خسرنا ثورة ولم نكسب رئيساً*

في العالم كله لم يحدث أن احتفل شعب أو جماعة بـ"ذكرى الانتخابات"، وفي اليمن يبدع التجمع اليمني للإصلاح، وهو يجترح هذه السابقة، ويجازف بأرواح الناس، كي يحتفل بمرور عام على "انتخاب هادي رئيساً".
المسافة ليست طويلة بين شعار: "علي عبدالله صالح مرشح الإصلاح" الذي رفعه الإصلاحيون عام 99، وبين المعركة المقدسة التي يخوضها الإصلاح اليوم في سبيل "هادي"، ومن أجل "امتلاك" هادي.
يحشد الإصلاح جماهيره من مختلف المحافظات إلى عدن، ومن المتوقع أن تشهد المدينة اليوم صدامات عنيفة قد تغرقها بالدماء، فالحراك الجنوبي مصر بدوره على التظاهر إحياءً لذكرى "مقاطعة الانتخابات"، وكان هو السبّاق إلى الدعوة، وجاءت "بدعة" الإصلاح ردا عليها.
يريد الحراك بإحياء هكذا مناسبة؛ تسجيل احتجاج سياسي آخر في سلسلة احتجاجاته، وهذا أمر مفهوم جدا في كل الأعراف السياسية، بينما يريد الإصلاح أن يحيي المناسبة، وفي مدينة عدن تحديداً، ليؤسس لمرحلة جديدة من اقتسام السلطة والنفوذ؛ هذه المرة مع الرئيس "هادي"، بعد أن طوت مرحلة "التقاسم" مع "صالح" صفحتها.
من البديهي توقع أن يكون الرئيس هادي قد طلب إلى قيادات الإصلاح إقامة هذه الفعالية؛ وذلك بهدف ضرب الصورة التي يمكن أن تتشكل في الجنوب ليوم 21 فبراير، في حال خلت الساحة لحشود الحراك، وهي صورة الجنوب الرافض لشرعية رئاسة ابن الجنوب: عبد ربه منصور هادي، في صنعاء.
هناك مصلحة مشتركة بين هادي والإصلاح إذن، ولو لم يطلب هادي من الإصلاحيين، لبادروا هم وعرضوا عليه التطوع بتنفيذ هذه الغزوة إلى عدن. هكذا يشبه اليوم بارحة 94، ومن شاهد أمس الأربعاء حشود الإصلاح وهي تدخل عدن بمواكب طويلة، وبأعلام "الوحدة"، لن يصعب عليه استرجاع مشهد دخول قوات "صالح" و"الإصلاح" و"هادي"، إلى المدينة نفسها، صيف ذلك العام البائس.
المعادلة تتكرر: استخدام "الإصلاحيين" لـ"الرئيس" بهدف ضرب خصومهم، وهم هنا "الحراك الجنوبي"، واستخدام "الرئيس" لـ"الإصلاح" في الطريق إلى اجتثاث خصومه، وهم هنا فصائل الحراك المتمردة عليه (هناك حراك موالٍ له على رأسه المناضل محمد علي أحمد).
وحين تنتهي المعركة في الجنوب، أو قبل أن تنتهي، ستنتقل المعادلة بنفس أسلحتها إلى أماكن أخرى؛ سيأتي دور الحزب الاشتراكي بالتأكيد كهدف، وسيأتي دور الحوثيين أيضا.
لا سلاح أمضى بيد هادي من "الإصلاح"، وليس بمقدور الأخير أن يتجاوز خبرته التاريخية في الاعتماد المطلق على سلاح "الحاكم" وخزانته.
ليس بوسع حكيم أن يسعف الوضع بنصيحة إلى الرئيس هادي من نوع أن عليه النظر إلى نهاية الاستخدام المتبادل بين "صالح" و"الإصلاح"، فهادي أصلا، مثله مثل كل حاكم مبتدئ، ليس في وارد الاعتبار بتجارب أو تلقي نصائح، إنه مستغرق كليا في سماع صوت الكرسي يرتعش تحته، لطراوة الأرضية التي بني عليها، ولهذا ليس في وسعه غير الإنصات لأول من يعرض عليه خدمة تثبيت كرسيه، والإصلاح وحده جاهز لهذه الخدمة.
لشد ما كانت السنة الأولى من حكم الرئيس الجديد غامضة وملتبسة في ما يتعلق بمشروعه للحكم، وطبيعة ما يحمله من تصور لإدارة البلد، ولا أدري أقدرا أم صدفة أن أول يوم من السنة الثانية تكفل لوحده بإزاحة كل ذلك الغموض والالتباس: ليس بإمكان "هادي" أن يكون شيئا غير "صالح"، وليس لدى "هادي" من مشروع غير عصا "الإخوان" (معززة هذه المرة، وهذا هو الفارق الخطير، بهراوة مجلس الأمن والقوى الدولية).
لقد خسرنا ثورة ولم نكسب رئيساً.
وإلى ذلك؛ خسرنا الجنوب للمرة الثانية، وكسبنا تحالف 94: ثلاثة ناقص واحد (صالح).
فهل يعي الرئيس فداحة ما يحدث، ويراجع ما يبدو الآن "قضاء وقدرا" بالنسبة له، مع أنه ليس كذلك على الإطلاق؟
ـــــ
*نشر أمس الأول الخميس في صحيفة "الأولى"

أضف تعليقاَ

CAPTCHA
This question is for testing whether you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
10 + 10 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.