التحالف الإسلامي العسكري.. بلا رؤية استراتيجية

طالما برع القادة العرب في تنظيم القمم والاجتماعات البرّاقة ذات التكاليف المادية الباهظة من دون أن يكون لها أي دور فعّال حتى على مستوى الإقليمي، فمن قمة عربية إلى اجتماعات على مستوى وزراء الخارجية والاستخبارات والداخلية، إلى ما شاهدناه بالأمس من اجتماع على المستوى العسكري، حيث افتتح ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، أمس الأحد في العاصمة السعودية الرياض، أعمال الاجتماع الأول لمجلس وزراء دفاع التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، الذي انعقد تحت شعار “متحالفون ضد الإرهاب”.

وأكد الوزراء خلال الاجتماع، على ضرورة تجفيف منابع الإرهاب، والعمل على التصدي للمنابر الإعلامية الإرهابية ولرموز الفكر المتطرف، وأشار البيان الختامي إلى أن المجتمعين أكدوا عزمهم على مواجهة الإرهاب في جنوب شرق آسيا، والشرق الأوسط، وإفريقيا، وشدد البيان على ضرورة اتخاذ جميع التدابير والإجراءات اللازمة لمكافحة تمويل الإرهاب.

اللافت، أن التحالف الإسلامي، الذي أنشئ قبل عامين، كان الاجتماع الأول له بالأمس، أي بعد القضاء أو تقويض معظم حركات الإرهاب الخطرة التي كانت منتشرة في العديد من الدول العربية كداعش وجبهة النصرة، أيضًا، جميع الدول التي قاتلت الإرهاب وكان لها الدور الأبرز في دحر داعش، ولها باع في التعاطي مع الجماعات الإرهابية، مثل سوريا والعراق وإيران والجزائر، لم تكن مدعوة للمشاركة في التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب.

وعلى العكس، ضم الاجتماع الذي حضره 41 ممثلا عن دول عربية وإسلامية، دولًا متورطة في دعم الإرهاب، مثل السعودية والإمارات، حيث كشفت الأزمة الخليجية بين المملكة وقطر اتهامات متبادلة بينهما بدعم كل طرف للإرهاب في سوريا والعراق، الأمر الذي لم ينفه الحليف الأمريكي المشترك لهما، بل زاد عليه تقارير تثبت تورط أبو ظبي في أحداث 11 سبتمبر، كما أن قانون جاستا الأمريكي يثبت تورط المملكة بدعم الإرهاب، تركيا، أيضا لم تسلم من فضائح دعم الإرهاب من خلال شرائها لشحنات النفط من الأماكن التي كانت داعش تسيطر عليها في الرقة وديز الزور والموصل، الأمر الذي أثبتته مقاطع فيديو عرضتها القوات الفضائية الروسية، كما أن دور أنقرة معروف في دعم المجموعات المسلحة في سوريا من خلال حدودها المشتركة مع سوريا وبتمويل قطري، وفقُا لتصريحات وزير خارجية قطر السابق، حمد بن جاسم.

حالة التخبط حول تحديد أهداف التحالف كانت حاضرة في اجتماع التحالف بالأمس، ورغم أن وزراء دفاع دول التحالف أكدوا في البيان الختامي “عزم دولهم على التصدي للإرهاب بكل السبل والوسائل بما في ذلك على الصعيد الفكري والمالي ومواجهة وسائله الدعائية”، لكن هذا التأكيد كان فاقدًا بشكل كبير للبوصلة، فالاجتماع تم بلا اتفاق على مفهوم الإرهاب وتصنيفه، فمقطع الفيلم الترويجي للمؤتمر العسكري أظهر مقاوم فلسطيني في القدس المحتلة في السياق نفسه مع إرهابيي داعش، بما يتماشى مع ترويج الخارجية السعودية التي دائمًا ما تصف حماس وحزب الله بالإرهاب، الأمر الذي لا يقبل به جزءًا من الحاضرين في الرياض ومن الغائبين عن المؤتمر أيضًا كلبنان، وحتى مصر رفضت اتخاذ أي إجراءات ضد حزب الله، خلال الأزمة السعودية اللبنانية على خلفية رئيس وزراء الأخيرة، سعد الحريري.

وفي سياق التعاطي مع المعنى الفضفاض للإرهاب أيضًا، نجد أن بعض الجماعات التي تصنف إرهابية في دول موجودة في التحالف العسكري، شرعية ومعترف بها في دول موجودة أيضًا في التحالف، فالسعودية ومصر والإمارات يعتبرون الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، في المقابل، تركيا وقطر تدعمها، وبالتالي ما هو إرهابي عند بعض دول التحالف نجده شرعيا أو مقاوما عند دول أخرى.

اللمسات الصهيونية حول الإرهاب لم تختفِ من جنبات المؤتمر العسكري، فلا خلاف أن تل أبيب والرياض متفقتان من حيث المبدأ على اعتبار حماس وحزب الله حركات إرهابية، ولكن تجب الإشارة إلى أن المنظر الديني للتحالف الإسلامي العسكري، محمد العيسى، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي والوزير السعودي السابق، كان حاضرًا كمخاطب في اجتماع التحالف العسكري، حيث قال إن محاربة أيديولوجية الفكر المتطرف استراتيجية هامة للقضاء على الأفكار الإرهابية، لكنه قال قبل أيام في لقاء خاص مع صحيفة معاريف الصهيونية “أي عمل عنف أو إرهاب يحاول التستر وراء دين الإسلام لا مبرّر له على الإطلاق، ولا حتى داخل إسرائيل”، والخطورة هنا أن اجتماع التحالف الإسلامي العسكري، خلع صفة الإرهاب عن العدو الحقيقي للأمة العربية والإسلامية “الكيان الصهيوني”، وألقاها على حركات المقاومة.

والسعودية كانت تسعى بالفعل لتشكيل تحالف عسكري ضد إيران، الأمر كشفت عنه صحيفة الوول ستريت الأمريكية، قائلة إن التحالف سيكون تحت قيادة أمريكية إسرائيلية، والرياض عندما شكلت تحالفها كانت تريد توجيه رسائل عسكرية لطهران خاصة بعد عدوانها على اليمن، ويبدو أن واقع الحال لم يجعل المملكة قادرة على توجيهه استراتيجيًا ضد إيران، فالدول الوازنة عسكريًا كمصر وتركيا وباكستان، لا تريد حربًا مع إيران، فعلاقة أنقرة مع طهران تمضي قدمًا سواء فيما يتعلق بحجم التبادل التجاري بينهما، أو بالتنسيق السياسي والعسكري في سوريا وحول الملف الكردي، خاصة أن الرياض خصم لأنقرة في الوقت الراهن على الأقل، خاصة أنها عمت انفصال كردستان عن العراق، وفرضت مقاطعة على قطر حليفة تركيا.

ويبدو أن الجمود بين الرياض وأنقرة انعكس على مستوى التمثيل في الاجتماع العسكري، فلم يحضر وزير الدفاع التركي واكتفت أنقرة بإرسال مندوب عنه، ووفقًا للكاتب والمتخصص في الشأن التركي، حسني محلي، فإن وسائل الإعلام التركية لم تتعامل بأي شكل من الأشكال، حتى لو بخبر صغير، مع الاجتماع العسكري في الرياض، وبحسب محللين، فإن هناك توجهات من قبل الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بألا يكون هناك أي اهتمام بأي شيء صادر عن السعودية.

أيضا، باكستان، زار رئيس أركانها، قمر جاويد، طهران قبل أسابيع لبحث تعزيز العلاقات الدفاعية والأمنية بين طهران وإسلام اباد، كما أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قالها دون مواربة، بأنه لا يريد حربًا في المنطقة ضد إيران وحزب الله، كما أن مصر التي تعاني من الإرهاب في الداخل كالهجوم الإرهابي الذي تعرض له مسجد الروضة وراح ضحيته 305 شهداء، سيكون من الترف العسكري أن تشارك في حروب خارجية تحت عنوان الإرهاب، خاصة أن السيسي قال في مناسبات مختلفة أن بلاده تحارب الإرهاب وحدها نيابة عن العالم، وهنا لا نجد دور للتحالف الإسلامي العسكري في الإرهاب الذي تتعرض له مصر، بينما تطالب المملكة دورًا عربيًا وإسلاميًا في أجندتها الخاصة بالإرهاب، وحتى فيما يتعلق بالخرطوم، فتصريحات الرئيس السوداني، عمر البشير، في زيارته الأخيرة إلى موسكو تتقاطع مع تصريحات مصر بشأن إيران.

ويرى مراقبون أن السعودية أنشأت تحالفها في الوقت غير المناسب، فالمملكة تعاني حالة اقتصادية متدهورة، كما أنها فشلت في جميع ملفات المنطقة بدءا باليمن وليس انتهاءً بسوريا، كما أن سياسة المملكة في المنطقة محط انتقاد من دول غربية كأمريكا وألمانيا وفرنسا، وبالتالي من الصعب أن تؤمن الدول العربية والإسلامية المشاركة في التحالف الإسلامي العسكري غطاء سياسيا أو عسكريا للسعودية، في ظل انتهاكاتها للمعايير الإنسانية والأخلاقية في اليمن، والمقاطعة مع قطر.