"تنظيمية" الانقلاب على الثورة

ما فعلته اللجنة التنظيمية بساحة التغيير مؤخراً، وهذا على الأقل فقط، يكشف حقيقة التصور الذي انطلقت منه اللجنة في تعاملها مع الساحة؛ بل ويكشف ثقافة أغلب أطراف ومكونات الساحة السياسية اليمنية بشكل عام.
بدأت "ساحة التغيير" بمجموعة من الطلاب والشباب الثائر الذين اعتصموا فيها ولسان حالهم : "بدون أن تتحقق مطالبنا، سنواصل اعتصامنا ولن نغادر هذا المكان (الساحة) إلا إلى قبورنا". هم أطلقوا دعواتهم مهيبين بالجميع الاصطفاف معهم؛ باعتبار أن مطالبهم هي مطالب الجميع. اصطف معهم الكثير، أفراداً وقوى سياسية، بعضهم تأييدا للمطالب الثورية، وبعضهم كانت "هجرته إلى ما هاجر إليه". أصبحت الساحة لاعبا فاعلا ومؤثرا -بل ورئيسيا في بعض مراحلها- في ما آل إليه مسار الأحداث، السياسية خصوصاً. الكثرة الكاثرة لا بد لها من تنظيم؛ فانتخبت -في عملية أشبه بالانتخاب الداروني (الانتخاب الطبيعي، الذي يرشح الأقوى والأكثر تأهيلا)- بعض أفرادها، موكلة إليهم مهمة تنظيمها، وتنظيمها فقط، ولذلك سُمّيت بـ "اللجنة التنظيمية".
هذه "التنظيمية" تعامت (والأرجح في اعتقادي أنها عميت، رغم أنها أصبحت تمثل بعد ذلك قوى سياسية بعينها، لا الساحة الثورية) عن صفتها "التنظيمية"، ورأت في نفسها أكثر من ذلك؛ لتتحول إلى سلطة متسلطة، وظلت تسعى إلى أن تكون سلطة مطلقة.
من المعروف طبعا أن غالباً ما يعمل الحاكم المستبد على المزاوجة بين شخصه ومنصبه، ثم المزاوجة بين الناتج المزدوج هذا وبين الوطن؛ وكثيراً ما يصف المستبد خصومه وأعداءه بأنهم "أعداء الوطن". هو بالضبط ما فعلته "تنظيمية" الساحة؛ إذ إن مخالفيها أصبحوا "أمن قومي" "بلاطجة" "أعداء الثورة"... كأن الساحة هي اللجنة، أو أن اللجنة هي الثورة!!
وفي مفاجأة بُهت لها الكثير ممن اتخذوا موقف المدافع عن اللجنة (أقصد أصحاب النية الحسنة طبعاً)، أصدرت اللجنة "قرارها" النهائي: إيقاف العمل الثوري ورفع الساحة! معطية لنفسها ما ليس لها ولا لأحد غيرها.
كأنها بذلك تقول: أنا أنشأت الساحة، وأنا أرفعها.
شخصياً لا أرى أي جدوى من بقاء الساحة؛ ولكن ليس من حق أحد أن يفرض على الثوار خياراتهم.
من هنا كان الأحرى باللجنة أن تقرر إنهاء مهامها وحل نفسها، وإن شاءت فلها أن تهيب بالباقين في الساحة مغادرتها وفض اعتصامهم فيها، مبدية لهم رؤيتها ومبرراتها لذلك.
لكن أن تقرر (هي) فض اعتصامهم (هم) ورفع ساحتهم (هم)، فهذا مما لا يليق بلجنة هي أولاً تنظيمية، وثانياً والأهم أنها تتعامل مع ثوار أحرار، أو طالبي حرية على الأٌقل.

أضف تعليقاَ

CAPTCHA
This question is for testing whether you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
17 + 3 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.