أوامر ملكية سعودية جديدة.. استرضاء للغاضبين وتبييضًا لصفحة العدوان على اليمن

 

لا تزال الأوضاع السياسية داخل المملكة العربية السعودية مضطربة، ويحيطها الغموض، وهو ما يظهر في خروج أوامر ملكية سريعة ومفاجئة، واتخاذ قرارات بإنشاء هيئات ومؤسسات، يتم إيكال مهمة معينة لها، ثم ما تلبث أن يتم إلغاؤها، الأمر الذي رأى فيه مراقبون محاولة من ولى العهد الجديد، محمد بن سلمان، لترتيب أوراق البيت الملكي قبل تسلمه مفاتيح الحكم.

 

تغييرات كبيرة ومفاجئة

 

أصدر الملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز، مساء أمس الاثنين، أحكامًا جديدة، تقضي بإعفاء عدد من المسؤولين في مختلف الأجهزة، وجاء التركيز في معظم هذه الأوامر على القيادة العسكرية بصفوف الجيش السعودي، حيث أطاحت بقادة كبار في المملكة، وطالت رئيس هيئة الأركان وقائد قوات الدفاع الجوي وقائد القوات البرية.

 

وأعلنت وسائل إعلام سعودية عن صدور أمر ملكي بإنهاء خدمات الفريق الركن “محمد بن عوض سحيم” قائد قوات الدفاع الجوي وإحالته للتقاعد، كما أمر الملك بإنهاء خدمات الفريق الأول الركن “عبد الرحمن بن صالح البنيان” رئيس هيئة الأركان وتعيينه مستشارًا بالديوان الملكي، فيما تم تعيين “فياض بن حامد الرويلي” رئيسًا لهيئة الأركان العامة، وشملت الأوامر أيضًا تعيين “خالد بن حسين بياري” مساعدًا لوزير الدفاع للشؤون التنفيذية بالمرتبة الممتازة.

 

 

في ذات الإطار شملت الأوامر ترقية اللواء الطيار الركن “تركي بن بندر بن عبد العزيز” إلى رتبة فريق ركن، وتعيينه قائدًا للقوات الجوية، وترقية اللواء الركن “مزيد بن سليمان العمرو” إلى رتبة فريق ركن، وتعيينه قائدًا لقوات الدفاع الجوي، وترقية اللواء الركن “فهد بن عبد الله المطير” إلى رتبة فريق ركن، وتعيينه قائدًا للقوات البرية، وتضمنت الأوامر ترقية اللواء ركن “جار الله بن محمد العلويي” إلى رتبة فريق ركن، وتعيينه قائدًا لقوة الصواريخ الاستراتيجية، وترقية اللواء ركن “مطلق بن سالم الأزيمع” لرتبة فريق ركن، وتعيينه نائبًا لرئيس هيئة الأركان العامة، فيما تم إعفاء قائد القوات البرية من منصبه، الفريق الركن “فهد بن تركي بن عبد العزيز”، وتعيينه قائدًا للقوات المشتركة برتبة فريق ركن.

وتم إعفاء أمير منطقة الجوف “فهد بن بدر بن عبد العزيز” من منصبه، وتعيينه مستشارًا للملك بمرتبة وزير، وتعيين الأمير “بدر بن سلطان” أميرًا لمنطقة الجوف، كما صدر أمر ملكي بتعيين الأمير “تركي بن طلال” نائبًا لأمير منطقة عسير، وتعيين الأمير “فيصل بن فهد بن مقرن بن عبد العزيز” نائبًا لأمير منطقة حائل، وتعيين الأمير “سلطان بن أحمد بن عبد العزيز” والأمير “فيصل بن تركي بن عبد العزيز” في منصب مستشار بالديوان الملكي بالمرتبة الممتازة، وفي وزارة الخارجية السعودية، وتعيين “أحمد قطان” وزير دولة للشؤون الإفريقية، كما قرر الملك السعودي إعفاء أحمد السالم نائب وزير الداخلية من منصبه.

 

هذه التغييرات التي صدرت عن أوامر ملكية مفاجئة جاءت بعد ساعات من موافقة الملك “سلمان بن عبد العزيز” على ما يسمى بوثيقة “تطوير وزارة الدفاع”، التي تشمل دعم قطاع التصنيع العسكري، حيث تركز خطة برنامج تطوير الوزارة المُعدة في ضوء استراتيجية الدفاع الوطني على أهمية الهيكلة التنظيمية الجديدة، وما ستُسفر عنه من حوكمة فعالة.

 

“خطة تطوير وزارة الدفاع” لم تكن وليدة اللحظة، فبداية هذه الخطة تعود للملك الراحل “عبد الله بن عبد العزيز”، حيث رفع الملك “سلمان”، إبان ولايته للعهد، للملك “عبد الله” هذه الخطة، ما أسفر عن تشكيل لجنة لدراسة أوضاع واحتياجات وزارة الدفاع، تمخضت عن أمانة عامة، واختار الملك “عبد الله” حينها الأمير “محمد بن سلمان” ليكون أمينها العام بصفته مشرفًا عامًّا على مكتب وزير الدفاع آنذاك، لكن يبدو أن ولي العهد “محمد بن سلمان” اختار إخراج هذه الورقة في الوقت الحالي لضرب عصفورين بحجر واحد، الأول مواراة فشل بلاده الذريع في العدوان على اليمن، والثاني امتصاص الغضب المتصاعد على سياساته داخل العائلة الحاكمة.

 

استرضاء المعترضين

 

يرى العديد من المراقبين أن هذه التغييرات، التي شملت في معظمها الجانب العسكري، جاءت كمحاولة لاسترضاء الأجنحة الساخطة على إحكام ولي العهد “محمد بن سلمان” قبضته على كافة سلطات المملكة، ومحاولة إقصاء كافة معارضيه، حتى وإن كان من بينهم أبناء عمومته، حيث جاءت هذه التغييرات في وقت يضج فيه البيت الملكي السعودي بالغضب والاستفزاز، على خلفية اعتقال بعض الأمراء لأكثر من شهرين داخل فندق “الريتز كارلتون” ومساومتهم للتنازل عن ثرواتهم، ناهيك عن الإطاحة بالكثير منهم من مناصبهم في حملات سابقة، الأمر الذي دفع “بن سلمان” إلى التخفيف من حدة هذا الغضب، الذي يكاد يعصف بالمملكة والأسرة الحاكمة ككل، حيث جاءت هذه التغييرات لتحمل رسالة غزل واسترضاء لأولئك الذين تخطاهم الملك ونجله في طريق وصول الأخير إلى سدة ولاية العهد، سواء من السديريين أو غيرهم، من خلال منحهم مناصب وامتيازات ورُتب جديدة، وفي نفس الوقت محاولة لكسب ود أولئك المعترضين على مسار انتقال السلطة إلى “محمد بن سلمان”.

 

تبييض صفحة اليمن

 

على جانب آخر لا يمكن الفصل بين التغييرات العسكرية الكبيرة التي أحدثها الملك داخل صفوف الجيش السعودي، وما تتورط فيه المملكة من عدوان وحرب عشوائية، أثبتت فشلها على مر ثلاث سنوات في اليمن، حيث تقف القيادة العسكرية السعودية عاجزة أمام حسم المعركة في اليمن، بل إن أمدها يطول بشكل يستنزف جهود المملكة وأموالها، ويجعلها محل اتهام من المجتمع الدولي؛ نظرًا لجرائم الحرب التي ارتكبتها، وتستمر في ارتكابها طوال سنوات الأزمة، الأمر الذي دفع الملك السعودي إلى دفن الصفحة العسكرية القديمة وفتح أخرى جديدة بوجوه مختلفة، قد تضفي أي تغيير على المشهد العسكري في اليمن، أو تتقدم أي خطوة للأمام في هذا العدوان، أو على الأقل قد تدفع هذه التغييرات نحو تحمل المستهدفين بالتغييرات مسؤولية هذا الفشل في تحقيق أهداف المملكة باليمن.