مشيخات الردة والتطبيع

مع منتصف الثمانينات ،أي في أوائل نوفمبر 1985م بدأت تظهر في الصحافة الأمريكية معلومات عن تقرير أعدته "وكالة المخابرات الأمريكية "عن "تقييم مواطن الضعف في ليبيا ".اختارات الولايات المتحدة الأمريكية "ليبيا "لأنها الحلقة الأضعف بالنسبة للدول المعادية للامبريالية ،وقد كان خيار واشنطن لليبيا كمقدمة تتيح لها "الشروع بتنفيذ عدد من العمليات لإسقاط الأنظمة التي لاتروق لها في الشرق الأوسط وبقاع العالم الأخرى "-أناتولي أجارشيف،التآمر ضد العرب-وهذا يعني أن التخطيط لما سمي بالربيع العربي يعود تاريخه ومشاريعه إلى منتصف الثمانينات من القرن العشرين ،لا إلى منتصف الألفية الثالثة واجتماعات قطر مع الاسلاميين في 2006م ،وحوارات التجسير بين الامريكيين وجماعة الإخوان المسلمين .وهو المشروع الذي تم تنفيذه مع ما سمي بربيع تونس ،الذي بدأ بتمثيلية "زين العابدين بن علي " وفهمه للعبة إن لم يكن جزءا منها ،وبعدها كانت ليبيا واليمن وسوريا ،لكن ليبيا كانت هي الحلقة الأضعف التي تم إسقاطها بتدخل مباشر للناتو والولايات المتحدة الأمريكية ،وأرادوا من خلال طريقة قتل معمر القذافي وسحله أن يخضعوا بقية الحلقات بدون كلفة ،لكنهم أخطؤا التقدير ،وعجزوا حتى اليوم من إسقاط سوريا ،وأن كانوا ماضين في  مشاريع التقسيم والتفتيت دون كلل !

لقد كانت حرب الخليج الثانية مبررا لمشيخات الخليج كي تدير ظهرها بشكل سافر لقيم العروبة والوطنية ،بحجة وقوف أنظمة وشعوب عربية مع صدام حسين ،وضمه للكويت ،واعتبارها من محافظات العراق "وبدا الخليج العربي أكثر من أي وقت مضى ..متهافتاعلى الاتفاقيات والمعاهدات الأمنية مع القوى الأجنبية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية التي ظهرت على مسرح الاحداث لديهم منقذا من براثن دعاة العروبة والقيم الوطنية "اسامة عبد الرحمن ،عرب الخليج في عصر الردة- وأصبح المدالأمريكي بحسب فؤاد زكريا "يزحف لا إلى سياستنا واقتصادنا فحسب بل إلى عقولنا أيضا .قد نحمل على أمريكا حين ينكشف دورها في مساندة إسرائيل بصورة مفضوحة ولكن في عقول الكثيرين منّا إعجابا صامتا بها مقرونا بالرهبة والانبهار "لهذا يرى فؤاد زكريا أنه لايمكن الجمع بين الصداقة مع أمريكا والوقوف ضد النزعة التوسعية الإسرائيلية ،وهذا يعني أن الصداقة مع أمريكا تعني الوقوف مع المشاريع الاستيطانية الصهيونية .
إذا كانت "كارثة الخليج العربية عجلت باستثارة الحقد من العرب على العرب ،والتنديد بالشعارات والمباديءالوطنية ،وبروز الكيان الصهيوني بمثابة الخصم الذي يمكن التعاون معه "فإن كارثة ما سمي ب"الربيع العربي" ومشتقاتها مثل "عاصفة الحزم وعودة الأمل "التي شنت على اليمن وما يماثلها في سوريا من قبل "التحالف الخليجي /الغربي قد استثار الأحقاد بين الليبي والليبي ،والسوري السوري ،واليمني اليمني إلخ ،وجعلت من الكيان الصهيوني صديقا مع توجيه بوصلة العداء ضد إيران "العدو المجوسي الرافضي الفارسي".
بعزل مصر عن المشروع القومي العربي ،وانخراطها باتفاقية كامب ديفيد أصبح الكيان الصهيوني يدير تحركاته العدوانية دون أن يكون هناك مبرر أواستفزاز تتخذ منه إسرائيل ذريعة لعدوانها كما حصل في حرب 1948م -1956م-1967م.لقد أصبح الكيان الصهيوني يضرب بكل حرية كما يرى أسامة عبد الرحمن في تحطيمها للقدرات الفلسطينية عام 1982م وقتلها لخمسة عشر الفا منهم...وفي عدوانها على لبنان عام 2006م قتلت الآلاف في جنوب لبنان ،مستخدمة الأسلحة المحرمة دوليا ...
لقد عملت "مشيخات الخليج "أو ما أسميه بنظام "العائلات المتحدة "على ضرب الأمن العربي مستبدلة إياه بالأمن الأمريكي /البريطاني.وأصبح ما كانت تتآمر فيه خفية في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين تتبناه علنا في الالفية الثالثة ،وتربط نفسها ضمن الأمن الاقتصادي والسياسي الغربي .
في الوقت الذي تعمل فيه الحروب والصراعات في الوطن العربي على تعميق الفجوة بين العربي والعربي تصبح السيناريوهات التي تلبي مطالب الهيمنة الإسرائيلية أمنيا واقتصاديا على حساب الأمة العربية –واقعا تتسارع خطواته .فمنطقة التبادل التجاري التي تضم إسرائيل مع بعض الدول العربية تكاد أن تصبح علنية ،ومساهمة دول مجلس التعاون الخليجي كقطر والإمارات بشكل جلي ،والسعودية بشكل خفي .إلى جوار ذلك "يستثمر الآخرون هذا العجز لتحويله إلى مصلحتهم من خلال سوق يدخل فيها العرب منشقين ومتفرقين بل متناحرين "كما يرى ذلك أسامة عبد الرحمن .
يستخدم الغرب ويصطنع الصراعات والعداوات بين العرب ،بل وفي إطار مشيخات الخليج بما يخدم هيمنته ،فالحرب على اليمن تعزز العداء التاريخي تجاه آل سعود ومملكتهم ،وصراع المصالح بين آل نهيان وآل ثاني وآل خليفة وآل سعود تطفو على السطح بين فينة وأخرى ،وإن ظلت على الأغلب كامنة ،وتدار خفية وفقا لضرورات الأمن القومي الغربي .
وما يحدث في اليمن يعكس بعض هذه الصراعات والأطماع بين هذه المشيخات كوكلاء للشركات المتعدية الجنسية .
لم يعد خافيا أن حرب الخليج الثانية كانت ترتيبا وتحضيرا لإسقاط الأنظمة العربية المناوئة للغرب ،وتمكينا للكيان الصهيوني وجعل الكيان السعودي يمارس دوره في خدمة الغرب بكل توحش ،وتطبيع العلاقات مع إسرائيل وضرب وتمزيق كل تعاون وتضامن عربي ،وتسفيه فكرة القومية العربية ،وإنعاش الهويات ماقبل الوطنية ،والسير بخطوات حثيثة لجعل إسرائيل هي الدولة العظمى في النظام الشرق أوسطي الجديد!
يرى محمد حسنين هيكل أن حرب الخليج "كانت الوسيلة التي حققت إحكام السيطرة على بترول الشرق الأوسط ،وهو أكبر موارد البترول في العالم" وجاء الربيع الأمريكي من وجهة نظري ليستكمل حلقات السيطرة على بترول ليبيا ،وتبقى إيران هي الهدف الآني الذي تتحرك من أجل نفطها أمريكا وبريطانيا في باب المندب وسوريا ...

أضف تعليقاَ

CAPTCHA
This question is for testing whether you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
14 + 4 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.