خفايا خطة إسقاط صنعاء ودور أبوظبي فيها

تتجه أحداث الثاني من سبتمبر التي شهدتها العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات الواقعة تحت سيطرة «أنصار الله» إلى الانتهاء، بعد أن فرضت القوات التابعة للحركة سيطرتها على 95% في العاصمة والمحافظات التي شهدت «تمرّداً» عليها، إلا أن أسباب أحداث صنعاء لاتزال غامضة، فهل هي نتيجة للصراعات البينية التي أخذت بالتفاعل منذ أشهر بين شريكي الحكم بصنعاء؟ أم أنها كانت مخطّطة بدقة ومموّلة من الخارج؟

 

انحصرت المواجهات العسكرية التي تدور منذ مساء يوم الجمعة الماضي، بين قوات «أنصار الله» وقوات تابعة للرئيس الأسبق علي عبدالله صالح، وسط العاصمة صنعاء، في شارع الجزائر وشرق شارع بغداد المؤدي إلى شارع عمان. المواجهات المتقطعة بين الطرفين يستخدم فيها الأسلحة الخفيفة والمتوسطة منذ صباح الأحد، تشتد تارة وتنحسر تارة أخرى، إلا أنها وغيرها لم تكن نتيجة للاحتكاكات التي حدثت قبيل موعد احتفاء «أنصار الله» بالمولد النبوي، الخميس الماضي، بل كانت معدّة مسبقاً، وتمرّ وفق خطّط وتنسيق متكامل، أكانت داخل العاصمة أو في المحافظات.

 

مخطّط كبير… مكشوف

مصادر في حركة «أنصار الله» سبق وأكدت لـ«العربي» وجود «مخطط كبير» يتم الترتيب لتنفيذه بالتنسيق مع دولة الإمارات. المصادر أشارت أواخر الشهر الماضي، إلى أن «هناك جناجاً في أوساط المؤتمر الشعبي العام مخترق من الإمارات، وتم رصد تحركات مشبوهة له»، إلا أنها عادت وطلبت عدم نشر المعلومات.

تلك المعلومات التي طُلب التحفّظ عليها، كشفت أيضاً عن قيام العميد طارق محمد عبدالله صالح، بتجنييد الآلاف من عناصر «المؤتمر»، واستقطاب عدد كبير من عناصر قوات الحرس الجمهوري في سبتمبر الماضي، وإرسالهم إلى كل من محافظة عدن ومحافظة شبوة ومحافظة إبّ للتدريب العسكري، بالإضافة إلى قيامه بتدريب المئات في معسكر أطلق عليه «معسكر الملصي»، في سنحان مسقط رأس صالح.

المصدر أكد أن «820 عنصراً من المستقطبين من قبل طارق صالح، وصلوا على دفعات متعددة إلى مدينة عدن لحضور دورة عسكرية، يشرف عليها مدرّبون من الإمارات».

تلك المعلومات، كان قد أكدها الناشط الجنوبي فهد الصالح العوذلي، في الثامن من أكتوبر الماضي، على صفحته على «الفيس بوك»، حين أبدى استغرابة من دخول عدد من الباصات تقل عناصر شماليين من بير أحمد، متجهين إلى عدن، من جميع النقاط الأمنية التابعه لقوات «الحزام الأمني» من سنحاح، في منطقة الضالع، من دون أن يم اعتراضهم أو إيقافهم. وتوقع العوذلي أن يكون هناك «توجيهات عُليا» بالسماح لهم بالمرور.

 

معسكرات تدريب إماراتية

وبالتزامن مع بدء تدريب العناصر الموالية لطارق صالح من قبل الإماراتيين، تحدثت وسائل إعلام موالية لـ«التحالف» عن بدء تشكيل قوات «النخبة الصنعانية» الموالية لأبو ظبي. ووفقاً للمصدر العسكري المقرّب من «أنصار الله»، فإن الحركة «رصدت معسكر تدريب تابع لقوات تابع لطارق صالح، في وادي عدس الواقع في مديرية الصعيد بمحافظة شبوة، وتم التأكد من قيام ضباط إماراتيين بالإشراف على تدريب المئات من العناصر فيه»، لافتاً إلى أن «إقامة معسكر وادي عدس بشبوة، تم بالتنسيق مع العميد طارق وأمين عام المؤتمر عارف الزوكا».

ووفقاً للمصدر ذاته، فإن حركة «أنصار الله رصدت معسكر رابع في مديرية العود في محافظة إبّ، يضاف إلى دخول ثلاث شحنات سلاح عبر طرق غير رسمية، مقدّمة من الإمارات إلى طارق صالح، تم استلامها من قبل شيخ في ذمار»، كما أكد المصدر أن «الإمارات قامت بصرف رواتب للآلاف من الموالين لطارق صالح في العاصمة صنعاء منذ أشهر»، وأشار إلى أنه «تم تقديم كشوفات تلك العناصر عبر قائد عسكري موالٍ للرئيس عبدربه منصور هادي، في مدينة قعطبة، وبدوره قدّمها للجانب الإماراتي في العند وعدن»، موضحاً أن «تلك الكشوفات الخاصة برواتب تقدّم من الإمارات، تم العثور عليها من قبل القوات الموالية لأنصار الله في أحد المنازل التي كانت تابعة للرئيس السابق، يوم أمس الأحد».

 

خطة الانقلاب

حركة «أنصار الله» كانت تدرك أن هناك خطة معدة لإحداث فوضى في العاصمة والمحافظات منذ يوليو الماضي. مصدر مسؤول في «أنصار الله» أكد لـ«العربي» أن الحركة «كاشفت قيادات في المؤتمر بتلك الخطة، وتم تشكيل لجنة تحقيق في ذلك».

وأوضح المصدر بأن «الخطة تضمّنت ثلاثة مسارات منها، مسار اقتصادي وأمني وعسكري»، مشيراً إلى أنه «تم تنفيذ الكثير من المسار الاقتصادي عبر إحداث أزمة مشتقات نفطية، وأزمة غاز، ومحاولة تعطيل مؤسسات الدولة، وخصوصاً تعطيل العام الدراسي، واتهام أنصار الله بالفساد، ومحاولة تأجيج الشارع ضد الأنصار تحت مبررات وإشاعات واتهامات باطلة تستهدف مشرفي الحركة وعناصرها».

ولفت المصدر إلى أن «ما حدث السبت الماضي كان انقلاب كامل الأركان تم إفشاله بنجاح»، مشيراً إلى أن «جناح التخريب في المؤتمر سيطر على قرار الحزب بشكل تام خلال الأشهر الماضية، وبدأ باتخاذ سياسيات ومواقف مناهضة للشراكة الوطنية مع أنصار الله، واتجه نحو التصعيد وتنفيذ مخطط خارجي»، وأكد المصدر أن «أحداث المولد النبوي لم تكن السبب الوحيد لما حدث في صنعاء والمحافظات، بل أن ما حدث كان معداً ومرتباً له بشكل دقيق».

 

إسقاط صنعاء

مساء الأربعاء، وبعد المواجهات المحدودة التي شهدها جامع الصالح، على خلفية رفض حراسات الجامع السماح لأمنيات «أنصار الله» بالدخول لتأمين الفعالية وصعود للجنة الإعلامية إلى مآذن الجامع لنقل الفعالية وتصوريرها، تم نشر الآلاف من المسلحين في تبة توفيق صالح، في بين بوس وعدد من مناطق العاصمة، منها مثلث سنحان وتجهيز المئات من المسلحين في بني الحارث وفي بين بوس وفي السواد، وتم ترتيب الوضع عسكرياً في شارع الجزائر والشوارع المجاورة له كشارع بغداد وعمان.

تلك الاستعدادات اتسع نطاقها إلى مديريات طوق العاصمة والمحافظات الأخرى كذمار والبيضاء والمحويت وحجة وعمران وإب، وتم تكليف شخصيات عسكرية واجتماعية بالقيام بقطع كامل الامدادات العسكرية لـ«أنصار الله». وفي صباح السبت، وبنفس التوقيت، قطع طريق صنعاء ـ ذمار في نقيل يسلح وفي معبر وفي منطقة رصابة غرب ذمار وفي مدخل ذمار وصولاً إلى مفرق حمام علي والطريق المؤدي إلى أنس ومنه إلى الحديدة، كما تم قطع طريق ذمار ـ إب في منطقة كتاب الواقعة بجانب مدينة يريم، وفي نقيل يسلح، وتم قطع طريق إب ـ تعز في نقيل السياني، والهدف منع أي تعزيزات عسكرية لـ«أنصار الله» لمواجهة «التمرّد» ضدها في المدن، أو تعزيز الجبهات العسكرية.

وبالمثل، تم قطع طريق صنعاء ــ خولان ــ صراوح في خولان لمنع وصول أي إمدادات وتعزيزات عسكرية إلى جبهات صرواح، التي لو سقطت لسقطت نهم، لأهميتها الاستراتيجية. وفي المحويت تم قطع طريق الإمدادات في مديرية الرجم والطويلة. وفي عمران تم قطع طريق صعدة ـ عمران في خمر وفي بني صريم وفي نقيل الغوله. وفي حجة تم قطع الطريق الرابط مع عمران وصنعاء في نقيل الخذالي، بهدف قطع أي تعزيزات عسكرية لجبهة ميدي، أو إجهاض «التمرّد» في مدينة حجة.

تلك الخطة أعدت سلفاً، وكانت مرصودة من قبل «أنصار الله» كما أكد مصدر أمني لـ«العربي»، الذي أكّد أنه تم الترتيب والإعداد لمواجهتها من قبل الأجهزة الأمنية وقوات الجيش الموالية لـ«أنصار الله»، كما تم إبلاغ القبائل المحيطة بالعاصمة بوجود مخطط يحاول «التحالف» تنفيذه عبر طرف في الداخل.