شاهد :أعلام وصور قادة الإمارات تجتاح مدارس الجنوب

 

العملية التربوية والتعليمية في كل بلدان العالم من الأعمال السيادية والجوهرية التي لا يمكن التهاون بها من قِبل حكوماتها، حتى أن التفريط بها يعتبر من الأمور التي تعرض المسؤولين عنها للمساءلة القانونية، فكيف والحال الذي أضحت عليه مختلف المدارس في المناطق الخاضعة لحكومة الرئيس عبدربه منصور هادي، فجميعها أضحت تحمل رموزاً وأعلاماً مفروضة على السيادة الوطنية اليمنية وتصيبها بمقتل، كما جاء في وصف العديد من المتابعين.

 

فقد أضحت هذه المدارس أوعية بيد دول «التحالف العربي»، وتحديداً دولة الإمارات، التي استغلت حالة الضعف الإداري المستحكم في مفاصل حكومة هادي، وبدأت تمارس أنشطة دعائية لصالحها داخل المؤسسات التعليمية في مناطق الجنوب بأسرها، فكل المدارس من المهرة وسقطرى إلى الصبيحة، أضحت خالية من أي دليل انتماء وطني. كما استطاعت أبو ظبي فرض العلم الإماراتي وإحلاله محل العلم اليمني، وفرض صوَرعملاقة لشخصياتها ورموزها السياسة، «خليفة بن زائد، محمد بن راشد أل مكتوم، محمد بن زائد، وزايد بن سلطان»، على أسطحها وأنحاء أسوارها من الخارج والداخل وفي كل أروقتها وممراتها، وهي المتلازمة مع جملة الشكر والعرفان «شكراً إمارات الخير».

 

بل وصار لكل مدرسة لونها الفاقع الذي يميزها عن غيرها، وهي الألوان التي تتعارض مع الحد الأدنى من المرجعيات العلمية المتبعة في تصميم ألوان المدارس، التي من المعروف أنها تأخذ في الاعتبار الجوانب النفسية للتلاميذ وبقية عناصر العملية التعليمية.

 

ويرى متابعون لهذه الحالة، أن لا مبرر لقيام الإمارات بهذه الأعمال الدعائية بين أوساط تلاميذ المدارس في الجنوب، سوى تحقيق حضورها القسري في واقع ومستقبل الذاكرة الجمعية لتلاميذ المدارس الجنوبية. مدير عام المشاريع بوزارة التربية والتعليم فضل عبد الله قال في تصريح لـ«العربي»، إن «الهلال الأحمر الإماراتي نشط في القيام بمهمة ترميم المدارس، بصبغ الألوان على جدرانها من الداخل والخارج فقط، ومن ثم رفع الصور لأعلام ورئيس دولة الإمارات وولي العهد، ومن دون الرجوع لنا في وزارة التربية والتعليم»، مشيراً إلى «أنه وحسب كل التقارير، أن الهلال الأحمر الإماراتي لم يتدخل في بناء أي مشروع تربوي حتى الآن، ولم يتدخل حتى في التأثيث بالكراسي والطاولات أو غيرها».

 

وفي تعليقه على الألوان الفاقعة التي غيرت حتى من ألوان مدارس عريقة في عدن والجنوب، قال عبدالله إن «كل هذه الألوان التي تصبغ على جدران وأسوار وممرات المدارس مخالفة للمعايير التربوية، وتخضع للمزاج». وفي هذا الإطار، أكد عبد الرقيب سعيد وهو مدير مدرسة سابق وموجِّه متقاعد، أن «فرض الألوان الفجة على الجدران الخارجية للمدارس تجعل الطلاب يشعرون بقوة الإنتماء اللوني لمدارسهم، ما يجعلهم متنافرين مع طلاب مدارس تتخذ ألوان فاقعة ومغايرة، وأخطرها ألوان الجدران الفاقعة للفصول من الداخل، التي من المعروف علمياً أنها تولد التوتر والقلق، وتؤدي إلى تدني مستوى التحصيل العلمي لدى التلاميذ».

 

إنه واقع مفروض، ولم يكن لمجرد الصدفة، والأخطر أنه يستهدف تفكيك العملية التربوية والتعليمية، بأساليب مدروسة، ويهدف إلى توجيه الأجيال نحو وجهة سياسية، ولا مجال فيه لحسن النية. الباحثة في فلسفة التربية الدكتورة هند أحمد، أوضحت لـ«العربي» أن «هذه الطريقة في استخدام الأعلام والصور للشخصيات السياسية، تهدف إلى تكريس التقبل النفسي من قبل التلاميذ لرموز دولة الإمارات، الذي على أساسه يتحقق الولاء والتبعية الكاملة لكل ما هو إماراتي، ومن ثم تتحقق السيطرة الكاملة التي تريد تحقيقها هذه الدولة في مخرجات هذه المدارس على المدى القريب والبعيد»، وأضافت مشبهة هذا الدور بأساليب البعثات التبشيرية في أفريقيا، قائلة: «ولا يمكن لأي دولة الإقدام على هكذا طريقة في الخطاب الرمزي لتلاميذ مدارس دولة أخرى، إلا إذا كانت تخطط من أجل تحقيق السيطرة الكاملة على البلد المستهدف».