لماذا تستمرّ الحرب على اليمن رغم الفشل الذريع عسكرياً وسياسياً ؟ وهل بات إيقافها أقرب إلى التحقق ؟

 

مقدمة:

 

العدوان السعودي الأمريكي على اليمن مستمر منذ قرابة 33 شهراً وبعد أيام قليلة سيكون التحالف الذي تقوده السعودية قد أتمّ حرب الألف يوم على اليمنيين. متغيّرات وتطوّرات كثيرة عصفت المنطقة وحتى بالوضع الداخلي اليمني منذ تاريخ 26 آذار مارس عام 2015، تاريخ بدء العدوان. كثيرة هي التحليلات التي خرجت سابقاً لتوقّت لتاريخ إيقاف هذا العدوان، وقد تبيّن أن أبعاد هذه العدوان متشعّبة في أكثر من اتجاه، إذ إنّ من يقود هذه الحرب، لديه حسابات عديدة، منها الإقليمي والدولي والأهم الداخلي. هناك أمير شاب في الرياض كان يتحضّر للتقدّم في سلّم السلطة في النظام السعودي مع انطلاق العدوان في مارس 2015، وقد قطع شوطاً مثيراً بمحطاته وأحداثه حتى وصل الى منصب “ولي العهد”. وكونه يتصدّر واجهة قيادة العدوان بما أنه يشغل منصب وزير الدفاع السعودي، فلا شك أن مسار الحرب ومجرياتها الميدانية عامل مؤثّر في سيرته الذاتية وهو الذي يتحضّر قريباً لاستلام العرش. اليوم تطرح أسئلة كثيرة عن أسباب استمرار هذا العدوان، وبالنظر إلى المؤشرات التي طفت على السطح منذ أشهر وقبل أيام، أصبح بالإمكان تفسير الكثير من المراحل الغامضة التي مرّ فيها العدوان خلال العامين ونصف العام الماضية. لماذا استمرّت الحرب رغم الفشل الذريع عسكرياً وسياسياً والأهم أخلاقياً، والخسائر الاقتصادية والبشرية؟ وهل بات إيقاف الحرب اليوم أقرب إلى التحقق بسبب استنفاذ عوامل الحسم؟

 

العوامل العسكرية الحاسمة في الحرب:

القوات المسلّحة السعودية:

 

أثبت سلاح الجو السعودي عدم فاعليته في حسم المعارك لصالح تحالف السعودية في الجبهات الداخلية في المناطق التي تسيطر عليها قوات الجيش واللجان الشعبية بعد انسحابها من عدن وبعض الجبهات في الجنوب عام 2015. من المعلوم جيّداً ان الخسائر البشرية مرتفعة في صفوف القوات السعودية البرية المشاركة في العدوان سواء كانت تابعة لوزارة الدفاع أو لوزارة الداخلية كقوات حرس الحدود بالإضافة للحرس الوطني. في 4 أيار مايو 2017 نشرت تقريراً في جريدة الأخبار اللبنانية فيه مقابلة صحافية مع ضابط سعودي منشق لجأ الى ألمانيا في شهر كانون الثاني من العام الجاري. يقول الضابط الذي شغل منصب سكرتير “رئيس هيئة إدارة القوات المسلحة” أنه استطاع احصاء حوالي 5000 قتيل سعودي وخليجي منذ بدء العدوان وحتى نهاية شهر كانون الأول 2016. الضابط تحدّث بإسهاب عن انهيار الحالة المعنوية للقوات السعودية المشاركة في الحرب منذ الشهر الرابع لبدء العدوان، وقد أحصى في الأشهر الأخيرة من عام 2016 فرار العشرات من الجنود من جبهات القتال على الحدود مع اليمن. بالإضافة إلى كل ذلك، أكد الضابط أن كبار ضباط الأركان غاضبون من عدم اكتراث محمد بن سلمان لمؤسسته العسكرية وجنوده، فهو لا يتواجد في مكتبه بوزارة الدفاع، ويرفض استقبال أي وفد عسكري يأتيه للشكاية. هذه التفاصيل كانت متوقّعة وقد عكستها مشاهد الفيديو التي أظهرت وتظهر حالات فرار الجنود السعوديين من القتال، لا سيما في جبهات الحدود مع اليمن. يمكن القول أن القيادة السعودية فقدت الأمل مبكّراً بقواتها في تحقيق أي انجازات عسكرية في الميدان، ومن هنا برز الاعتماد على القوات الإماراتية والمرتزقة سواءً كانوا من مناطق الجنوب او السودان او السنغال او شركات خاصة.

 

المرتزقة:

 

عمل محمد بن سلمان على استجلاب قوات المرتزقة مبكّراً الى جبهات القتال في اليمن وعند حدوده الجنوبية. بحسب آخر الأرقام التي سرّبتها الصحافة السودانية، هناك حوالي 5000 عسكري سوداني موجودين في اليمن أو في الجانب السعودي، في ظل حديث عن خسائر بالمئات من قتلى الجيش السوداني. تخرج تسريبات مؤخراً الى وجود ضغوط داخل السودان على الرئيس عمر البشير لسحب جنوده من الحرب على اليمن، وهذه الضغوط لها أسباب كثيرة منها ما هو مرتبط بغضب أهالي العسكريين المقتولين الذين تُترك جثث الكثير منهم في الجبهات دون استرجاعها، بالإضافة الى العامل الأهم المرتبط بتململ السلطة في الخرطوم جراء عدم ايفاء القيادة السعودية بتعهداتها المالية للسودان. بالإضافة الى السودانيين، هناك جنود لشركات خاصة وجنود أفارقة من بلدان مختلفة لم تخرج أي معلومات عن أي فاعلية لهم في أرض المعركة. تبقى ورقة التجنيد الحاصلة في المناطق الجنوبية التي تسيطر على اجزاء منها القوات السعودية والاماراتية بشكل أساسي، حيث يتمّ تجنيد الشبان الجنوبيين للقتال في جبهات الشمال اليمني بعد تقديم مغريات مالية ورواتب لهم، في ظل استفحال العوز والبطالة. المجنّدون الجنوبيون يشاركون في معارك حدودية بجبهات جيزان وعسير ونجران، بالاضافة الى جبهات الداخل في المخا ونهم والجوف وغيرها، لكن أعداد القتلى في صفوفهم كبيرة ولا فعالية عسكرية لهم خاصة في جبهات الحدود، وقد تسرّبت اخبار عن نقل الكثير من جثثهم بواسطة شاحنات مبرّدة لدفنهم في مقابر جماعية في الصحراء.

 

 

القوات الخليجية:

 

تشارك الى جانب القوات البرية السعودية والمرتزقة قوة خليجية من البحرين والإمارات بشكل أساسي، والإماراتيون يشكّلون الغالبية العددية. لكن الإماراتيين اختاروا التمركز في مناطق في الجنوب اليمني لتحقيق أهداف خاصة بطموحات أبوظبي منفصلة نوعاً ما عن أهداف السعوديين وترتبط بشكل أساسي في التأسيس لدور إماراتي لوضع اليد على حركة الملاحة التجارية في مياه بحر العرب ومضيق باب المندب ومكافحة حزب الاصلاح اليمني ونفوذه في الجنوب اليمني. لم تنخرط القوات الإماراتية في باقي الجبهات في قلب اليمن، ومن الملاحظ أن لأبوظبي هدفاً في السيطرة على الساحل الجنوبي الممتد من باب المندب وصولاً الى الحدود العمانية شرقاً، بالاضافة الى وضع يدها على الجزر المحاذية للساحل اليمني الجنوبي. تجد الرياض نفسها مجبرة على تحمّل هذا الدور الإماراتي المحصور بالجنوب اليمني، كونها لا تملك أي شريك فاعل في تحالفها لإبقائه متماسك ولو شكلياً. ولعل هذا الدور الإماراتي أسس لخلافات مع السعوديين اتّضحت معالمه سابقاُ جراء الاقتتال الذي حصل في عدن بين أنصار هادي وأنصار الإمارات،وهذا الدور من شأنه أن يكون سبباً في نشوء خلافات أكثر وضوحاً في المرحلة القادمة بين الرياض وأبوظبي رغم محاولات التستّر حالياً على وجوده وتفاصيله.

 

في ظل الاخفاق العسكري والفشل نتيجة العوامل المذكورة أعلاه، كان من المنطقي جداً أن تفكّر الرياض في انتهاج سبل الحل السياسي لوضع حد للخسائر العسكرية والمادية الكبيرة التي تتكبّدها منذ آذار 2015، مع عدم تحصيل أي نتائج ميدانية تحصّل لها نصراً في حربها، وهذا المنطق تنتهجه الدول في حروبها عندما تصل الى مرحلة تقيّم فيها مصالحها وتقرر عندها وضع حد لخسائرها العسكرية والاقتصادية، بالإضافة الى عامل السمعة السيئة التي لحقت بالرياض عالمياً بسبب حصارها لليمنيين وتجويعهم ما ادى الى انتشار الامراض والاوبئة، والمجازر والقتل اليومي. لكن يبدو ان هذا المنطق ليس على أجندة ولي العهد السعودي، وهذا ما يعكسه إصراره على الاستمرار في الحرب، ومن هنا يمكن لنا ان نفهم أنه يربط الحرب ومآلاتها بعوامل أخرى أهمها داخلي بالإضافة الى الاقليمي.

 

العامل الداخلي:

 

في أول مقابلة صحافية لولي العهد السعودي محمد بن سلمان عندما كان ولياً لولي العهد مع مجلة “الايكونوميست” الاقتصادية بتاريخ 6 كانون الثاني 2016، سُئل عما إذا كان هو مهندس الحرب في اليمن ومتى سوف تنتهي، فأجاب نافياً بأن يكون هو مهندسها، واستغرق في الشرح بأن هناك وزارات عديدة منها الخارجية ورئاسة الاستخبارات ومجلس الشؤون السياسية والأمنية (الذي كان يرأسه محمد بن نايف حينها) تشارك في القرار وفي النهاية الملك هو من يقرر. إجابة ابن سلمان حينها فُهم منها أنه يتهرب من تحمّل مسؤولية الفشل والاخفاق. من المنطقي جداً اعتبار أن الذهاب للحل السياسي وفق التسليم بالأمر الواقع على الأرض في الحرب من منظور الإنجازات العسكرية الميدانية يعني أنه سيعترف بالخسارة، كونه لم يستطع تحقيق الأهداف التي وضعها عشية إعلان بدء العدوان من واشنطن ليل 25 مارس 2015.

بالنظر الى تجربة العائلة المالكة في السعودية السابقة، كان كل أمير يحصل على فرصته في تحقيق إنجاز ما ويفشل، كان يتم استبعاده من المشهد وإعطاء غيره الفرصة، والأمثلة كثيرة وأهمهم خالد بن سلطان الذي فشل في كسب الحرب السادسة مع انصار الله عام 2010، وبندر بن سلطان والذي فشل في سوريا عام 2013. استفاد ابن سلمان من امتياز وجود ابيه في منصب الملك، ومع تقليص نفوذ المنافسين تدريجياً وصولاً لإقصاء محمد بن نايف في 21 حزيران الماضي، ومؤخراً “مجزرة الامراء” في 4 تشرين الثاني الماضي، أوصلت محمد بن سلمان الى نسف تركيبة السلطة تاريخياً في السعودية. استطاع ابن سلمان الامساك بكل مفاصل القوة عبر السيطرة على القوى الثلاث: العسكر، الاقتصاد والاعلام. فإذن لم يعد هناك خطر يمكن أن يؤثر عليه وعلى مشاريعه في المرحلة القادمة، وبالتالي لن يكون هناك جناح معين داخل الاسرة باستطاعته محاسبته على اخفاقه في الحرب على اليمن، الى جانب الاخفاقات في ملفات اخرى اهمها الحروب الخاسرة في الاقليم وخسارته الحرب النفطية على ايران بتوقيع اتفاق تقليص الانتاج الذي رعاه بوتين في نوفمبر 2016. لكن تبقى حقيقة خسارة الحرب كابوساً يلاحق الامير الشاب وهو الذي يتحضّر للجلوس على العرش رسمياً. ليس من مصلحته أن ينهي الحرب اليوم ثم يتوَّج ملكاً حاملاً سمعة الامير المهزوم عسكرياً. الاستنتاج الاقرب الى المنطق أنه سيقوم بالتفكير جدياً بالتسليم بالأمر الواقع والذهاب الى طاولة المفاوضات والحل السياسي بعد ان يجلس رسمياً على العرش، وربما تساهم الاحداث الاخيرة في صنعاء في دفعه لتسريع عملية تولي الملك رسمياً والشروع بعدها في اعادة الحياة للمسار التفاوضي. كل التسريبات التي خرجت مؤخراً ومنها ما ورد في ايميلات سفير الامارات في واشنطن يوسف العتيبة، تؤكّد أنه يبحث عن مخرج ولكن هذا المخرج يجب أن يُظهره منتصراً على الاقل اعلامياً، وهذا الرأي يعزّزه اشتراطه للمصادقة على الاتفاق النفطي لدى بوتين بأن تلتزم إيران بعدم اعلانها في اعلامها بأنها انتصرت حينها. هذا الاصرار على الظهور بمظهر المنتصر لا يمكن تفسيره إلا على أنه لأسباب تتعلّق بتولّيه العرش الذي يريد اعتلاءه وهو مرتاح في كل الملفات المتعثّرة وعلى رأسها ملف العدوان على اليمن.

 

الدعم الامريكي: 

 

يُخيّل للكثيرين أن صفقة ابن سلمان – ترامب تسير بثبات ولا مشاكل تعتري طريقها. صحيح أن هناك التزاماً امريكياً بضمان استمرار الدعم اللوجستي والاستخباري من واشنطن الى الرياض، لكن محمد بن سلمان يطلب ما هو ابعد من ذلك. في رسالة ارسلها سفير السعودية في واشنطن بتاريخ 6/11/2017 لرؤساء اللجان في مجلسي النواب والشيوخ الامريكيين، على خلفية سقوط الصاروخ اليمني في مطار الملك خالد في الرياض واعتبار الحادثة “اعتداء ايراني مباشر”، تبدو واضحة لغة الاستجداء السعودي للأمريكيين. بعد اخطار المشرّعين الامريكيين عن خطوات لم تكن قد اعلنت بعد في الاعلام (الدعوة للجلسة الطارئة لمجلس وزراء الخارجية العرب)، يقول الد بن سلمان في رسالته ما ترجمته: “انه الوقت المناسب، في ضوء التصعيد الغير مسبوق، ان نرفع من جهودنا المشتركة لمواجهة التهديد الذي تسببه الصواريخ الايرانية. هذا التهديد طبعاَ يشمل المصالح العسكرية الامريكية الحيوية والوجود الامريكي في المنطقة”. هذه الجملة مفتاحية لفهم ماذا يريد السعودي حالياً من الامريكي فيما يخص اليمن، تماماً كما كان يريد من ادارة اوباما في سوريا عام 2013: “تدخلها العسكري المباشر”. من المنطقي جداً القول أن ابن سلمان يعيش اليوم حالة إحباط بسبب عدم قدرته على الحسم العسكري عبر قواته أو عبر المرتزقة الاجانب او عبر اليمنيين الجنوبيين او عبر شركائه الخليجيين، فمن الطبيعي جداً ان يستجدي الامريكي لكي يأتي بنفسه لحسم المعركة وإهدائه الانتصار، وكان يمكن تلمّس ذلك في الاعلام السعودي عند كل استهداف يمني لفرقاطة او بارجة حربية سعودية كانت او اماراتية قبالة سواحل المخا أو الحديدة. ومن الواضح أيضاً أنه أياً كان من يحكم في البيت الابيض (جمهوري او ديمقراطي)، لا عودة لخوض حرب مباشرة عبر الزج بالجيوش الأمريكية لكي تخوض حرباً بالنيابة عن السعودي او أيٍ من الحلفاء، فقرار التفرّغ لجبهة شرق آسيا هي الاولوية ولا مزيد من الاستنزاف والمغامرات في منطقتنا بعد هزيمة العراق. هذا الواقع يزيد من الاحباط السعودي، الذي عبّر عنه رئيس الاستخبارات السعودية الاسبق تركي الفيصل خلال جولته في الولايات المتحدة أواخر شهر أكتوبر الماضي ومشاركته في ندوة لـ “مجلس العلاقات العربية الأمريكية” في واشنطن عندما قال في نهاية كلمته مخاطباً الامريكيين: “لطالما نصحتمونا أنتم الامريكيون بأن نقوم بإجراء اصلاحات في دولتنا وقد بدأنا بالفعل، لكن اسمحوا لي الليلة ان انصحكم انا بدوري: متى سوف تصلحون نظامكم الانتخابي؟ إلى متى ستسمحون للمجمّع الانتخابي بأن يقرر من يكون رئيسكم رغم وجود شيء اسمه التصويت الشعبي الذي لا يؤخذ بعين الاعتبار؟”.

كلام الفيصل لا يمكن تفسيره إلا على ان علاقة ابن سلمان – ترامب ليست كما يتم تصويرها في الاعلام، هناك مشاكل وأهمها أن الرياض مضطرة اليوم للتعايش مع علاقة مكلفة جداً مادياً بالنسبة لهم، والأكيد أن ترامب يطلب المزيد من الأثمان من ولي العهد السعودي دون أن يحصل الاخير على ما يريد، مجرّد وعود حتى الآن في الملفات الكبرى ومواقف هزيلة وعقوبات غير مجدية ضد ايران وحلفائها في الكونغرس. الموقف الامريكي مما حصل خلال ازمة احتجاز الحريري، اضافة الى ما يشبه التسليم الامريكي للروس في سوريا، وأيضاً في ملف الازمة القطرية، كل هذه الملفات لم تسر كما اراد السعوديون، وبالتالي لا يمكن توقّع دعم امريكي اكثر مما هو حاصل منذ بداية العدوان حتى اليوم، تزويد الطائرات السعودية بالوقود بالجو، تزويد تحالف السعوديين بمعلومات استخبارية، استشارات في غرف العمليات وتدريب قوات ضمن برنامج التدريب العسكري في السعودية المسمى USMTM، وضمان استمرار المصادقة على صفقات السلاح.

 

الفتنة الداخلية في صنعاء:

 

لم يكن خافياً على المراقبين والمتابعين للشأن اليمني أن تحالف أنصار الله مع علي عبد الله صالح كان حلف الضرورة. الرجل حاول في مرحلة ما الانتقام من السعودية بسبب تخليها عنه عبر المبادرة الخليجية، وقرار التحالف عام 2014 كان في هذا الاطار. على مدى ما يقارب 3 أعوام من بدء العدوان، كان صالح يطلق مواقف تشير الى ان علاقته مع انصار الله لم تكن بالمستوى المطلوب لمواجهة عدوان يستهدف كل اليمنيين في صنعاء والمناطق التي يسيطر عليها تحالفهما. علاقته القديمة بالامارات العربية المتحدة كانت مستمرة وقد بدا واضحاً أن أبو ظبي حاولت استثمار هذه العلاقة للحصول على مستمسَك لها وللسعودية في الشمال اليمني الذي كان ولا يزال عصياً على الاختراق عسكرياً، وقد ظهرت هذه المحاولات قبل أشهر عندما حُكي عن “مبادرة فرنسية إماراتية” لتسليم الحديدة وإقصاء انصار الله الذين عرفوا كيف يسقطونها ويحرجوا صالح أمام الشارع اليمني ليتراجع. ما حصل يوم الجمعة 2 ديسمبر أكّد الشكوك أن محمد بن سلمان كان يطيل من أمد العدوان للوصول الى لحظة يتمكن فيها من ضرب الجبهة الداخلية في صنعاء وبالتالي حصول فتنة في الشارع تمكّنه من الانقضاض على العاصمة. هذا السيناريو تعزّز عندما شاهدنا اطلاق القوة الصاروخية صاروخ الكروز باتجاه مجمّع “براكه” للمفاعلات النووية الاماراتية قرب ابوظبي، وهي كانت رسالة واضحة بأن الامارات تقف وراء انقلاب علي عبد الله صالح على اتفاق الشراكة مع انصار الله. الدعم الاعلامي السعودي والاماراتي الذي واكب تصريحات صالح ودعوته للانتفاض بوجه انصار الله أيضاً عزّز الفكرة التي تقول بأن ابن سلمان وابن زايد كانا يراهنان على ورقة الفتنة الداخلية في صنعاء لضرب حالة الصمود، ثم الانقضاض على صنعاء. هذه الحسابات تبيّن أنها خاطئة، إذ إن ابوظبي والرياض أخطأتا في تقدير الثقل العسكري الذي بحوزة صالح، إذ كانت كل المواقع التي سيطر عليها انصاره في العاصمة وباقي المدن والمديريات في قبضة انصار الله في غضون 48 ساعة، وهنا كانت الصدمة بالنسبة لتحالف العدوان، إذ من الواضح أنها كانت الورقة الأخيرة التي عوّلوا عليها للحصول على انتصار في هذه الحرب. تعرف السعودية جيداً ان جعبتها اليوم أصبحت خاوية من أي أوراق لتحصيل الانتصار وحتى التعويل على شحن وتحريض جمهور علي عبد الله صالح لدفعهم للانتقام ومهاجمة انصار الله ايضاً فشل وسيفشل، وإذا ما تم استجلاب أحمد علي صالح الى اليمن لقيادة حملة الثأر لأبيه ستكتشف كل من ابوظبي والرياض أن الحسابات أيضاً خاطئة كون الرجل ضَعُف منذ سنوات، كما ان القوة الضاربة لصالح انتُزعت انيابها عقب ثورة 2011 وقد شاهدنا أداءها في الايام الماضية، ولن يكون بوسع الإبن ان ينجح في ما فشل في تحقيقه أبوه المخضرم في السياسة اليمنية.

 

خاتمة:

 

بات من الواضح أن الرهانات السعودية على إحداث أي اختراقات عسكرية مباشرة او بالوكالة قد فشلت بانتزاع أي انتصار يؤمّن لمحمد بن سلمان خروجاً يحفظ ماء وجهه من حرب اليمن. بعد تساقط اوراق السعودية واحدة تلو الاخرى واختبار كل الخيارات، لم يعد هناك سوى خيار الاستمرار بحصار اليمن جواً وبحراً وجواً، وهو خيار بات يشكّل ضغوطاً كبيرة على محمد بن سلمان نتيجة استفحال الامراض والاوبئة والجوع في كل المحافظات اليمنية. في حال استمرار الحصار المشدّد، ستكبر الضغوط الدولية على ابن سلمان وسوف يُجبر على التراجع في نهاية المطاف، كما أن خيار الحصار لم يؤتي أكله، إذ إن نتائجه تأتي عكسية وما حصل في صنعاء قبل أيام دليل على ذلك، فادّعاء صالح تجويع انصار الله لليمنيين سقط. يضاف إلى ذلك أن عامل الوقت الذي ادّعى ابن سلمان في مقابلته قبل أشهر مع داوود الشريان أنه “لصالحه” ليس صحيحاً، لأن استمرار استنزاف خزينته ليس في صالح خططه الاقتصادية التي يتنطّح لها في رؤيته، ولا في صالح سعيه لجلب الاستثمار الى المملكة (المهددة بالصواريخ الباليستية). لم يعد امامه سوى خيار الذهاب الى طاولة المفاوضات للتوصل الى حل سياسي لأن كل الخيارات استُنفذُت، إلا اذا اختار المكابرة على خلفية الهزائم المتكررة والمتسارعة، فهو تلقى صفعتين قويّتين في شهر واحد، الاولى في 4/11 الفائت في قضية اجبار الحريري على الاستقالة وفشل الهجوم على لبنان، ثم في 4/12 عندما احترقت ورقة الانقلاب من الداخل في صنعاء، تضافا الى مسلسل الهزائم في العراق وسوريا والمراوحة والاحباط فيما يخص الازمة مع قطر.

 

كاتب لبناني وباحث في شؤون السعودية ودول الخليج