.

لم تكن المرة الأولى التي يُحيي فيها الشعب اليمني يوم القُدْس العالمي، ولكنها كانت مميزةً بتطور موقف التضامن مع فلسطين، إلى مواجهة للمشروع الإسرائيلي الذي يعد العدوان السعوديّ أحدَ أدواته، وقد عبّرت كلمة قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي يومَها عن ذلك بشكل واضح من خلال إعْلَان الخيارات الاستراتيجية الكبرى لمواجهة العدوان، وهو الإعْلَانُ الذي فتح الباب فيما بعد لضرباتٍ نوعية تلقاها العدوان وأصابته في عدة مقاتل.

بعد العام الأول من العدوان، كان الدورُ الإسرائيلي المباشرُ في استهداف اليمن قد افتضح بشكل كبير وواضح، وكان التفاف أنظمة المنطقة حول إسرائيل قد صار أكثر من مباشر، وقبل أيام قليلة من يوم القُدْس العالمي في رمضان 1437هـ، كانت أربعُ دول عربية قد صوّتت لصالح إسرائيل لتتولى رئاسة اللجنة القانونية في الأُمَم المتحدة، في خطوة فائقة الوقاحة.

بالمقابل، وعكس ما فعله المصوّتون العرب، شهد شارع الستين في العاصمة صنعاء مطلع يوليو 2016، حضوراً أكثرَ زخماً للمشاركين في الفعالية الرسمية ليوم القُدْس العالمي، كما شهدت مناطقُ يمنية كثيرة تفاعلاً واسعاً مع المناسبة، وكأن أكثرَ من عام من العدوان والحصار لم تساهم إلا في المزيد من الترسيخ لأهميّة القضية الفلسطينية عند اليمنيين، بعد أن صار ارتباطُ العدوان بإسرائيل أمراً بديهياً، وصار الشعب اليمني وسطَ المعركة ذاتها التي تخوضها حركات المقاومة الفلسطينية ضد إسرائيل.

وكعادته، ألقى قائدُ الثورة حينها خطابَ المناسبة، أكد فيه على أهميّة التحَـرّكات الشعبية في مواجهة المشروع الإسرائيلي؛ لأن الحكومات لم يعد يعوَّلُ عليها، في ظل نشاطها المتزايد بالتطبيع مع إسرائيل وتضييع القضية الفلسطينية، وكان ذلك مصداقاً للتفاعُل الشعبي في اليمن مع القضية الفلسطينية من خلال إحياء يوم القُدْس العالمي، وكذلك التحَـرّك لمواجهة العدوان الذي يمثّل شكلاً من أشكال المشروع الصهيوني المدمر.

اليوم وبعد أكثرَ من عامَين من العدوان، يستعدُّ اليمنيون كعادتهم لإحياء يوم القُدْس العالمي يوم الجمعة القادم؛ استمراراً في السير على نفس الخط المقاوم للمشروع الاستكباري الأمريكي الإسرائيلي، وأدواته العربية التي تستهدفُ اليمن، لاعتبارات أهمها أن الشعبَ اليمني يتبنى الموقف الداعم للقضية الفلسطينية، ولأنه بمواجهة العدوان يخطو خطواتٍ فعليةً كبرى ضد إسرائيل ومشروعها بالمقدمة.