«أنصار الله» في «عَقْر» المملكة... بأسلحة السعوديين وبزّاتهم.. الحدّ الجنوبي بعد 3 سنوات

 

بعد مرور 3 سنوات على اندلاع العدوان السعودي على اليمن، تبدو الصورة على الحدّ الجنوبي للمملكة شديدة القتامة بالنسبة إلى الأخيرة، على خلاف ما تظهر عليه بالنسبة إلى «أنصار الله». مقاتلو الحركة باتوا يرابطون على مشارف نجران، منتظرين أي إشارة لاقتحامها، ويسيطرون على المواقع الاستراتيجية في جيزان، مانِعين القوات السعودية من إمكانية استرداد «هيبتها». يتحرك المقاتلون اليمنيون، اليوم، في أرضهم «المُهداة» - في زمن مضى - للسعودية، مرتدين بزّات «القوات الملكية البرية»، ومتسلّحين بقناصاتها الكندية و«مغانم» أخرى

 

صعدة | أطقم سعودية عليها آثار رصاص تجوب شوارع مدينة صعدة أقصى شمال اليمن. تحمل شعار «القوات الملكية البرية»، وتقلّ مسلحين من حركة «أنصار الله»، يقصدون أسواق القات وقت الظهيرة، ويرتدي البعض منهم بزات عسكرية لحرس الحدود السعودي. مشاهد يومية صارت مألوفة لدى سكان المحافظة، لكنها تكشف جانباً مما يقوم به هؤلاء المقاتلون وراء حدود بلادهم، وفي العمق السعودي في نجران وجيزان، على مدى 3 سنوات.

 

قصف وتحليق متواصل لمقاتلات الطيران الحديثة من الـ«F 35»، والـ«F 16»، والـ«أباتشي» والـ«درون»... وقنابل عنقودية وفراغية وانشطارية وغيرها، لم تشكّل جميعها حاجز صد في وجه مقاتلي «أنصار الله»، الذين يتمركزون اليوم على مشارف مدينة نجران، على مسافة 65 كم من شمالي محافظة صعدة. يؤكد القيادي الميداني في «أنصار الله» على جبهة نجران، محمد الغيلي، أن «أبطال الجيش واللجان الشعبية يسيطرون اليوم على 18 ألف كم مربع في نجران، وخلال 3 سنوات من الحرب دمّروا 127 دبابة للجيش السعودي من الـ(أبرامز) والـ(برادلي)، والعديد من المدرعات والأطقم والجرافات، واقتحموا 180 موقعاً موزعة بين مراكز قيادة وأبراج رقابة ومستودعات للسلاح».

 

ويضيف الغيلي أن «مدينة نجران باتت من شمالها الغربي وجنوبها الغربي محاطة بمجموعات من الجيش واللجان، وأصبحت المدينة بين فكي كمّاشة، وعند صدور التوجيهات من السيد عبد الملك الحوثي باقتحامها، فإن ذلك لن يستغرق منا سوى ساعات»، مشيراً إلى أن «المدرعات والأطقم والجرافات المحترقة بنيران الجيش اليمني واللجان الشعبية متناثرة في الشعاب والوديان بنجران، ولم يتمكن الجيش السعودي من سحبها، في وقت ينتزع فيه المقاتل اليمني منها بعض الأسلحة الرشاشة والمناظير الليلية، ويحرق المجنزرات بالوسائل المتوافرة لديه». ويتابع: «كل موقع سعودي يُقتحَم يعقبه انسحاب إلى محيطه، لأن الطيران يستهدفه بسلسلة من الغارات، وبعد أيام يُدفَع بوحدات سعودية جديدة للتموضع فيه من جديد، وبدورنا نجدد الهجوم عليه وسحق القوة التي بداخله».

 

أعلى قمة في جيزان

 

في عام 2009، سيطرت «أنصار الله» على جبال الدود والدخان والرميح في جيزان، عندما ساند الطيران السعودي نظام صنعاء في حربه السادسة على صعدة. قُتل حينها 79 ضابطاً وجندياً سعودياً، وأُسر 20 آخرون، ولم ينسحب مقاتلو الحركة من تلك الجبال إلا بتوقف الحرب والاتفاق مع «أنصار الله» على مناطق آمنة وخالية من السلاح بين اليمن والمملكة. ومع بدء حرب «التحالف» الذي تقوده السعودية، استعادت الحركة السيطرة على هذه الجبال، التي لا تزال تحت قبضتها إلى اليوم. القيادي في «أنصار الله»، أبو مطهر القحوم، يقول، لـ«الأخبار»، إن «جبل الدخان ليس بجبل، بل سلسلة جبال، وسُمّيت أعلى قمّة فيها باسم جبل الدخان، وأغلبها تقع جنوب غربي مدينة الخوبة في محافظة الحرث، في منطقة جيزان». ويضيف القحوم أن «مساحة السلسلة الجبلية التي سُمّيت جبلَ الدخان 18 كلم2، حيث يبقى جبل الرميح الواقع جنوبيه ضمن نطاق الدخان كسلسلة جبلية واحدة»، لافتاً إلى أن «السعودية استحدثت ما يقارب 40 موقعاً عسكرياً، منها أربعة مواقع رئيسة كقيادة وسيطرة وإدارة عمليات، واليوم جميع هذه المواقع صارت تحت سيطرة الجيش واللجان الشعبية».

 

شكّل سقوط الرميح والدخان والدود ضربة موجعة للقوات السعودية؛ لكون هذه السلسلة الجبلية - بحسب تأكيد القحوم - تطلّ على بلدات وقرى، منها الخوبة، الغاوية، مصفوقة، الشانق، المعرسة، السبخاية، جلاح، الراحة، المزبرات، ومن الشمال تخوّل الجيش اليمني واللجان فرض سيطرة نارية على وادي حمران. كذلك يكتسب جبل الدخان أهمية استراتيجية من كونه يشرف على جميع القرى السعودية حتى آخر مدى للمدفعية وبطاريات الـ«كاتيوشا». ويشير القحوم إلى أنه «بعد سيطرة الجيش واللجان عليه، تمكّنا من فرض سيطرة نارية شاملة على سهل الخوبة الغربي بشكل كامل، وبمدى 20 كيلومتراً، ومن جبل الدود نشرف على بلدة الخوبة من الشمال الغربي»، متابعاً أن «العشرات من الضباط والجنود السعوديين لقوا مصرعهم في هذه السلسلة الجبلية، كذلك تمكّن مقاتلو الجيش واللجان من اغتنام كميات كبيرة من الأسلحة الخفيفة والذخائر والأطقم المزودة بالرشاشات الحديثة».

 

نزف بشري ومادي

 

حرب استنزاف متواصلة للجيش السعودي منذ 3 سنوات، لم تصدر خلالها المملكة إحصائية رسمية بأعداد القتلى والجرحى والأسرى من قواتها، لكن سيل أخبار تشييع «شهداء الحد الجنوبي»، وتقديم أمراء نجران وعسير وجيزان واجب العزاء بـ«استشهادهم»، لا يتوقف في وكالة الأنباء السعودية الرسمية. خلال الفترة من 1 كانون الثاني/ يناير 2018 إلى 18 آذار/ مارس الجاري، رصدت «الأخبار» تشييع 87 ضابطاً وجندياً لقوا مصرعهم في الحد الجنوبي للسعودية، فيما تشير إحصاءات غير رسمية إلى «مقتل 5 آلاف ضابط وجندي سعودي خلال الحرب».

 

وعلى مستوى الخسائر المادية، كشف، أخيراً، موقع «ديفنس وان» الأميركي أن «السعودية تعتزم شراء 150 دبابة أبرامز، لتحلّ محل الدبابات التي فقدتها في الحد الجنوبي». وفي مطلع آذار الجاري، وقّع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في ختام زيارته لبريطانيا، مذكرة تفاهم لشراء 48 مقاتلة بريطانية من طراز «تايفون» بقيمة عشرة مليارات جنيه استرليني (نحو 14 مليار دولار)، علماً بأن مقاتلي «أنصار الله» في جبهات ما وراء الحدود كانوا تمكنوا من إسقاط عدد من الطائرات التابعة لـ«التحالف»، بدفاعات قديمة تعود إلى حقبة الاتحاد السوفياتي.

 

ولا يقتصر الأمر على أحدث الطائرات المقاتلة، بل طاول الطائرات المسيّرة التي أدخلتها السعودية إلى ساحة المعركة في الحد الجنوبي، جنباً إلى جنب الدبابات، والمدرعات الحديثة، والمدفعية طويلة المدى، والقناصات الليزرية. المقاتل في صف «أنصار الله» على جبهة جيزان، مطلق البروشي، قال، لـ«الأخبار»، إنه «منذ بدء المواجهات مع القوات السعودية، تمكنت الوحدة الفنية التابعة للجيش واللجان الشعبية من إنزال 11 طائرة مسيّرة، أحجامها تتفاوت بين المتر والـ3 أمتار، مهمّتها مراقبة الشعاب والمنحدرات، والتقاط الأجسام الصغيرة حتى أعقاب السجائر»، موضحاً أن «الوحدة الفنية اخترقت شيفرات أنظمتها الواحدة تلو الأخرى، وأنزلتها بكامل جاهزيتها، وعند فحص مكوناتها تبينت دقة نظام التصوير المزودة به».