تقرير : السعودية تدفع باليمنيين المقيمين إلى «الموت الإجباري»

 

تستمر معاناة المغتربين اليمنيين في السعودية، بسبب مختلف الإجراءات والقرارات التعسفية، التي اتخذتها السلطات السعودية في الأشهر الأخيرة ضد المقيمين، آخرها الزج بهم في معسكرات تجنيد للقتال نيابة عن الجيش السعودي في جبهات الحدود، من دون أن تتحرك حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، لوقف الانتهاكات السعودية بحق اليمنيين المقيمين في المملكة، فيما عبرت منظمات حقوقية عن بالغ قلقها إزاء الحملات الأمنية التي تنفذها السلطات السعودية ضد آلاف اليمنيين المقيمين على أراضيها.

 

بين «الموت» و«السجن»

 

في ظل الأزمة التي تعيشها اليمن، وتدخل السعودية العسكري فيها، شنت الأخيرة على مدى الأيام الماضية، حملات اعتقالات واسعة في صفوف اليمنيين المقيميين، وزجت بهم في معسكرات تجنيد للقتال، نيابة عن جيشها في جبهات الحدود، واضعةً أمام المغتربين خيارين، إما القتال ضد الجيش واللجان الشعبية في جيزان ونجران وعسير، أو السجن بحجة عدم تسديد رسوم الإقامة والضرائب.

وأكدت مصادر موثوقة لـ«العربي»، أن قيام السلطات السعودية بحملة «وطن بلا مخالف»، تهدف إلى «اعتقال اليمنيين المقيمين وترحيلهم إلى معسكرات تجنيد، لأخذ دورات عسكرية تمهيداً لقتالهم نيابة عن الجيش السعودي في الحدود».

كما أوضحت المصادر، أن حملة الاعتقالات، جاءت بحجة القوانين والإجراءات الجديدة التي اتخذتها الحكومة السعودية أخيراً، والتي تفرض على المقيم تسديد رسوم الإقامة والضرائب، الأمر الذي عجز المقيم اليمني عن تنفيذه بسبب معاناة المغتربين اليمنيين، التي تزداد يوماً بعد يوم.

وكشفت المصادر ذاتها، عن عدة معسكرات سعودية تم إعدادها سلفاً لاستقبال المجندين في كل من جيزان والدمام والطائف، ومنها معسكر العارضة التابع للواء السادس حرس حدود في جيزان، والذي يشرف عليه العقيد حسين حسان الغمري، مشيراً إلى أن عدداً من المغتربين الذين تم تجنيدهم، نُقلوا إلى المعسكرات، ويتم تدريبهم هناك استعداداً للدفع بهم إلى ميدان المعركة.

خسائر السعودية وتواطؤ حكومة هادي

 

مراقبون أوضحوا أن السعودية تسعى للتعويض عن الآلاف من المسلحين والمئات من جنودها الذين قتلوا في جبهات جيزان ونجران وعسير، خصوصاً بعد فرار المئات من المجندين، الذين تم استقدامهم من محافظات اليمن الجنوبية للتدريب في معسكر بجيزان، على أن يتلقوا دورات في مكافحة الإرهاب للعودة إلى عدن، لممارسة العمل في هذا المجال، غير أنهم فوجئوا بإبلاغهم بأنه سيتم إرسالهم لقتال «أنصار الله» في الحدود، الأمر الذي دفعهم إلى التظاهر والفرار وتعرض بعضهم للقتل والاعتقال في واقعة اعترفت بها قيادات جنوبية، اطلع عليها «العربي».

الأمر الذي يفسر ويؤكد رواية المحللين عن تعويض السعودية عن خسائرها عبر تجنيد المئات من اليمنيين المقيمين، هو ما أكدته وزارة الدفاع السعودية في إعلانها عن وظائف شاغرة برتبة (جندي) لخريجي الثانوية العامة (بجميع أقسامها)، والثانوية الصناعية والتجارية أو ما يعادلها، ومعهد العمارة والتشييد.

وسبق أن أعلنت وزارة العمل والتنمية الاجتماعية السعودية، في أواخر ديسبمر الماضي، قراراً شمل إعفاء 4 جنسيات من رسوم العمالة الوافدة، وهي (الفلسطيني بوثيقة مصرية، واتحاد ميانمار، وتركستاني، مقيم بلوشي)، وهو القرار الذي واجه ردود فعل مستغربة، لعدم شموله اليمنيين، لأسباب أقلها مراعاة الوضع الإنساني والاقتصادي المنهار، والحرب التي تتدخل فيها السعودية بشكل مباشر.

في السياق، نشرت وسائل إعلامية تابعة لـ«أنصار الله»، أخباراً تفيد بوقوع أسرى يمنيين بقبضة الجيش واللجان الشعبية في الحدود، أفاد بعضهم أنه كان في طريقة لدخول السعودية بصورة غير شرعية، بحثاً عن عمل هناك، وتم القبض عليهم أثناء محاولتهم التسلل عبر الحدود، وعرض عليهم القتال مقابل المال.

إلى ذلك، اتهم ناشطون حقوقيون، حكومة هادي التي تتواجد في الرياض، بالتغاضي عما يتعرض له المغتربين، مؤكده علم الحكومة بالمخطط السعودي لاستخدام العمالة اليمنية، وربما العربية أيضاً، العاملة في السعودية للتجنيد الإجباري.

في سياق متصل، شكا الكثير من المغتربين من هذا التعامل والتصرف المهين للمغترب والإنسان، مطالبين المنظمات الدولية بالتحرك الجاد والفاعل لإنقاذ حياة مئات المغتربين.

معاناة المغتربيين وقلق المنظمات الدولية

 

عبر «المرصد الأورومتوسطي» لحقوق الإنسان، عن بالغ قلقه إزاء قيام السلطات السعودية بترحيل آلاف اليمنيين المقيمين على أراضيها، ممن دخلوا إلى الأراضي السعودية بطريقة غير مشروعة، إما هرباً من الحرب أو للبحث عن عمل، معتبراً أن على السعودية «أن تأخذ بعين الاعتبار تدهور الأوضاع الإنسانية التي خلفتها الحرب المندلعة في اليمن، منذ مطلع العام 2015، والتي تعد السعودية طرفاً رئيساً فيها».

وقال «المرصد الأورومتوسطي» _الذي يتخذ من جنيف مقراً له_ في بيان صحافي يوم الخميس، اطلع عليه «العربي»، إن السلطات السعودية كانت قد أطلقت حملة منذ شهرين، تهدف إلى تصحيح وضبط أوضاع العمالة لديها، ولاسيما فيما يخص مخالفة أنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود، ما أسفر عن ترحيل الآلاف من العمال الأجانب، وفرض العقوبات على بعضهم.

وبين «الأورومتوسطي»، أن عدد المخالفين لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود، الذين تم ضبطهم ضمن الحملات الأمنية في مناطق المملكة السعودية كافة، بحسب ما أعلنت حكومتها، بلغ قرابة 409 ألف مخالف. وبحسب وكالة الأنباء السعودية، بلغ عدد الذين تم ضبطهم أثناء محاولتهم التسلل عبر حدود المملكة، 5701 شخصاً، 77 % منهم من اليمنيين (حوالي 4390 يمنياً)، تم ترحيلهم جميعاً إلى اليمن.

وأشار المرصد الحقوقي الدولي، إلى أنه تلقى إفادات من يمنيين، قالوا إن الحملة التي أطلقتها السلطات السعودية باسم «وطن بلا مخالف»، أدت كذلك إلى اعتقال العشرات منهم، إذ جرى نقلهم قسراً إلى معسكرات التجنيد للقتال في جبهات الحدود نيابة عن الجيش السعودي.

وقالت ميرة بشارة، الباحثة القانونية في «المرصد الأورومتوسطي»، إن «هذه الإدعاءات إن صحت، فهي تمثل انتهاكاً خطيراً لأحكام القانون الدولي وحقوق الإنسان عبر التجنيد القسري للمدنيين».