الحوار الوطني والحوار الطرفي

كتب المقال بتاريخ  2009-09-07
أرى أن من واجبي مصارحة أحزاب اللقاء المشترك بأن الحوار الذي تديره لجنة الحوار الوطني غير جدي ولن يحقق أي نتيجة و مئاله الفشل الذريع. وذلك لوجود العديد من الاشكالات في طريقه لدرجة ان واحده من تلك الإشكالات تكفي لافشاله.
الإشكال الاول: انحسار الحوار بين طرف واحد.
من المتعارف عليه أن أي حوار وطني لابد وان يكون بين كل القوى الفاعلة على مستوى الوطن مهما كانت خلافتها, ومن أهم شروط نجاحه هو ان تلتقي تلك القوى حول طاولة مستديرة وتتحاور بندية. وأي صيغة أخرى تجعل من الحوار ترف فكري أو عملية تفاوضية الهدف منها فرض وجهة نظر أحد الاطراف على بقية الاطراف.
إن الحوار الحاصل اليوم هو حوار داخلي بين اللقاء المشترك نفسه, بدليل استبعاد قوى الحراك في الجنوب و الحوثيين عن المشاركة رغم انهم اهم القوى الفاعلة.
ففي يوم الاحد الموافق 22 فبراير 2009 نظمت لجنة التشاور الوطني لقاء عن حرب صعدة وتم استبعاد الحوثيين عن المشاركة في الحوار رغم أنهم أول المعنيين. وفي ذالك المؤتمر تسائل الأخ علي سيف حسن قائلا: ((()) ان المشترك التزم التزاما قطعيا بالنظام السلمي, والديمقراطية والتعددية السياسية ومن حقه ان يوجه نفس السؤال للحوثيين: هل عندهم الاستعداد *الإلتزام بذلك حتى ينالوا الحقوق؟())
والغريب أن أحدا لم يتسائل لماذا لم يدعى الحوثيون للحوار ليوضحوا موقفهم؟
وفي يوم الأحد 1 مارس 2009 نظمت لجنة التشاور الوطني لقاء عن القضية الجنوبية وتم استبعاد قوى الحراك في الجنوب رغم انهم اول المعنيين بتلك القضية.
الإشكال الثاني: النظام الهجين للجنة الحوار الوطني.
فهذه اللجنة ليست باللجنة المختصة التي ينحصر عملها في التواصل مع القوى الفاعله لجمعها حول طاوله الحوار ليكون الحوار بين تلك القوى, ولا هي باللجنة التي تستوعب كل القوى الفاعلة ليجري الحوار داخلها. حيث حوت اللجنة اسماء شخصيات كثيرة وسمحت بتمثيل الاحزاب السياسية والتنظيمات المدنية واستثنت أهم القوى على الساحة وهم الحوثيين وقوى الحراك في الجنوب.
و نتسائل هنا هل سينحصر الحوار بين الاطراف المكونة للجنة مما يعني استبعاد من هم خارجها كالحوثيين وقوى الحراك في الجنوب, ام ان الحوار سيكون مع من هم خارج اللجنة مما يعني تحول اللجنة الى طرف محاور . وفي كلا الحالين سيفشل الحوار لا محاله بسبب عدم اشراك الحوثيين والجنوبيين في الحالة الاولى وهم اهم القوى على الساحة, و بسبب غياب الجهه الراعية للحور نتيجة لتحولها الى طرف محاور في الحالة الثانية.
الاشكال الثالث: رئيس لجنة الحوار شخصية غير نزيهة وغير مؤهله لإدارة حوار وطني بهذة الاهمية.
إذا كان من الممكن التغاضي عن مواقف الشيخ حميد الاحمر السابقة والمؤيدة لحرب اربعة وتسعين وحروب صعدة الا انه لايمكن التغاضي عن ادارته للحوار بنفس تلك الذهنية.
ففي كلمته امام ملتقى التشاور الوطني "20 مايو 2009()) وفي اطار حديثه عن اهمية الحفاظ على الوحدة قال: ((())أعيدوا ألق الوحدة لنحتفل بها، وأعيدوا شركاء الوحدة لنحتفل بهم. نريد أن نحتفل بالوحدة مع علي ناصر محمد وعلي سالم البيض وحيدر أبو بكر العطاس وطارق الفضلي والشنفرة والخبجي وكل أبناء الشعب اليمني()). ومثل هذا الكلام المعسول لن ينطلي على الجنوبيين مادام الشيخ حميد واخوانه يحتلون بيت على سالم البيض في عدن باعتباره غنيمة حرب.
وقال الشيخ حميد في نفس الكلمة ((()) نريد ان نحتفل بوطن لا يحتاج ابنائه ان يرفعوا شعار الموت لكذا والموت لكذا ونجني نحن الموت, نريد ان نحتفل بوطن يحترمه الغير ويحترم الغير لا ان يكون ساحة للمشاريع الخارجية, وطنا يتكامل مع جيرانه لا ان يظل مصدر قلق وخوف من جانبهم........()). وهنا يتبنى نفس موقف السلطة الساعي لاسكات الحوثيين عن ترديد شعارهم ويتهمهم بالعمالة للخارج و هذة الذهنية هي السبب في اشعال حروب صعدة.
كما ان الشيخ حميد اعتاد على نعت الحوثيين و قوى الحراك الجنوبية باصحاب المشاريع الصغيرة. ومن جملة ما قاله في كلمته امام ملتقى التشاور: ((())الحوار الوطني عليه ان يشخص الحالة الوطنية تشخيصا صادقا لا كما تريده السلطة ولا كما يريده بعض اطراف المشاريع الصغيرة وعليه ان يفرض الحلول الحقيقة الجذرية لليمن()).
وكدليل على مدى خطورة تكليف شخص غير نزيه هو تأثر لجنة الحوار بذهنية الشيخ حميد بتبنيها لمواقفه العدائية تجاه الحوثيين والجنوبيين بصورة رسمية. فالبيان الختامي الصادر عن ملتقى التشاور الوطني في 21 مايو 2009 تبنى اتهام السلطة للحوثيين بالسعي لاستعادة الامامة, حيث اقحم في نص البيان العبارة التالية: ((())ووقف الملتقى امام الدعوات التي تسعى لاستجلاب الماضي والعودة بالشعب اليمني الى مشاريع قزمة وصغيرة تشبه في مضمونها مشروع السلطة العائلي، وفي هذا السياق حذر ملتقى التشاور الوطني تلك المشاريع من الدفع بالوطن نحو المزيد من التوتر والقلق ()).
والنص الخاص بقوى الحراك في الجنوب جاء في وثيقة الحوار الوطني الصادرة عن نفس الملتقى وبنفس التاريخ وهو كالتالي: ((())واعتبرت الوثيقة اعتماد السلطة-في مواجهة كل أشكال النضال السلمي ومختلف الفعاليات الاحتجاجية والمطلبية السلمية- نهجاً متطرفاً يقوم على القوة والعنف هو المظهر السابع للأزمة التي صنعتها السلطة في اليمن وما نتج عنه من توليد وتغذية تطرف أخر من حملة المشاريع الصغيرة وجماعات الإرهاب يقوم هو الأخر على نهج القوة والعنف ، فأصبحت السلطة نفسها البؤرة الأكبر لإنتاج وتفريخ واستفحال الأزمات ()).
الاشكال الرابع: هيمنة تيار سياسي واحد على لجنة الحوار.
من خلال تفحص اسماء اعضاء لجنة الحوار يتضح ان غالبيتهم من المحسوبين على حزب الاصلاح وهذا يوفر لهم امكانية التحكم بالقرار النهائي, اما الاعضاء المحسوبين على بقية الاطراف فانهم مجرد زيادة عدد لاضفاء الشرعية المطلوبة على قرارات الجنة.
وبالعودة الى تصريحات الشيخ حميد التي قال فيها -الحوار الوطني عليه ان يشخص الحالة الوطنية تشخيصا صادقا لا كما تريده السلطة ولا كما يريدة بعض اطراف المشاريع الصغيرة وعليه ان يفرض الحلول الحقيقة الجذرية لليمن- تتضح لنا معالم خطة التيار المهيمن على لجنة الحوار. حيث سيسعى هذا التيار الى تشخيص الحلول التي تتوافق مع برنامج حزب الاصلاح باعتبارها الحلول الصادقة -والتي يفترض لها ان تتعارض مع رغبة السلطة ورغبة أصحاب المشاريع الصغيرة من الحوثيين والجنوبيين- ومن ثم فرض هذة الحلول.
أما كيف سيتم فرض هذة الحلول فهذا ما تم الاشارة اليه في دليل عمل لجنة الحوار الذي اقرته اللجنة التحضيرية في اجتماعها يوم السبت الموافق 30 مايو 2009 وجاء فيه: ((())دليل عمل اللجنة التحضيرية للحوار الوطني تناول مهام اللجنة الأساسية للفترة المقبلة وأهمية بلورة رؤية واضحة وموحدة حول الأزمة الراهنة والحلول المقترحة لمعالجتها وآليات تنفيذها تمهيدا للإنتقال بها إلى كل فئات المجتمع والبدء بالتواصل مع فعاليات المجتمع السياسية والاجتماعية والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات العامة في كل المحافظات وفي خارج الوطن للحوار حولها وتبنيها للخروج من الأزمة الوطنية الراهنة وحشد طاقات الجميع حول الرؤية وعقد اجتماعي جديد يبني الدولة والتعهد بتنفيذها ()).
وهذا معناه أن لجنة الحوار التي يهيمن عليها تيار الشيخ حميد هي من سيحدد الحلول وهي التي ستتولى عرضها على بقية الاطراف وهي التي ستتولى اختيار نوع تلك الاطراف بما يتيح لها امكانية اختيار الاطراف المؤيدة لها وتجنب المخالفة لها بحجة انهم من اصحاب المشاريع الصغيرة كما جاء في الوثائق الرسمية للجنة الحوار.
الاشكال الرابع: بٌعد لجنة الحوار الوطني عن الواقع والاغراق في الوهم.
تفتقر احزاب اللقاء المشترك –كما هو حال احزاب المعارضة في معظم الدول الدكتاتورية- الى الادوات الميدانية الازمة التي تتيح لها الصمود في مواجهة الذراع العسكرية للسلطة الحاكمة. وما يميز الوضع في اليمن هو وجود الحوثيين وقوى الحراك الجنوبية كحركات ميدانية استطاعت الصمود امام القوة العسكرية للسلطة. الا ان احزاب اللقاء المشترك فشلت الى الان في توظيف هذة الحركات لتقوية موقفها امام السلطة, بسبب بعد هذة الاحزاب عن الواقع ولتشبث بالاوهام.
ونشير هنا الى ان الحوثيين قد ابدوا استعدادهم في التحالف والحوار مع اللقاء المشترك في أكثر من مناسبة.
فقد عبر السيد \ عبد الملك الحوثي عن تأييده للبرنامج السياسي لأحزاب اللقاء المشترك.
كما ابدى يحيى الحوثي في رسالة مفتوحة لأحزاب اللقاء المشترك عن استعداد الحوثيين لتوظيف نفوذهم السياسي والميداني لفرض المشروع السياسي للقاء المشترك.
كما ان الحوثيين كانوا هم الطرف الوحيد الذي تفاعل بايجابية مع مبادرة الاستاذ\ عبد الله سلام الحكيمي و الداعيه الى التفاهم واللقاء بين احزاب اللقاء المشترك والحوثيين والجنوبيين لتكوين جبهة وطنية لإنقاذ اليمن.
وللاهمية نورد نص رد السيد \ عبد الملك الحوثي على تلك المبادرة:
((()) الاستاذ\ عبد الله سلام الحكيمي........, اطلعنا على مبادرتكم القيمة ودرسناها ونحن على استعداد تام بأن نكون إلى جانبكم وإلى جانب كل الإخوة الشرفاء من أبناء هذا البلد الحريصون على إنقاذه لنتدارس معاً مشروعاً إنقاذياً، نتحرك على أساسه بخطوات عملية فالبلد في خطر وإزاء هذا الخطر يتحمل كل الشرفاء العقلاء المسئولية في العمل على إنقاذ البلد بكل السبل المشروعة مع وضع أولويات متفق عليها ، ونحن نقدر الأفكار الجيدة التي تضمنها مشروعكم ونؤكد على أهمية الحوار المتبادل بين الجميع للوصول إلى الرؤيا المشتركة الإنقاذية"())
وهذا يدل على مدى انفتاح الحوثيين وتفهمهم لاهمية الشراكة السياسية لانقاذ و بناء اليمن. الا ان لجنة الحوار الوطني –و المكلفة من قبل المشترك- تجاهلت واقع انفتاح الحوثيين وتجاهلت واقع توريث المناصب بما في ذلك منصب رئاسة الجمهورية وقررت الغوص في الماضي السحيق وخرج بيانها الختامي بتحذير الحوثيين من السعي لاستجلاب الماضي والعودة بالشعب اليمني الى مشاريع قزمة وصغيرة تشبه في مضمونها مشروع السلطة العائلي ..... كما جاء في البيان.
وبنفس الرؤية البعيدة عن الواقع يتعامل اللقاء المشترك مع الحراك في الجنوب. حيث يتجاهل حقيقة ان هدف قوى الحراك هو فك الارتباط, وحقيقة رغبة الغالبية الساحقة من ابناء الجنوب في الانفصال.
كما ان شكل التحالف بين احزاب المعارضة يحول دون اعتراف تكتل المشترك بالاسباب الحقيقية التي ادت الى سعي الجنوبيين للانفصال.
ان ادعاءات قادة الجنوب وعلى رأسهم علي سالم البيض بوجود مؤامرة لاسقاط اتفاقيات الوحدة من قبل شركاء الوحدة في الشمال هي ادعاءات صادقة وصحيحة مائة بالمائة. وقد نقل وقائع هذة المؤامرة الشيخ \ عبد الله بن حسين الاحمر في مذكراته بالقول: ((())، وطلب الرئيس منا بالذات مجموعة الاتجاه الإسلامي وأنا معهم أن نكون حزبًا في الوقت الذي كنا لا نزال في المؤتمر. قال لنا: كونوا حزبًا يكون رديفاً للمؤتمر ونحن و إياكم لن نفترق وسنكون كتلة واحدة ، ولن نختلف عليكم وسندعمكم مثلما المؤتمر ، إضافة إلى أنه قال: إن الاتفاقية تمت بيني وبين الحزب الاشتراكي وهم يمثلون الحزب الاشتراكي والدولة التي كانت في الجنوب، وأنا أمثل المؤتمر الشعبي والدولة التي في الشمال ، وبيننا اتفاقيات لا أستطيع أتململ منها ، وفي ظل وجودكم كتنظيم قوي سوف ننسق معكم بحيث تتبنون مواقف معارضة ضد بعض النقاط أو الأمور التي اتفقنا عليها مع الحزب الاشتراكي وهي غير صائبة ونعرقل تنفيذها ، وعلى هذا الأساس أنشأنا التجمع اليمني للإصلاح............. ()).
نستنتج مما سبق ان الحراك في الجنوب ليس نتيجة للمعالجات الخاطئة للسلطة لما بعد حرب 94 "حسب تشخيص اللقاء المشترك" وانما نتيجة للمؤامرة الخاطئة التي عرقلت تنفيذ اتفاقيات الوحدة و*افرزت حرب 94 وما تلاها من معالجات خاطئة, والتي كان ابرزها رفض فكرة المصالحة الوطنية.
أن دوافع تنامي مشاعر الانفصال لدى أبناء الجنوب ليست ذاتية وانما انفعالية بسبب تآمر شركاء الوحدة في الشمال على ابعاد شركاء الوحدة في الجنوب بهدف الاستحواذ على السلطة. وهذا أوجد شرخا نفسيا في الوحدة الوطنية لا يمكن علاجه بالقوة وانما بإعادة خيار تثبيت الوحدة لابناء الجنوب.
لذا لم يعد من المناسب اشتراط ان يكون الحوار مع قوى الحراك في الجنوب تحت سقف الوحدة كما سبق وأعلنت عنه لجنة الحوار الوطني وانما تحت سقف مشروع وطني يضمن بناء دولة المؤسسات التي تتيح لابناء الجنوب الحق في اعادة تثبيت الوحدة او فك الارتباط بعد مضي فترة انتقالية يتم الاتفاق عليها.
إذا لم تبادر احزاب اللقاء المشترك الى الدخول في حوار ندي ومباشر مع الحوثيين والجنوبيين بهدف التوصل الى برنامج سياسي توافقي يضمن الشراكة في القرار السياسي من أجل التغيير فانها بذلك تتخلى عن مسؤلياتها الوطنية وتتحمل المسئولية التاريخية أمام الأجيال القادمة.
خصوصا وأننا أمام سلطة من النوع الذي يفضي جشعها في تملك الحكم والثروة بشكل دائم ليس فقط الى إفساد الوضع الراهن وإنما ايضاً الى زرع بذور خراب المستقبل الذي ينتظر أن يحكم فيه الخصوم. ومن المرجح جداً في حالتنا أن رموز السلطة قد حبكوا امورهم بشكل لا يخسرون فيه شيئاً من تطور الامور على هذا النحو، فلربما أن ما هربوه من ثروات الى الخارج يفوق ما يمتلكونه في الداخل. ولو حدث وهربوا الى الخارج لاستثمار تلك الثروات بعد خراب مالطا فلن يؤسفهم ان يشاهدوا اليمن مدمراً بل سيسعدهم ان يسمعوا اصواتا ساذجة تترحم على عهد الرئيس واسرته تماما كما يقول الصوماليون اليوم عن نظام سياد بري.
وعندها ستكون الاحزاب السياسية اول الخاسرين, حيث ستتقاسم النفوذ الحركات الميدانية الحالية بالاضافة الى الجماعات المتطرفة والعصابات الإجرامية التي ستظهر نتيجة لانهيار مؤسسات الدولة.
كما أن اليمن ستكون مكشوفه امام التدخلات الاقليمية والدولية والتي ستعقد عملية استعادة الدولة في إطار مشروع وطني.
إن تحالف القوى الثلاث هو الضمان الوحيد لاخراج اليمن من ازمته الحالية وحمايته من التدخلات الخارجية و يحقق له الاستقرار المطلوب للحفاظ على وحدته على اساس الشراكة الحقيقة أو فك الارتباط في ظل مشروع وطني.
هذا والله من وراء القصد,
محمد ناصر قائد البخيتي
meftah2001@hotmail.com

أضف تعليقاَ

CAPTCHA
This question is for testing whether you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
3 + 1 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.