أميركا تدمّر الحل السلمي.. والفلسطينيون يسمعونها الجواب: القدس عاصمة فلسطين الأبدية

 

منذ أن اغتصب الكيان الإسرائيلي فلسطين واحتل اراضيها ولليوم لم يأت بمخططات جديدة في كل جولاته وصولاته، وإنما هو ينفذ مخططات مرسومة، بما فيها جر مياه البحرين من المتوسط إلى البحر الميت،

 

وما يسمى مشروع السلام بعد الحرب ، والسياسة الصهيونية المرسومة، تضم عشرات البنود التي طبقت، والتي لا يزال منها قيد الانجاز، ومن ضمنها إعلان القدس عاصمة لـ «إسرائيل» وبناء الهيكل المزعوم وتهجير سكانها .‏

 

القرار تاريخياً‏

 

رغم مرور 36 عاماً على قرار الاحتلال الإسرائيلي ضم الجزء الشرقي من مدينة القدس إليها عام 1980 والذي احتلته بعد حرب سنة 1967 وإعلان المدينة عاصمة لها، إلا أن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بما فيه الولايات المتحدة آنذاك لا يعترف بالقدس كعاصمة لـ»إسرائيل»، ويعتبر القدس الشرقية جزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولا يعترف بضمها للكيان الصهيوني.‏

 

كما أبقت الكثير من دول العالم، قنصلياتها في المدينة المحتلة، بهدف خدمة الفلسطينيين القاطنين فيها، رغم استمرار الاحتلال الإسرائيلي.‏

 

وكان لافتاً أن الكثير من دول العالم، قررت عقب القرار الإسرائيلي بضم القدس عام 1980، نقل سفاراتها من «القدس الغربية» إلى «تل أبيب» .‏

 

إلا أن الولايات المتحدة الأميركية وقعت مع إسرائيل في 19 كانون الثاني 1982 وبالتحديد في اليوم الأخير لولاية الرئيس الأميركي رونالد ريغان على وثيقة خطيرة، تتناول وضع القدس العربية المحتلة وسميت «اتفاق إيجار وشراء الأرض» حصلت الحكومة الأميركية بموجبها على قطعة أرض من الأملاك الفلسطينية الخاصة في القدس الغربية المحتلة عام 1948 لبناء السفارة الأميركية عليها.‏

 

وكانت الحكومة الأميركية قبل التوقيع على هذه الوثيقة تعتبر القدس كياناً منفصلاً غير خاضع للسيطرة الإسرائيلية.‏

 

واعتبر التوقيع على هذه الوثيقة اعترافا ضمنيا أميركيا بسيادة الكيان الصهيوني على القدس المحتلة، وفي الوقت نفسه يحرم القانون الدولي الحصول على أرض من سلطة الاحتلال عن طريق الاستئجار أو الشراء.‏

 

القرار الأميركي المشؤوم‏

 

في عام 1990، اتخذ الكونغرس الأميركي قرار رقم «106»، والذي نص على نقل السفارة الأميركية من «تل أبيب» إلى القدس المحتلة، وصدر قانون نقل السفارة الأميركية في عام 1995، وذلك بعد أربعة أسابيع من توقيع اتفاق طابا (أوسلو) في البيت الأبيض بين كيان الاحتلال والمفاوضين الفلسطينيين، والذي تم فيه الالتزام بعدم المساس بوضع القدس، وتأجيل بحثها إلى مفاوضات الحل النهائي.‏

 

احتوت ديباجة القانون الأميركي آنذاك على كافة المزاعم والأطماع اليهودية في مدينة القدس العربية، وتنكر القانون في الوقت نفسه لتاريخ وواقع القدس والسيادة العربية عليها، وتضمن القانون ثلاثة بنود: الأول أن تبقى القدس موحدة غير مجزأة أي تكريس الاحتلال الإسرائيلي للقدس بشطريها المحتلين، وشرعنته.‏

 

والثاني: يعترف بالقدس الموحدة عاصمة لـ»إسرائيل»، ويدعم الاحتلال بالضم والتهويد والدفاع عنه.‏

 

والثالث: يلزم الإدارة الأميركية بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس وإقامة مبنى السفارة فيها حتى عام 1999 أو متى يحين الوقت لذلك.‏

 

القانون الذي وافق عليه آنذاك مجلس الشيوخ بأغلبية ساحقة (93) مقابل (5) أصوات ضده، وأعلن الرئيس بيل كلنتون حينها أنه لا يؤيد القانون ولكنه سيلتزم بتنفيذه، وصمتت حينها معظم الدول العربية صمتاً مريباً، وتفاوتت بعض الردود التي صدرت عنها بين التعبير عن شكر الرئيس كلنتون لأنه لم يؤيد القانون ولكنه وقّع عليه وبين إبداء الدهشة والأسف.‏

 

تلى ذلك، توقيع الرئيس الأميركي السابق جورج بوش في 30 أيلول 2002 قانوناً مجحفاً أقره مجلس الشيوخ الأميركي ينص على أن «القدس الموحدة» عاصمة للكيان الإسرائيلي، مما أثار حينها الغضب والاستنكار الشديدين في جميع العواصم العربية.‏

 

وقد اعتبرت الدول العربية ذلك القانون خطيرا ويهدد الاستقرار في المنطقة، ويدل بشكل كامل على الانحياز الأميركي لدعم الاستعمار الاستيطاني اليهودي في القدس وفلسطين وبقية الأراضي العربية المحتلة وتبنيه والدفاع عنه.‏

 

وأخيرا، في محطة الرئيس الأميركي بارك أوباما، حاولت إدارته تفادي تطبيق القرار قدر المستطاع، خوفا من تفجير حالة من الغضب لدى الفلسطينيين وانعكاس ذلك بالطبع على كيان الاحتلال، حيث أرجأ أوباما أكثر من مرة نقل سفارة بلاده لدى الكيان الإسرائيلي من تل أبيب إلى القدس المحتلة، بالرغم من الضغط الكبير الذي كان يلعبه اللوبي الصهيوني على الإدارة الأميركية ، وبحسب القانون الذي تم تمريره في عام 1995، ولكن القانون كان يجيز للرئيس تأجيل العملية لمدة ستة أشهر لأسباب تتعلق «بالأمن القومي».‏

 

اذاً فإن قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة الذي صدر يوم 8 تشرين الثاني 1995، حمل اسم «تشريع سفارة القدس 1995»، ويعتزم الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترمب تنفيذه وسط تنديد عربي وعالمي وتحذيرات من انفجار المنطقة.‏

 

مزاعم تمهيدية يذكرها التشريع الأميركي‏

 

يذكر التشريع أن القانون الدولي يكفل لكل دولة تحديد عاصمتها، وفي هذا السياق أعلنت «إسرائيل» منذ 1950 القدس عاصمة أبدية لها، وجعلتها مقرا لكل مؤسساتها الوزارية والإدارية، وبينها مقر الرئيس والكنيست والمحكمة العليا، كما أنها «مركز الديانة اليهودية»، وتعتبر مدينة مقدسة بالنسبة «لأعضاء ديانات أخرى»، على حد تعبير القرار.‏

 

ويمضي التشريع ممهدا بالقول إن «القدس كانت مدينة مقسمة»، وأن المواطنين «الإسرائيليين» ومعتقدي الديانة اليهودية ظلوا ممنوعين من دخولها منذ 1948 وحتى 1967 .‏

 

ويزعم التشريع أن «إسرائيل» عملت على توحيد القدس وفسح المجال أمام معتقدي جميع الديانات للوصول إلى كل الأماكن المقدسة بالمدينة دون تضييقات.‏

 

وبعد أن ذكّر تشريع نقل السفارة بموافقة الكونغرس ومجلسي النواب والشيوخ على التوالي عامي 1990 و1992 على كون القدس يجب أن تبقى مدينة موحدة وهي غير قابلة للتقسيم، وباتفاق غزة وأريحا أولا، وبدء مفاوضات الحل النهائي، وبالرسالة التي وجهها 93 من أعضاء مجلس الشورى الأميركي في آذار 1995 التي طالبوا فيها وزير الخارجية الأميركي وقتها وارن كريستوفر بالتخطيط لنقل سفارة الولايات المتحدة إلى المدينة المقدسة، استغرب التشريع كيف للولايات المتحدة أن تتخذ سفارات لها بكل عواصم العالم باستثناء إسرائيل «وهي الصديقة والحليفة الإستراتيجية لأميركا.‏

 

وحرص المشرعون في البند الثالث من التشريع على التأكيد على أن سياسة الولايات المتحدة الأميركية تنبني على الاعتراف بالقدس مدينة موحدة غير قابلة للتقسيم، وأنه يجب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وبناء على ذلك يجب أن تكون سفارة الولايات المتحدة بعاصمة إسرائيل.‏

 

سيناريوهات ترامب المراوغة !!‏

 

وعلى الرغم من صدور «تشريع السفارة» منذ 1995، فإن الرؤساء السابقين لدونالد ترمب كانوا يؤجلون تطبيقه، حيث انحازت السياسة الخارجية بشكل عام إلى سياسة الأمم المتحدة والقوى الكبرى الأخرى التي لا تعتبر القدس عاصمة لإسرائيل ولا تعترف بضم إسرائيل للقدس الشرقية العربية بعد احتلالها في حرب عام 1967، على أمل إنجاح مفاوضات السلام بناء على حل الدولتين.‏

 

غير أن ترامب لم يكن يترك فرصة تمر خلال حملته للانتخابات الرئاسية عام 2016 دون أن يؤكد أنه سيبادر فور فوزه بالرئاسة إلى نقل سفارة بلاده إلى القدس.‏

 

وتتضمن السيناريوهات، التي قد تعتمدها الإدارة الأميركية الجديدة -وفق مركز الزيتونة- أن يقوم ترامب بنقل السفارة في بداية ولايته أو في وقت لاحق خلالها، أو أن يُوّلى أحد مكاتب خدمات السفارة في غربي القدس (وليس شرقي القدس) إلى سفارة، وهو ما سماه السيناريو المراوغ.‏

 

كما يمكن أن تنفذ إدارة ترامب السيناريو الثاني، الذي يتمثل في أن تبقى السفارة في تل أبيب وينتقل السفير إلى القدس، أو يقوم بخطوة مزدوجة بنقل السفارة للقدس مع الإعلان في المقابل عن الاعتراف بدولة فلسطين لامتصاص ردات الفعل.‏

 

تحذيرات‏

 

أطلقت عشرات التحذيرات والتنبيهات من مغبة المساس بحقوق الفلسطينيين في القدس كعاصمة ابدية لدولتهم، وأعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن نقل السفارة الأميركية للقدس سيضر بعملية السلام، معتبرا أنه «إجراء كهذا غير قانوني»، وذكّر بأن «جميع دول العالم التي تتبادل التمثيل الدبلوماسي مع إسرائيل سفاراتها في تل أبيب، ونقل السفارة الأميركية للقدس يجحف بالوضع النهائي للمفاوضات ويؤثر عليه.‏

 

في حين اطلقت العديد من الدول والجهات التحذيرات الرافضة لتلك القرارات اللامسؤولة والمخالفة للقوانين الدولية والتي فيها اجحاف كبير بحق الفلسطينين والعرب ككل.‏

 

إسرائيل تنتظر ترامب لتنفيذ وعده الذي أطلقه خلال حملته الانتخابية بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، لكن من الناحية العملية فإنه سواء كانت القدس عاصمة لـ»إسرائيل» أو لم تكن، فهذا لا يغير من المعادلة من حيث احتلال فلسطين والتحكم بها كما تشاء كدولة محتلة أمام مرأى ومسمع العالم الذي اصم اذنيه واعمى بصيرته عن قضيتها الاساس، لكن الهدف من ذلك سياسي له أبعاده التي ذُكرت وهو إكمال المشروع الصهيوني والانتقال من مرحلة الحروب مع العرب والاحتلال العسكري للانتقال إلى الاحتلال السياسي والاقتصادي وإدماج الصهاينة بالمجتمع العربي من خلال التطبيع واتفاقيات السلام مع الدول العربية.‏