ماذا حملت عملية «الشهيد أبو عقيل» الباليتسية من رسائل إلى السعودية ؟

 

حملت عملية «الشهيد أبو عقيل» الباليتسية، والتي نفذتها «أنصار الله» ليل الأحد الإثنين، أكثر من رسالة لـ«التحالف» ومن ورائه داعميه الغربيين. رسائل سرعان ما جلّتها مسيرة الذكرى الثالثة للعدوان في ميدان السبعين، والتي ثبّتت المعادلة التالية: «أوقفوا غاراتكم نوقف صواريخنا». وفيما وجدت السعودية نفسها عاجزة عن تبرير فشل منظومتها للدفاع الجوي سوى بتعليقه على «شمّاعة الدعم الإيراني»، استعجلت الدول الغربية الاستثمار في ادعاءات المملكة لتصعيد الضغوط على إيران.

 

في مثل هذه الأيام من عام 2015، كان المتحدث السابق باسم «تحالف دعم الشرعية في اليمن»، أحمد عسيري، يعلن تدمير الصواريخ الباليستية التي سيطر «الحوثيون» على مخازنها، مؤكداً أنها «لن تشكل (بعد اليوم) تهديداً على دول الجوار». في التاريخ نفسه، ولكن بعد مرور ثلاثة أعوام من الحرب والحصار، وقف خليفة عسيري، تركي المالكي، على مسرح مشابِهٍ للذي بنته نيكي هيلي (المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة) أخيراً في نيويورك، مستعرِضاً ما سمّاها «أدلة» على قدرات صاروخية مصدرها إيران، لا يمتلكها «الحوثيون». هكذا، أراد المالكي التغطية على ليلة «عاصفة» عاشتها بلاده، أظهرت أن «أنصار الله» لا تزال تملك الكثير من الإمكانات «الباليستية»، وأن السعودية لا تزال، في المقابل، عاجزة عن ردع هذا «الخطر»، الذي لا يفتأ يتزايد وتتوسع دائرته مرحلةً بعد مرحلةٍ من عمر العدوان.

 

في الوقت نفسه الذي بدأت فيه مقاتلات «التحالف» دكَّ منازل اليمنيين ليل السادس والعشرين من آذار/ مارس 2015، أطلقت القوة الصاروخية في الجيش اليمني واللجان الشعبية، ليل الأحد - الإثنين، مجموعةً من الصواريخ الباليستية، دفعةً واحدة، على أهداف متعددة داخل أراضي المملكة، في مقدّمها مطار الملك خالد الدولي في الرياض، مطار أبها الإقليمي في عسير، ومطار جيزان. بدت آثار العملية، التي سُمّيت باسم «الشهيد أبو عقيل»، جلّيةً في الأنباء التي سرعان ما تتالت من الداخل السعودي، مُتحدّثة عن سماع «دوي انفجارات هائلة» ورؤية «دخان متصاعد في الأجواء»، فيما استعجلت وسائل الإعلام التابعة للمملكة الدفع بأطقمها إلى الأرض، في محاولة للتغطية على حالة الرعب والقلق التي ضجّت بها مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى رأسها «تويتر».

 

محاولة لم تفلح في حجب الصور والفيديوات التي أظهرت، بوضوح، فشل صواريخ مُطلَقةٍ من منظومة «باتريوت» للدفاع الجوي، والتي تملكها السعودية، في اعتراض الصواريخ القادمة من اليمن، من دون أن يَثبُت ما إذا كانت صواريخ أخرى من المنظومة نفسها قد نجحت في أداء المهمة. لكن تجارب سابقة، كان آخرها وأبرزها استهداف مطار الملك خالد أيضاً بصاروخ في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، شكّك خلالها خبراء عسكريون أميركيون وغيرهم في أن يكون «باتريوت» السعودية قد أفلح في اعتراض صواريخ «أنصار الله» وتدميرها، متهمين سلطات المملكة بالكذب في هذا الشأن، تُعزِّز الاحتمال الأول. وما يقوّي الرواية المنافِية لادعاءات السلطات السعودية، كذلك، هو سعي الرياض «المحموم» نحو امتلاك منظومات دفاع جوي بديلة، على رأسها منظومة «أس 400» الروسية، التي كانت رجّحت مصادر رسمية روسية إتمام الاتفاق بشأنها في النصف الأول من العام الجاري.

 

على أي حال، تبقى الرواية الرسمية السعودية هي نفسها مع تبدّل في الأعداد والأماكن، التي جاءت هذه المرة على الشكل التالي: اعتراض 3 صواريخ شمال شرقي الرياض، وصاروخ أُطلق باتجاه خميس مشيط، وآخر باتجاه نجران، واثنين باتجاه جيزان، وتدميرها، وفق ما ادعى المتحدث باسم «التحالف»، في بيان صدر ليل أمس. ولئن تبدو تلك الرواية التي تنقضها العديد من المعطيات، إلى الآن، قابلة للتسويق الإعلامي، إلا أن علامات استفهام كثيرة تُرسَم حول الشق الرئيس منها، والمتصل بعجز «معادلة الباتريوت» (إن صحّت) عن تشكيل حالة ردع لدى «أنصار الله». بمعنى آخر، لماذا تعجز السعودية، حتى الساعة، عن منع الجيش واللجان الشعبية من الاستمرار في استهداف أراضيها، بنوعيات إضافية من «الباليستي»، وفي نطاق دائرة أوسع مما شهدته الحرب في ما مضى؟ هنا، يأتي الجواب على لسان المالكي، بالشكوى من «تدخّل إيران في اليمن» و«دعمها للميليشيا الانقلابية»، في مسعى لتبرير الفشل بمواجهة «أنصار الله».