فشل سياسة «شراء الذمم».. أمريكا تتنصل من جرائم السعودية

 

لطالما بذلت المملكة العربية السعودية جهودا كبيرة في محاولة للتغطية على جرائمها وانتهاكاتها في اليمن؛ تارة من خلال التهديد واستخدام أوراق الضغط، وتارة أخرى من خلال إنفاق المليارات سواء في المجالات التسليحية أو الاقتصادية والتجارية، وإن تعددت الطرق، تصب بالنهاية في خانة شراء الذمم وإسكات الأصوات المعارضة، حتى أن بعض السياسيين يرون أن الرياض أنفقت على شراء صمت العالم ضعف ما تنفقه في حربها على اليمن، لكن تظل هناك بعض الثغرات التي تفضح فساد المملكة وجرائمها، فيما يبدو أن الرياض لا تزال عاجزة عن سدها.

 

اتهمت وزارة الخارجية الأمريكية، السعودية بارتكاب مجموعة واسعة من انتهاكات حقوق الإنسان، منها القتل خارج نطاق القانون والتعذيب واعتقالات تعسفية لمعارضين والتسبب بمقتل المدنيين في اليمن، وجاء في تقرير سنوي جديد للخارجية الأمريكية حول حالة حقوق الإنسان في العالم، نشرته الوزارة الجمعة الماضية، أن أكبر انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها السلطات السعودية تشمل “القتل غير الشرعي، بما فيه الإعدامات من دون الالتزام بالإجراءات القانونية اللازمة، والتعذيب والاعتقالات والتوقيفات التعسفية للمحامين والحقوقيين والمعارضين والمعتقلين السياسيين، والتدخل التعسفي في الحياة الشخصية وتقييد حرية التعبير عن الرأي، بما يتضمن الإنترنت، وتقييد التجمع السلمي والتجمهر وتقييد حرية المعتقد وحرمان المواطنين من إمكانية اختيار الحكومة عبر انتخابات حرة وعادلة، وتجارة البشر واستخدام العنف ضد النساء والتمييز الجنسي، رغم الإعلان عن مبادرات جديدة في مجال حقوق النساء”.

 

 

 

وأوضح التقرير أن السلطات السعودية أوقفت منذ بداية شهر نوفمبر الماضي، ضمن حملة التوقيفات، قرابة 200 شخص؛ بينهم مسؤولون في الحكومة ورجال الأعمال وأعضاء الأسرة الملكية، بذريعة التحقيق قي حالات الفساد المتعلقة بهم، وتم خلال الحملة انتهاكات لحقوق هؤلاء الموقوفين، وبالإضافة للانتهاكات الداخلية، فإن السعودية تواصل العملية العسكرية الجوية في اليمن بصفة زعيم التحالف العسكري المشكل في العام 2015، وأكدت الخارجية الأمريكية في تقريرها، أن الغارات السعودية تسببت في سقوط ضحايا بين المدنيين وإلحاق أضرار بالبنى التحتية، دون محاسبة قضائية لمتسببي قتل المدنيين، مستشهدة بالتقارير الواردة من الأمم المتحدة، ومنظمة هيومن رايتس وواتش، والعفو الدولية، التي انتقدت الضربات السعودية في اليمن.

 

ويأتي هذا التقرير بعد ساعات قليلة من محاولات وزارة الدفاع الأمريكية تبرءة ساحتها والتنصل من جرائم العدوان السعودي بحق المدنيين في اليمن، حيث قال البنتاجون، مساء الخميس الماضي، إن الولايات المتحدة لا تراقب جميع هجمات التحالف بقيادة السعودية على اليمن، لكنها تعمل مع المعنيين لتجنب وقوع خسائر بين المدنيين، وأضاف مساعد وزير الدفاع الأمريكي، روبرت كارم، في جلسة استماع أمام مجلس الشيوخ الأمريكي، جاءت عقب اعتراضات من قبل أعضاء مجلس الشيوخ بالكونجرس الذين اتهموا السعودية باستهداف المدنيين في اليمن: “نحن لا نراقب جميع الطائرات السعودية التي تنفذ ضربات في اليمن، لدينا عدد محدود من الموظفين والموارد للقيام بذلك.. لا يوجد فهم كامل لدى الولايات المتحدة، حول الطريقة التي يدير بها السعوديون عملياتهم”.

 

في الوقت نفسه، أعرب أعضاء مجلس الشيوخ عن رفضهم لاستمرار السعودية في ضرب المدنيين باليمن، وذكروا أن المملكة ليست منخرطة في تسوية سياسية، مفضلة الوسائل العسكرية لحل النزاع في اليمن، وشكك المشرعون بالمجلس، في الاستراتيجية الأمريكية في اليمن، المتمثلة بالقول إنه لا وجود لحل عسكري للنزاع في اليمن، وفي الوقت نفسه، تواصل تقديم الدعم العسكري للسعودية.

 

 

ورغم الانتقادات التي تتصاعد داخل المؤسسات الأمريكية سواء بالخارجية أو الكونجرس وغيرها، إلا أن واشنطن لم تتوان لحظة عن دعم العدوان السعودي على اليمن، سواء بالصفقات التسليحية أو التعاون الاستخباري، حيث وافقت الإدارة الأمريكية في أواخر مارس الماضي، على بيع أسلحة ومعدات مدفعية بقيمة 1.3 مليار دولار إلى المملكة، خلال زيارة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، إلى الولايات المتحدة، وجاءت الموافقة على الصفقة رغم ما أثارته من جدل وصراع كبير داخل الولايات المتحدة، تركز بين البنتاجون والكونجرس، حيث دافع فريق ممثل بإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بشراسة عن الصفقات التسليحية التي تدعم بها واشنطن الرياض، بذريعة أن جميع مساعداته العسكرية هي مساعدات غير قتالية، فيما بذل فريق آخر من الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الكونجرس، محاولات حثيثة لوضع حد لدعم واشنطن للرياض.

 

المليارات التي يهدرها حكام “آل سعود” في أمريكا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا، ما هي إلا محاولة لشراء ذمم تلك الدول، وضمان سكوتها على جرائم المملكة سواء الداخلية أو الخارجية، فالسعودية لها باع طويل في هذا الشأن وتُجيد التعامل بسياسة المليارات مقابل الدعم والسكوت، وهو ما ظهر جليًا في العديد من المواقف السابقة، والتي يأتي على رأسها قانون “العدالة ضد رعاة الإرهاب” والمعروف إعلاميًا باسم “جاستا” الذي يتيح لضحايا اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، ملاحقة المملكة العربية السعودية قضائيًا، لدورها المفترض في هذه الاعتداءات، فمنذ إقرار الكونجرس للقانون في عام 2017، يُعد أداة ابتزاز فعالة في يد الإدارة الأمريكية ضد المملكة، وأنفقت الرياض مليارات الدولارات مقابل عدم تفعيله.