تشرشل وسيادة القانون

أيام الحرب العالمية الثانية, كان هناك مطار حربي بجوار احدى المحاكم البريطانية, ونظراً لكثرة هبوط وتحليق الطائرات أدى الصوت الى التشويش على أعمال المحكمة, مما دفع القاضي الى إصدار حكم بنقل المطار الى مكان آخر – برغم ظروف الحرب – فرفض قائد المطار تنفيذ الحكم واشتكى الى تشرشل رئيس وزراء بريطانيا في ذلك العهد, فرد عليه بهذه العبارة : من الأفضل أن تخسر بريطانيا الحرب على أن يقال إنها لا تنفذ أحكام القضاء .
مثل هؤلاء الرجال هم من يصنعوا التاريخ, هم من يؤسسون لدول حقيقية, لا يتذرعون بالمفسدة الصغرى والكبرى, ولا بالضرورات تبيح المحظورات, ولا يصدرون قانون الطوارئ أو يعلنوا الأحكام العرفية, بتلك القيم انتصرت بريطانيا واستمرت الى اليوم دولة عظمى .
سيادة القانون أهم ركن لبناء الدول, واحترام الجهاز القضائي وتحصينه والعمل على ان يكون مستقلاً هو الأساس المتين للاستقرار في أي مجتمع, بدون عدالة يلجأ البعض الى أخذ حقوقهم بأيديهم, تنتشر الفوضى, تسود شريعة الغاب, ينتشر الفساد و يتضخم بشكل يسمح له بالسيطرة على مفاصل الدولة وعلى الثروة ويُنتِج بواسطتها نظاماً سياسياً يُشرع للفساد, فتفسد الأغلبية في المجتمع, يصبح الفساد وجهة نظر, مقبول مجتمعياً, بل محمود أحياناً كثيرة, هذه هي الطامة الكبرى التي اصابت مجتمعنا, فالأضرار التي خلفها النظام على مدى العقود الماضية لا تقتصر على ضياع الأموال العامة والخاصة والمآسي التي خلفتها حروبه المختلفة, انما أدت أيضاً الى تغير في قيم وعادات المجتمع, وأدت الى انحدار منظومة القيم الأخلاقية لدي شريحة واسعة في المجتمع مما افرز الكثير من المشكلات, لذلك نحتاج الى حلول ابداعية لتفعيل احترام القانون تمهيداً لمحاربة الفساد واستعادة الحقوق, كما نحتاج أيضاً الى اعادة تثقيف المجتمع وبناء قيمه التي تم تدميرها وبشكل منهجي خلال الفترة الماضية .
" نقلاً عن صحيفة الأولى "