اليمن والبحرين من مُستضعفتين إلى فكي كماشة

كنتُ في بيروت قبل أشهر قليلة .. أحد أصدقائي اللبنانيين وهو إعلامي عرض عليّ المشاركة في برنامج تلفزيوني مطول لمناقشة قضية البحرين .. وأردف قائلاً : لا تستغرب هناك ضيوف من البحرين ولكني أجد ارتباطاً وثيقاً بين قضية اليمن والبحرين وأنت جدير بهذه المقاربة .. لم أفكر ولو لبرهة واحدة بل وافقت على الفور وبكل ترحيب ..
 
المقاربة بين اليمن والبحرين دفعتني لاستعراض علاقة تاريخية لا تخلو من دلالة مرتبطة بما يحصل لهذين البلدين المجاورين لبلاد نجد والحجاز ( السعودية حالياً بعد توسعها وابتلاعها لجزء كبير من اليمن ودول الجوار وصحراء الربع الخالي ) ..
 
هذه المقاربة ذكرتها في البرنامج وكنت قد ذكرتها أيضاً بصورة مفصلة في كتابي ( مسألة الأقليات وسبل تخفيف التوترات الدينية والإثنية في الشرق الأوسط ) والمتعلقة بحروب الردة التي اندلعت إبان الدولة الإسلامية الأولى لمواجهة حركة الردة التي انطلقت من اليمن والبحرين ، وهو ما أسميته استشعار مبكر لخطر المركزية فقد كانا بلدين يتمتعان بالإنتاج والرخاء والزراعة وحتى الصناعة التقليدية والتجارة وكان مركز الحكم في المدينة المنورة يطالب بالزكاة والضرائب ولا يستشعر الناس في اليمن والبحرين أي مردود من زكوات وضرائب يدفعونها ، فالمسألة في أسها وأساسها كانت ذات بعد اقتصادي وليس ديني ولكن الدين دوماً هو السبيل الأسهل والسلاح الأمضى لإعلان الحرب بالفتوى بالرغم من أن إسلام اليمانيين وأهل اليمامة تم برسالة لم يحتاج معها رسول الرحمة المهداة للعالمين محمد (ص)  إلى ترهيب وترغيب ..
 
لقد ذكرت أيضاً أن هذه المقاربة التاريخية بما فيها من حيثيات وتجانس موضوعي تؤكد بأن الاحتجاج صفة أصيلة لدى شعبي اليمن والبحرين ، وهاهما يقدمان منذ اكثر من عام لوحة ثورية رائعة تشارك فيها المرأة بصورة لافتة أذهلت العالم ولكنها لم تحرك ساكن القابعين في العروش الملكية والأميرية التي بدأت تهتز وتترنح على أنها تستقوي بالشيطان على عباد الرحمن ..
إن الاحتجاج في السعودية ولاسيما في المنطقة الشرقية له أثر إيجابي لجهة انتصار ثورة اليمن والبحرين فقد أكدت غير مرة بأنه إن لم تجد هاتان الثورتان صدى في المركز - أقصد في نجد والحجاز- فسيكون من الصعب إنجاز استحقاقهما لاسيما أن الاحتلال العسكري بدرع الجزيرة يجثم على صدر شعب البحرين والاحتلال السياسي بالمبادرة الخليجية وأدواتها المحلية المرتهنة للخارج والمنبطحة للسفارات يؤرق ثورتنا السلمية الحقة التي تعاني اليوم أكثر مما عانت عند انطلاقتها فلقد كانت تواجه العسكر من الجنود الحمر واليوم تواجههم مضافا إليهم الأحزاب السياسية ( المشترك) المُشرك بالثورة والذي لا يريد أن يعلن التوحيد والإيمان بشهادة أنه لا بديل للثورة إلا الثورة ..
لم تعُد العين تخطيء معاناة شعبنا اليمني والأشقاء في البحرين .. إنها معادلات مقلوبة كافية لأن تجعلنا نتندر على كل من يدعي حول العالم أن ثمة قوة تحمي حقوق الناس أو تطالب بالحرية والديمقراطية وأن مثل هذه الحقوق المشروعة لا تأتي بمبادرات أو تدخلات خارجية بل تنتزع شعبياً بقوة التضحيات التي جعلت شعب البحرين الجريح يطلق على إحدى احتجاجاته العادلة والسلمية (حداد السماء) بعد أن يئسوا من الأرض ومن عليها ..
لم يسلم من ظلمهم وقمعهم رسول الحقوق المدنية والسياسية في البحرين الأستاذ المناضل عبد الهادي الخواجة والذي يقبع في سجن النظام الخليفي المتخلف والخواجة يضرب عن الطعام منذ أكثر من سبعين يوماً .. كان مشهداً يهز العروش والجيوش قبل القلوب والعقول ونحن نرى إبنته زينب الخواجة تطوف شوارع المنامة لوحدها تناجي ملكوت الأرض والسماء لنصرة أبيها وإنقاذ حياته  .
مهما يكن .. فإن اليمن والبحرين كمستضعفتين في نظر الرياض وحلفائها يشكلان اليوم فكي كماشة من المتوقع أن تشتد وتتصلب حتى تطيح بكافة الأنظمة الكرتونية في منطقة الخليج فإرادة الشعوب من إرادة الله إلا إذا كان لهذه الأنظمة إله آخر لا نعرفه تنفصل إرادته عن العالمين .
إيماءة ..
المقاربات كثيرة بين اليمن والبحرين لدرجة أن ثمة محاكاة أيضاً بين نظام صنعاء ونظام المنامة فالأخير أصرّ على إمضاء مسابقة السيارات في بلاده ليدوس على مشاعر الشعب المحتج والمنتفض والثائر وهذا نفس ما فعله نظام صنعاء مع الحراك الجنوبي السلمي حينما أصرّ على إمضاء خليجي عشرين في عدن .. كلاهما يريدان تغطية الشمس بغربال ولكن الشمس شمس والأرض بتتكلم ثورة ...
عن صحيفة اليقين
Eskandarsh@yahoo.com

أضف تعليقاَ

CAPTCHA
This question is for testing whether you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
3 + 3 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.