"الرز" الخليجي يضع السودان في مأزق جيوسياسي كبير

يعيش السودان اليوم بسبب تخبط قيادته وتخليها عن المبادئ في مأزق جيوسياسي كبير في ظل عصا العقوبات الأمريكية وتداعيات الأزمة الخليجية والضغوط السعودية الإماراتية الساعية إلى ضمه إلى التحالف المقاطع للدوحة.

وقال وزير الخارجية السوداني اليوم الخميس إنه سيواصل التعاون الثنائي مع الولايات المتحدة بما في ذلك في مجال تبادل معلومات المخابرات على الرغم من قرار الخرطوم تجميد عمل لجنة التفاوض مع واشنطن بشأن تخفيف العقوبات.

وجمد الرئيس السوداني عمر حسن البشير، وفقا لرويترز، عمل اللجنة التي شكلت بالتعاون مع الولايات المتحدة.

ويأتي ذلك بعد أن أجلت واشنطن لمدة ثلاثة أشهر قرارا بشأن ما إذا كانت سترفع العقوبات المفروضة على السودان نهائيا، حيث فرضت العقوبات لأسباب من بينها مخاوف تتعلق بأوضاع حقوق الإنسان.

ونشرت صحيفة رأي اليوم أمس أن إرجاء البت في قرار رفع العُقوبات بشكلٍ دائم عن السودان لم يكن مُفاجئًا، لأن المملكة العربية السعودية التي استخدمت نُفوذها، وأقنعت الإدارة الأمريكية برفع العُقوبات لستّة أشهر كخُطوة لإلغائها نهائيًا، أرادت مُعاقبة الرئيس السوداني عمر البشير لرفضه الإذعان لمطالبها بقطع العلاقات كُلّيًّا مع دولة قطر.

وقالت الصحيفة إن الرئيس البشير فاجأ الكثير من أعدائه قبل أصدقائه عندما قطع علاقات بلاده مع إيران كُليًّا، واتهمها بنشر “التشيّع″ في السودان، كتبرير لانضمامه بالكامل إلى المحور السعودي وحُروبه في اليمن، وإرسال قوّات للقتال تحت ظلال أجنحة طائرات “عاصفة الحزم”.

وأضافت الأزمة القطرية المُشتعلة نيرانها وضعت الرئيس السوداني أمام مأزقٍ كبير، فعلاقاته مع قطر وحليفها التركي أكثر من جيّدة، وتستند إلى تحالف طابعه مُساندة حركة “الإخوان المسلمين” التي تحتضن السودان بعض قيادتها أُسوةً بالشّركاء القطريين والأتراك، وفي الجانب الآخر استطاع نسج تحالف قوي مع السعودية التي قدّمت له الدعم المالي، وأوفت بتعهّداتها في استخدام نُفوذها وعضلاتها الاقتصادية والاستراتيجية مع واشنطن، ولعب دور المحامي الناجح المُدافع عن السودان، وضرورة رفع العقوبات المفروضة عليه.

وتابعت الصحيفة "الرئيس البشير اختار أن يُمسك العصا من المُنتصف، وأن يُعلن حِياده في الأزمة الخليجية، وتطوّع كعادة البعض من أقرانه في هذا المضمار، بالقيام بدور وساطة بين أصدقائه القطريين وخُصومهم السعوديين والإماراتيين والمصريين، ولكن وساطته مثل موقفه، قوبلت بالرّفض المُطلق، لأن السعودية تتبنّى عقيدة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوس الإبن “من ليس معنا فهو ضدنا”.

وأوضحت الصحيفة أن إدارة ترامب لم تُرجيء قرارها برفع العقوبات الاقتصادية عن السودان بسبب سجلّه السيء في مجال حُقوق الإنسان، فكل حُلفائها الخليجيين يتشاركون مع السودان في التهمة نفسها، ولا نُبالغ إذا قلنا أن سجل بعضهم، أكثر سُوءًا، ومن المُؤكّد أن هذا الإرجاء جاء عِقابًا سُعوديًا على موقفه المُساند لقطر تحت عنوان الحِياد.

ورأت أن العُقوبات السعودية على السودان، التي ربّما تكون أكثر شراسة من الأمريكية، تتبلور بشكلٍ مُتسارع، فالفريق طه عثمان الحسين، مدير مكتب الرئيس البشير السابق، الذي وقف خلف قرار السودان بإرسال ثلاثة آلاف جندي للقتال في اليمن تحت مظلّة التحالف السعودي، كُوفيء بمنحه الجنسية السعودية، وتعيينه مُستشارًا للأمير محمد بن سلمان، ولي العهد للشؤون الأفريقية، وكان عُضوًا في الوفد السعودي الذي حضر قمّة الاتحاد الأفريقي الأسبوع الماضي في أديس أبابا، وكانت الرسالة وراء هذا التعيين إلى الرئيس البشير واضحة، أنت تفصله من جميع مناصبه، ونحن نتبنّاه، وعليك تحمّل العواقب.

وتساءلت لا نعرف ما هي الخُطوة الانتقامية السعودية المُقبلة من الرئيس البشير ونظامه، فهل ستتّخذ الإجراء نفسه الذي اتخذته ضد قطر في بداية الأزمة، أي مُطالبته بفك عضويته في التحالف العربي في حرب اليمن، وسحب قوّاته جميعها التي تُقاتل هناك؟ وهل ستُقاتل هذه القوّات بالحماس نفسه في حال تجنّبت السعودية اتخاذ قرار “الإبعاد” لها من جبهة القتال، لوجود نقص في القوّات المُقاتلة على الأرض؟.

وأكدت أن الرئيس البشير بات يجد نفسه أمام مأزقٍ صعبٍ جدًّا، ربّما الأخطر في عُمر رئاسته الذي استمر قُرابة الثلاثين عامًا، فعلاقاته سيئة مع مصر، وتزداد سوءًا مع السعودية، وبالتالي مع دولتي الإمارات والبحرين، وبات مُضطرًا للعودة إلى المحور الإيراني الذي هجره بطريقة فظّة قبل ثلاثة أعوام، فأي خيار سيتّخذه الرئيس في نهاية المطاف؟.

وكان تساءل موقع المونيتور الأمريكي في تقرير له الأسبوع الماضي أن السودان الذي يعتاش على “الرز” القطري والسعودي والإماراتي.. ماذا يفعل أمام هذا المأزق؟.

ويعتبر موقف السودان المحايد في الأزمة القطرية ردا حذرا على خلاف دبلوماسي حساس يستتبع خسارة كبيرة بالنسبة إلى الخرطوم.

وبالتالي، وفقا للموقع، إذا ضغط السعوديون على الخرطوم للانضمام إلى «توافق الرياض» بشأن قطر، فسيتعين على الرئيس السوداني «عمر البشير» البحث عن حلول بشأن الموقف المؤيد لقطر في الخلاف.

ويتابع الموقع القول"ووسط مؤشرات بتنامي القلق السوداني، قررت الخرطوم عدم الانضمام إلى الرياض وحلفائها في معاقبة الدوحة لدعمها المزعوم للإرهاب. لكن بالنسبة إلى السودان، الذي يعتمد بشكل كبير على الدعم الاقتصادي من قطر ومن الدول الثلاث الأعضاء في مجلس التعاون الخليجيّ التي دخلت في المواجهة مع قطر، فإن الأزمة تثير قلق الخرطوم".

وكان ابتعد السودان عن إيران بهدف ضمان الدعم المالي من الأنظمة الملكية في الخليج العربي. وقد تلقى السودان في السنوات القليلة الماضية مساعدات بقيمة مليارات الدولارات من قطر ومن الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي التي تعاقب الدوحة.