القواعد العسكرية الأميركية في سورية الوظيفة والمصير؟

كان واضحا منذ انشاء التحالف الدولي في صيف 2014، بقيادة أميركية تحت ذريعة محاربة داعش، ان الادعاء الأميركي كاذب وان اميركا هي التي اصطنعت داعش الإرهابية

 

واتخذتها جسر عودة الى العراق ووسيلة للعبور الى سورية التي طالما حلمت ومنذ عقود بالوجود على ارضها.‏

فأميركا هي التي ابتدعت الإرهاب وهي التي صنعت القاعدة في أفغانستان وهي التي جاءت بفرع منها الى العراق وهي التي وسعت اعمال هذا الفرع الى سورية بعد ان عجز الاخوان المسلمون وبعدهم السعوديون الوهابيون عن تحقيق الغرض الأميركي من العدوان على سورية فجاءت بفرع القاعدة العراقي ودمجت الميدان العراقي مع السوري واناطت امره بما اسمته «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش).وبالتالي يكون ساذجا وبسيطا او مخدوعا أبلهاً من يصدق بان اميركا انشات التحالف الدولي لمحاربة داعش، فالتحالف هذا ومنذ اللحظة الاولى التي أنشئ فيها كان أداة استثمار أميركية لإرهاب داعش..‏

وبكل طمأنينة نقول ان التحالف الدولي بقيادة أميركية لم يكن يوما ضد داعش ولم يكن من اجل أمن المنطقة واستقرارها بل هو منظومة ابتدعت خارج الشرعية الدولية وتجاوزت في وجودها وممارستها قواعد القانون الدولي وشرعة الأمم المتحدة ودخلت الى سورية مرتكبة العدوان عليها ومنتهكة السيادة السورية بكل ما في الكلمة من معنى، واليوم يكون منفصلا عن الواقع من لا يزال يظن ان اميركا تتصدى لداعش او تحاربها، خاصة بعد الممارسات الأميركية الميدانية التي تؤكد بان داعش هي جيش سري اميركي تقوده المخابرات الأميركية C.I.A. وأنشئ من اجل ان يوفر على اميركا استعمال جيشها التقليدي ويعطيها ذريعة الوجود العسكري على ارض دول ذات سيادة ترفض ان تنتهك سيادتها كما هو حال سورية.‏

وهنا يسجل لسورية بعد نظرها وشجاعتها في اتخاذ الموقف المناهض والرافض بشدة للوجود العسكري الأميركي على أراضيها وعدم القبول بالذرائع التي قدمتها اميركا سببا لهذا الوجود منذ اللحظة الأولى، فقد كانت سورية واضحة بالقول ان السيادة السورية تمارسها سلطة واحدة هي الحكومة السورية بقيادة الرئيس المنتخب من شعبه بانتخابات جرت تحت سمع العالم وبصره وبالتالي ان أي وجود عسكري على ارضها ينبغي ان يكون بقرار او موافقة هذه السلطة والا اعتبر عدوانا واحتلالاً لأرضها دون التوقف عند الذرائع والتبريرات مهما كانت طبيعتها.‏

فسورية كانت وما زالت ترى ان من يريد ان يحارب الإرهاب على الأرض السورية عليه ان يدخل الميدان من باب شرعي واحد ومحدد هو الباب الرسمي السوري، ومن يضل عنه فانه يلج باب العدوان مهما كانت المبررات والحجج. وأكثر من ذلك فإن سورية كانت تدرك أصلا ان اميركا التي تقود العدوان تضمر من وراء وجودها العسكري أشياء أخرى لا علاقة لها بالحرب على الإرهاب كما تدعي.‏

واليوم تتحقق كل الظنون السورية، اذ ان داعش التي كانت سببا ظاهرا للوجود الأميركي على الأرض السورية دخلت في مرحلة التصفية بعد القضاء عليها في سورية والعراق وكان منطقيا لو كانت صادقة في ادعائها ان تعلن اميركا انها ستخرج من سورية لانتفاء السبب والمبرر الذي من اجله دخلت اليها، وان تقفل تبعا لذلك القواعد العسكرية الـ 12 التي اقامتها على الأرض السورية والتي تدعي ان فيها 504 جنود فقط مع وجود تسريبات تقول بان اميركا بصدد الاعلان عن وجود 2000 عنصر في هذه القواعد، بيد ان الحقيقة هي ان فيها 5400 عنصر من القوات الخاصة الأميركية.‏

لكن اميركا تصرفت خلافا لهذا المنطق السليم ولم تفعل كما تصرف حزب الله مثلا عندما اعلن انه بصدد استعادة الخبراء والقياديين الذين اوفدهم الى العراق للمساعدة في التصدي لداعش وارهابها وانه سيخرجهم من الميدان لانتفاء سبب ايفادهم بعد ان قضي على داعش في العراق، بيد ان اميركا أعلنت انها باقية في قواعدها في سورية حتى بعد انتهاء داعش وربطت وجودها بالحل السياسي في سورية مدعية ان هناك تفسيرات لقرارات مجلس الامن 2253 و2254 تعطيانها شرعية في وجودها الامر الذي حمل وزير خارجية روسيا على السخرية والهزء من التفسير الأميركي الذي يضحك الثكلى فأميركا اليوم وكما تؤكد الحكومة السورية وهي محقة في قولها تمارس احتلالا في سورية عبر ما تقيمه من قواعد عسكرية وهذا يعطي صاحب الأرض الحق بالمواجهة والمقاومة وفقا لقواعد القانون الدولي العام.‏

لقد جاء التصرف الأميركي بتغيير ذريعة وجود قواتها العسكرية في سورية في سياق استراتيجية أميركية شاملة تتصل بالانتشار العسكري الأميركي في منطقة غربي آسيا، حيث ذكرت الصحافة الأميركية وبتسريب عن البنتاغون ان حجم هذه القوات تنامى في المنطقة هذه خلال الستة اشهر الأخيرة بنسبة 30%، وان العدد الفعلي للقوات ارتفع من 40000 الى 54000 جندي وضابط ينتشرون في 32 قاعدة عسكرية منها 6 قواعد كبرى في العراق (حيث 15000 عسكري) و12 قاعدة متوسطة في سورية (حيث 5400 عسكري) ويبدو ان اميركا شاءت من هذا التنامي لوجودها العسكري في غرب آسيا ان تعوض خسارتها للحرب العدوانية على المنطقة التي شنتها منذ سبع سنين عبر ادواتها وارهابها وان تمنع تشكل نظام إقليمي- دولي لا يستجيب لإملاءاتها، ومع هذا التطور سيطرح السؤال حول مستقبل هذه القواعد ومصيرها؟‏

اذا كانت الاتفاقية العراقية الأميركية المسماة الاطار الاستراتيجي للعلاقة الأمنية بين البلدين تشكل مدخلا لمعالجة وضع هذه القواعد مع سعي أميركي لتعديل الاتفاقية بما يسمح لها تثبيت تلك القواعد في ظل مواقف لسياسيين عراقيين تطالب ببقائها خلافا لرأي أغلبية العراقيين الذين يطالبون بتفكيكها ورحيل الاميركيين عن الأرض العراقية، فان الوضع في سورية مختلف كليا حيث ان سورية بقرارها الرسمي الشرعي، وبدعم من حلفائها في محور المقاومة وروسيا يرفضون الوجود الأميركي هذا ويسمونه احتلالا ويتوعدون بالتعامل معه وفقا لما يكون التصرف ضد الاحتلال، هذا وهو ما عبر عنه صراحة الموقف السوري والإيراني بالأمس الذي تضمن القول بان المقاومة مستمرة حنى طرد آخر جندي أميركي من المنطقة، فهل هذا التهديد سيدفع اميركا الى تعزيز وجودها ام الانسحاب ؟‏

لقد غيرت اميركا من ذريعة وجودها العسكري في سورية وربطته بالحل السياسي ليكون ورقة قوة وضغط يمكنها من فرض وجودها لدى إرساء الحل ومؤملة ان تفرض نوعا من التقسيم انفصال إقليم في الشمال الشرقي السوري، ثم تعقد مع هذا الإقليم اتفاقاً يشرع وجودها هناك، لكن اميركا تتناسى كما يبدو ان ما لم يؤخذ بالقوة والنار في الميدان لن يعطى على طاولة التفاوض والسياسة، وان القرار السوري الحاسم يمنع المس بوحدة سورية مهما كانت التضحيات وان فكرة الانفصال وبأي درجة كانت هي فكرة مرفوضة ولن تجد لها طريقا الى التنفيذ مهما كانت نكلفة المواجهة، اي ان تعويل اميركا على الاكراد ليعطوها شرعية الوجود أمر في غير محله.‏

اما لجوء اميركا الى القوة العسكرية لفرض وجودها في المنطقة فنعتقد ان في التاريخ الأميركي الحديث ما يؤكد لأميركا ان زمن الاحتلال والاستعمار قد ولى، ولها ان تستعيد انسحابها من فيتنام قبل نصف قرن ومن العراق قبل نصف عقد وتعلم ان مقاومة الشعوب حاضرة لكسر إرادة المستعمر واعتقد ان الموقف الإيراني والسوري كان صريحا في ذلك وشكل رسالة في وقتها وجهت لأميركا في اللحظة المناسبة.‏

وفي الخلاصة على اميركا ان تعلم حقائق تتهرب منها، ولكنها مرتكزة في ذهن سورية ومحور المقاومة وحلفائهم الروس، وفيها ان هذا المعسكر لم يثق يوما بان اميركا جاءت لتحارب الإرهاب الذي صنعته، ولا يثق بان اميركا تسعى لنشر الحرية والديمقراطية، او انها تعمل من اجل الشعوب ورفاهيتها فكل هذه التخرصات والادعاءات الأميركية زيف وخداع، فأميركا جاءت لتستعمر وتستثمر في اطار مشروع صهيوأميركي يتخذ بعض الاقليميين ادوات له، وفي المواجهة، وان سبع سنين من القتل والتشريد والدمار لم تمكن اميركا من تنفيذ مشروعها، والان وبعد ان هزمت داعش العمود الفقري للعدوان الأميركي، يكون على اميركا ان تنسحب، وان بضعة آلاف من الجنود لن يعوضوا الخسارة فالقرار لدى محور المقاومة هو تحرير الأرض من كل اجنبي والأميركي اجنبي يجب ان يرحل وهذا ما اعتقد ان اميركا ستقوم به ومن غير اضطرار الى المواجهة العسكرية.‏

* استاذ جامعي وباحث استراتيجي - لبنان‏