مجلس التلاحم الشعبي القبلي الأبعاد والدلالات

غالباً ما ينطلق الناس في أحكامهم تجاه الكثير من القضايا بناء على تصورات مسبقة جرى تكريسها في الوعي الجمعي بصور وأشكال متعددة وانطلاقاً من دوافع متعددة، وهذا النمط من التفكير يجعل الكثير غير قادرين على رؤية الحقائق كما هي لا كما يتم الترويج لها من قبل محترفي الزيف والتضليل وتشويه الحقائق سواءً بقصد أو بغير قصد وأعتقد جازماً بأن ما يحدث من صراعات وانقسامات وحروب ومشاكل في مجتمعاتنا ما هو إلا نتيجة لوقوع الناس سواءً كانوا أفراداً أو جماعات أو أحزاب في شراك هذا الوعي التضليلي الذي يزيف الحقائق ويشوهما ويلغي دور العقل والمنطق الذي مناطق التكليف والمسئولية لأي إنسان في الحكم على الأشياء والنفاذ إلى حقائقها بعيداً عن التصورات المسبقة والنزعات والأهواء التي تحرك الناس وتقودهم إلى مهاوي الردى والهلاك كنتيجة محتومة لهذا النوع من التفكير المضلل.
ما حدث ويحدث في بلدنا اليمن من صراعات وحروب وانقسامات في البنى الاجتماعية والثقافية والسياسية لا يعدو عن كونه نتيجة خاطئة لمقدمات خاطئة سببها تخلي الناس عن عقولهم والسير خلف حاملي رايات التضليل والزيف وهنا هو مكمن الخطر وسبب الإشكال الذي نعيشه وكنا مساهمين في إنتاجه بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
محافظة صعدة وما حدث فيها من حروب ظالمة وغاشمة تعد إحدى ضحايا هذا الوعي والتضليل الذي نسج أرديته عشاق الظلام وأعداء الحياة وجعلوا الكثير من الناس يلتحفون بعباءاتهم السوداء التي تحجب النور وبالرغم من سطوع نور الحقيقة في صعدة الجريحة إلا أنهم لا يزالون ينسجون أردية الزيف والتضليل بصورة مستمرة تكشف عن حالة إدمانهم الشديد لممارسة هذه الغواية التي لا يستطيعون الإقلاع عنها.
الزيارة التي قمت بها إلى محافظة صعدة قبل أيام فتحت لي آفاق واسعة ورحبة لمراجعة الكثير من الأفكار والمفاهيم المغلوطة التي تسيطر على وعي الناس وتوجههم لتكتشف حينها أنك أحد ضحايا موجة التضليل والزيف التي طالت الكثير من الناس والتي رسموا فيها صورة مشوهة عن أبناء صعدة بطريقة مغايرة للصورة الحقيقة التي رأيناها بأعيننا في الواقع، وأعتقد أنه ليس هناك أبشع وأقبح من تحويل الضحية إلى جلاد فهل هناك أبشع من هذا الظلم الذي وقع على أبناء صعدة والذي ساهمنا جميعاً في وقوعه، لقد كنت في زيارتي لصعدة ضمن المدعوين لحضور مؤتمر إشهار مجلس التلاحم الشعبي القبلي والذي انعقد بمحافظة صعدة لمدة يومين حضر فيه أكثر من خمسة آلاف شخص من مشائخ وعقال وشخصيات اجتماعية وسياسية من عموم محافظات الجمهورية ولأن تشكيل هذا المجلس واستضافة أبناء صعدة لانعقاده يحمل الكثير من الدلالات والمضامين الوطنية والإنسانية كما أنه يكشف في نفس الوقت عن الكثير من المفاهيم المزيفة والمغلوطة التي تم الترويج لها بشكل مخالف للحقيقة الناصعة لأبناء محافظة صعدة وما يحملونه من قيم ومبادئ وأخلاق عظيمة تجعل المرء يخجل ويقف عاجزاً عن شكرهم وتقديرهم لما بذلوه وقدموه من جهود جبارة في سبيل انعقاد هذا المؤتمر ولما لاقيناه من كرم الضيافة وحفاوة الاستقبال الصادق الذي يعبر عن أصالة أبناء صعدة وصدق سجاياهم النقية الخالية من التصنع والتكلف والزيف.
فانعقاد هذا المؤتمر في صعدة حمل الكثير من الرسائل والدلالات الأخلاقية والإنسانية والوطنية بعث بها أبناء صعدة إلى أبناء الوطن اليمني من شرقه إلى غربه ومن جنوبه إلى شماله رغم الجروح والآهات والويلات التي تجرعها أبناء صعدة خلال ست حروب ظالمة خلفت جروح غائرة في العمق النفسي والاجتماعي لهم لكن هذه الجروح والمآسي التي تجرعوها لم تحولهم إلى براكين غضب وانتقام من الآخرين بل أن هذه الجروح تحولت إلى بلسم ورسائل حب وسلام تفوح منها روائح المسك إلى جميع أبناء الوطن بمختلف انتماءاتهم السياسية والقبلية والمذهبية.
قد يتصور البعض أن تشكيل مجلس التلاحم الشعبي القبلي ما هو إلا محاولة للاستقواء بالقبيلة وتكريس سلطتها على حساب مشروع الدولة المدنية الذي نتطلع إليه لصالح جماعة أو حزب أو فئة بعينها على غرار تجارب سابقة لبعض التيارات القبلية والتي استقوت بالقبيلة وجعلت منها أداة للابتزاز السياسي وتحقيق المصالح الشخصية والحزبية على حساب مصالح أبناء الوطن طوال العقود الماضية، وأعتقد أنما جرى من توظيف سئ للقبيلة من قبل بعض التيارات القبلية في ماضي اليمن القريب وحاضرة ساعد على تكوين صورة مشوهة لدور القبيلة عند الكثير من النخب السياسية والثقافية، ولذلك فإن إسقاط الأحكام الجاهزة بناء على تصورات مسبقة من قبل البعض ضد مجلس التلاحم الشعبي القبلي يعد حكم ظالم وجائر لا يستند على أي حقيقة منطقية وعقلية وذلك لأن مجلس التلاحم الشعبي القبلي يختلف في شكله ومضمونه عن غيره من التكتلات التي أساءت للقبيلة والدولة وفرطت في سيادة الوطن.
حيث أن تشكيل هذا المجلس أتى في ظروف معقدة يمر بها الوطن على مختلف الأصعدة السياسية والاجتماعية والأمنية والوطنية ويهدف إلى الخروج برؤية وطنية قادرة على مواجهة الأخطار والمؤامرات التي يتعرض لها الوطن داخلياً وخارجياً باعتبار أن هذا المجلس لم يقتصر على فئة معينة أو حزب وإنما ضم في تكويناته مختلف الشرائح الاجتماعية والسياسية والقبلية والثقافية من عموم محافظات الجمهورية دون استثناء لأن أهدافه التي أنشئ من أجلها أهداف وطنية لا تخص فئة بعينها وإنما تهم كل أبناء الوطن وبالتالي فإن تشكيل هذا المجلس يعد استجابة وطنية ملحة لمواجهة الأخطار التي تهدد الوطن من خلال إحياء دور القبيلة وقيمها الحضارية الأصيلة من أجل القيام بدورها الإيجابي في بناء الوطن وأمنه واستقراره وسيادته الوطنية وبما يساعد على بناء دولة النظام والقانون، ولذلك فقد حمل هذا المجلس الكثير من الأهداف والمضامين الوطنية التي لا يتسع المجال لذكرها.
ولهذا فإننا نأمل أن يتم تفعيل دور هذا المجلس في القيام بدوره الوطني كما أدعو جميع أبناء الوطن إلى الالتفاف والتلاحم والتعاون مع ممثلي هذا المجلس في مختلف مناطق اليمن لما فيه خدمة الوطن وأمنه واستقراره وعزته كما لا يفوتني أن أكرر شكري وتقديري لأبناء صعدة الأبية الذين أثبتوا أنهم رجال يحملون هم الوطن على عاتقهم رغم آلامهم وجراحهم فطوبى لكم يا أبناء صعدة ولا نامت أعين الجبناء.

أضف تعليقاَ

CAPTCHA
This question is for testing whether you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
5 + 2 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.