استقالات في حكومة هادي.. انفلات أذرع العدوان السعودي

 

تجاوز المشهد السياسي اليمني التلميح إلى التصريح، وما كان يتردد خلف الكواليس أمس، بات معلنًا وعلى رؤوس الأشهاد اليوم، وعن طريق بيانات رسمية واستقالات ولقاءات بالصوت والصورة من حكومة الرئيس اليمني المستقيل، عبد ربه منصور هادي، حيث أسقط وزراء في حكومته زعم السعودية والإمارات أن تدخلهما في اليمن جاء لحمايته من النفوذ الإيراني.

 

وأعلن وزير الدولة اليمني، صلاح الصيادي، استقالته التي جاءت بعد يومين من مغادرة نائب رئيس رئيس الوزراء اليمني، عبد العزيز جباري، لحكومة هادي، وقال الأخير في تصريح لافت وخطير “إن الرئيس عبد ربه منصور هادي لا يستطيع العودة إلى عدن”، وأضاف “أن بوصلة التحالف العربي انحرفت عن أهدافها وإن القرار السيادي اليمني قد سلب”.

 

ولا يبدو على حكومة هادي أي من مظاهر السيادة أو استقلالية القرار، فمعظم وزرائها يقيمون في السعودية، كما أن تحركات هادي مضبوط إيقاعها من قبل المملكة؛ ففي أغسطس الماضي، أعلنت مصادر إعلامية ومواقع إخبارية أن الحكومة السعودية فرضت على الرئيس هادي وبعض الشخصيات مغادرة الرياض إلى عدن، على رأسها أحمد عبيد بن دغر، رئيس الحكومة اليمنية، حينها كان يدور الحديث عن عدم سماح الإمارات له بالعودة إلى عدن على خلفية رفض هادي نقل ألوية الحماية الرئاسية إلى خارج محافظة عدن، في مقابل رفض إماراتي السماح بقدوم طائرة تقل أموالا طبعت في الخارج إلى مطار عدن الذي تسيطر عليه قوات موالية لها.

 

واليوم، نجد أن السعودية قررت بقاء هادي داخل أراضيها وفرض الإقامة الجبرية عليه، وهي أحد الأسباب التي قادت أعضاء في حكومته لتقديم استقالتهم، حيث جاءت استقالة الوزيرين اليمنيين احتجاجا على التحالف بقيادة السعودية الذي يمنع عودة هادي إلى بلاده، ويوجد الرئيس اليمني المنتهية ولايته منذ أشهر في السعودية، حيث لم يعد إلى اليمن حتى في الأماكن التي استطاعت قواته السيطرة عليها مثل عدن.

 

وفي نوفمبر من العام الماضي، قالت وكالة أسوشيتد برس الأمريكية، إن هادي وابنيه ووزراء وعسكريين يمنيين رهن الإقامة الجبرية في السعودية، ونقلت الوكالة حينها عن مسؤولين يمنيين قولهم إن مرد ذلك إلى العداء المرير بين هادي ودولة الإمارات عضو التحالف العربي المسيطر فعليًا على الجنوب اليمني.

 

وجاء في الرسالة التي عرض فيها الوزير اليمني، صلاح الصيادي، أسباب الاستقالة انتقاده للوضع المزري لهادي؛ قائلا “عدم تمكين الرئيس هادي من العودة إلى أي جزء من المناطق المحررة”، و”سلب القرار السياسي الوطني والسيادي كأدنى حق للمؤسسات الشرعية لحساب مشاريع تتنافى وأهداف التحالف العربي المعلنة”، و”التحالف العربي حرفت بعض أطرافه بوصلة غاياته مما أخر الحسم والتحرير وعرض اليمنيين لويلات ومأسي لا حصر لها”.

 

وقبل أيام من استقالته، قارن الصيادي بين حالة هادي التي طالت ثلاثة سنوات، ووضع رئيس الوزراء اللبناني الذي قال إن شعبه استرده من السعودية في ظرف أيام، وللتعجيل بعودة رئيسهم، دعا الصيادي مواطنيه للخروج والتظاهر والاعتصام، محذرًا مما سماها كوارث تاريخية إذا لم يعد الرئيس اليمني.

 

وجاءت استقالة الصيادي بعد يومين من استقالة نائب رئيس الوزراء وزير الخدمة اليمنية عبد العزيز جباري، الذي قال الاثنين الماضي في مقابلة مع قناة “اليمن” الرسمية التابعة لحكومة هادي وتبث من الرياض، إنه استقال احتجاجًا على هذا الواقع، مضيفًا “نحن نحترم كرامتنا ويجب التعامل مع الرئيس هادي باحترام”، و”لم يكن هناك أي ضغوطات ولكن لدي وجهة نظر بأنه يجب تصحيح علاقة الحكومة الشرعية مع التحالف العربي بحيث لا تكون علاقة تابع ومتبوع”.

 

عودة هادي إلى عدن من عدمها لا تثبت بحد ذاتها سيادته واستقلال قراره، ففي الشهر الماضي نقلت وكالة رويترز عن مصدر حكومي في القصر الرئاسي اليمني اتهامه الإمارات بدعم الاحتجاجات المسلحة في عدن جنوبي اليمن، تأكيدا لتفوق نفوذها في الجنوب، ومن المعروف أن عدن تعتبر العاصمة المؤقتة لليمن ويقيم فيها رئيس حكومة هادي.

 

وأحداث عدن الأخيرة تشي بأن هناك أجندة للإمارات تتعارض مع مصالح ومتطلبات الشعب اليمني على اختلاف أحزابه؛ ففي الوقت الذي تقول فيه أبوظبي بأنها تواصل مساندة حكومة هادي، يتخذ قادة جنوبيون “ذوي النزعة الانفصالية عن اليمن” من أبو ظبي مقرا لهم، كما حصلت قواتهم على تسليح وتمويل من الإمارات لتزكية نفوذهم على نفوذ هادي في اليمن.

 

ويرى مراقبون أن ما حال دون التخلص من سلطة هادي، حاجة ما يسمى بالتحالف العربي إلى غطاء سياسي لأجنداته الخاصة، فعدوانهم على اليمن جاء تحت مظلة شرعية هادي؛ فالإمارات تدعم الجنوبيين، والسعودية منهمكة مع أبوظبي في إعادة إنتاج رموز نظام الرئيس اليمني المخلوع، علي عبد الله صالح، في محاولة جديدة فيما يبدو تمهد لاختبار حقيقي للمفاضلة بين هادي وآل صالح، لاختيار الرجل الأقوى في اليمن، والذي يستطيع تمرير الأجندة الخبيثة لدول العدوان العربي على اليمن.