السعودية والمهمة التدميرية في لبنان والمنطقة..«صفقة القرن»

عقدت السعودية التي تدعي العروبة والإسلام وتروج لفكرة قيادتها للعالمين العربي والإسلامي، عقدت مع ارباب المشروع الصهيو أميركي (خاصة اميركا وبريطانيا وإسرائيل) ما سمي «صفقة القرن»، فيها من التفاصيل والجزئيات الكثير الا انها تختصر بأمر واحد هو «تصفية القضية الفلسطينية» لمصلحة المشروع الاستعماري،

وشطب فلسطين وشعبها من الخريطة الجيوسياسية للمنطقة وحلول إسرائيل مكانها و اعتبارها مكوناً رئيسياً قيادياً فيها، ما يعيد الى الاذهان المشروع الذي طرحه شمعون بيريز في العام 1982 بعد ان اكمل تنفيذ معاهدة كامب ديفيد مع مصر واخرجت المقاومة الفلسطينية من لبنان الى تونس وظن ان كل العوائق قد زالت وباتت إسرائيل قادرة على تصفية القضية بالشكل الذي تريد ووفقا للمفاهيم والمصطلحات التي تفرضها وفي طليعتها رفض النظر الى الفلسطينيين كشعب له حقوق سياسية وفي طليعتها حق بالكيان السياسي على ارضه التاريخية فلسطين .‏

 

وعليه فإن «صفقة القرن» التي يتحدثون عنها هي في الحقيقة «مؤامرة القرن» لتصفية القضية الفلسطينية، هي صفقة خيانة دخلت فيها السعودية مع العدو مقابل ان يمكّن شخصٌ طلّق المنطق والدين والأخلاق، يمكّن من الاستيلاء على العرش الذي أقامه جده على ارض الجزيرة العربية ليكون له فيها مملكة باسم جده الاكبر سعود.فأي صفقة ستكون هذه العملية الخيانية للأمة وحقوقها والتي لا تنفذ الا عبر تدمير بلاد العرب وقتل شعبها وتشريد من نجا من آلة القتل السعودية؟.‏

 

في البدء نقول ان ما يتصاعد الحديث عنه اليوم بوصفه «صفقة القرن» ليس وليد الساعات والأيام الأخيرة بل هو في الحقيقة امر فعل سابق خرج اليوم الى العلن وامتلك الطرف المسمى غربيا فيه امتلك الوقاحة الفجور الذي يمكنه من العمل به علانية، اما في التنفيذ الميداني فانه بدا فعليا وبهذه الصيغة منذ اليوم الأول لإضرام الحريق في الجسم العربي الحريق الذي سموه «ربيع عربي»، وتنفيذا لهذه المؤامرة كان الهدف الرئيسي والاستراتيجي الاهم للعدوان على المنطقة، رأس المقاومة ومحور المقاومة ولذلك كان استهداف سورية التي تشكل القلعة الوسطى لمحور المقاومة من جهة، وقلب العروبة النابض، والحارس لفكرة العروبة الحقة التي يراها الرئيس الأسد قيم حضارية وإنسانية يعبر عنها بلغة تجمع كل من اقام على الأرض في المنطقة التي تتخذ من العربية لغتها دون ان يكون في الامر عنصرية او شوفينية ودون ان يكون فيه إقصاء او استبعاد لأحد من جميع الذين يقيمون على تلك الأرض من سكانها الأصليين.‏

 

نعم كان استهداف سورية يستند الى هذين السببين موقعها المقاوم، هويتها القومية العربية الحقيقية ودورها في الحفاظ على هذه الهوية التي تدرك عميقا طبيعتها، وترفض ان تكون العروبة غدرا وخيانة وتآمراً وقتلاً وتدميراً، فالعروبة كما يرى الرئيس الأسد وعبر عنه مؤخرا هي حضارة وتعاون ولقاء وبناء وثقافة ولا يمكن ان تكون كما يمارسها حكام السعودية ومن يدور في فلكها من دول الخليج خاصة، لا يمكن ان تكون قتلا ودمارا ومؤامرات وإذا كانت كما يبغون ويمارسون فاننا لا نريدها كما قال الرئيس الأسد أيضا.‏

 

ولأنهم يمارسون العروبة خلافا لحقيقتها دخلت السعودية و من معها في مؤامرة التصفية المسماة «صفقة القرن» التي ابرمتها مع إسرائيل وأميركا وانفقت من اجل تنفيذها المليارات من الدولارات منذ سبع سنين لتدمير البلدان العربية بدءا بليبيا التي أاعدمتها كل مقومات الدولة، وصولا الى اليمن الذي تمارس فيها الإبادة الجماعية عبر القصف والحصار التجويعي ونشر الكوليرا، مرورا بالعراق وسورية التي حاولت تدميرها فأُخرجت صاغرة مهزومة منهما، ووصولا الى لبنان الذي خططت له لإبادة المقاومة وخطفت رئيس حكومته في خطة بدت مؤخرا انها كانت في ا منتهى الغباء الممزوج بالوقاحة والفجور.دون ان ننسى البجرين حيث تدعم حاكمها الذي يمارس القهر والإبادة المعنوية ضد شعبه.‏

 

ومع هذا نجد ان المؤمرة المسماة «صفقة» حققت تدميرا وتجويعا وتشريدا ونجحت في ليبيا في تدميرها، لكنها فشلت وعجزت في الأمكنة الأخرى عن تحقيق المراد بدءا في سورية والعراق الدولتان اللتان صمدتا بوجه الإرهاب التكفيري الوهابي السعودي وسحقتا داعش ومن معها من فصائل إرهابية وبات الحديث عن تحقيق انجاز للعدوان هناك ضرب من السطحية والسخافة او العمى الاستراتيجي .و في اليمن مرغ انف السعودية بوحل الفشل، وهاهي السنوات الثلاث من العدوان تشارف على الاكتمال والسعودية عاجزة عن رد صاروخ بالستي يسقط على الرياض فيرعبها بعد ان اطلق بيد يمنية من شعب تجوعه السعودية بحصار اجرامي .‏

 

اما في لبنان فان هزيمة السعودية في كيدها ومؤامرتها عليه لم تتطلب وقتا كثيرا ولم يتعد الأسبوعين، حيث كان الأداء اللبناني وعلى كل الصعد رائعا في نسج وحدة وطنية وانتاج حالة دولية حاصرت السعودية التي وجدت نفسها معزولة تتخبط في فضيحة اعتقال رئيس حكومة دولة مستقلة وتهرب من الحقيقة الى الكذب الفاضح والممجوج وهي تنفي واقعة الاعتقال، حتى ظهر الفرنسي ومد لها حبل الخروج من المستنقع مع ما يحفظ لها ماء الوجه.‏

 

ان السعودية الخائبة والمهزومة في العراق وسورية ولبنان، والمتعثرة في البحرين والفاشلة في اليمن، السعودية التي هذا وضعها تتصرف بجنون وهيستيريا ظانه ان هذا يحجب الهزيمة ويمكّنها من السير قدما في مؤامرة «تصفية القضية الفلسطينية»، ولكن يبدو ان شركاء السعودية في المؤامرة واعون للنتائج وهم يعلمون ويدركون جيدا ان فلسطين القضية لا يمكن ان تصفّى ولا يمكن ان تشطب طالما ان هناك مقاومة تتمسك بها، وكيف بك اليوم والمقاومة ومحورها هم في اعلى مستويات القوة التي لم تبلغها مذ وجدت.‏

 

لهذا نجد في تنفيذ المؤامرة تسارعاً في الخطوات السعودية الى الحد الذي اثار هواجس الأردن نفسه ومراوغة إسرائيلية مع تمهل بسبب الخوف من المقاومة، واسرائيل تعلم ان لا تصفية للقضية طالما هناك مقاومة وان لا اجتثاث للمقاومة الا بحرب والحرب عاجزة هي عنها.هذه هي المعادلة التي تفهمها إسرائيل ولذلك تترك السعودية في الميدان لتقارع المقاومة دون ان تتحمل هي النتائج ولهذا اختارت السعودية الساحة اللبنانية لتواجه المقاومة فيها، وهنا السؤال عن النتائج؟‏

 

لا نشك مطلقا بأن حلم إسرائيل هو أن تنجح في تنفيذ مؤامرة «صفقة القرن» التي ما كان الحريق العربي الا من اجلها، لكن حرص إسرائيل وعلمها بالحقائق يمنعها من الغرق بالأحلام الوردية لانها تعلم ان المقاومة تجاوزت مواطن الخطر على وجودها ودورها خاصة بعد النصر الاستراتيجي العالي المستوى الذي حققته في العراق وسورية، لكن إسرائيل لن تكون متضررة اذا شجعت السعودية على محاولة العبث باستقرار لبنان وأمنه على ان تتحمل السعودية وحدها المسؤولية دون ان ترتد الاثار عليها، وطالما ان في السعودية قيادة حاقدة حمقاء جشعة لا تراعي في علاقاتها مع الاخر إلاّ ولا ذمة، فان لبنان ينبغي ان يكون على حذر دائم من تلك المساعي السعودية الشيطانية وخاصة ان في الداخل اللبناني من المرتزقة والعملاء رغم ضعفهم، فيه ما يغري السعودية بتكرار المحاولة رغم الفشل.‏

 

استاذ جامعي وباحث استراتيجي - لبنان‏