هـــادي يحمـــي متهمــــا بالقتـــل منذ عـــام ويمنحـــه بعد الجريمـــة منصــــبا كبيــــرا في العاصمــــة

بدأ الرئيس عبدربه منصور هادي التدخل في شئون العدالة منذ شهره الأول في رئاسة الجمهورية.
وأزاحت وثائق رسمية تتعلق بجريمة قتل مشهودة في عدن وقعت قبل أكثر من عام الستار عن تدخل مبكر جدا للرئيس هادي في شئون العدالة صب في اتجاه مساعدة ثلاثة متهمين بجريمة القتل هذه على الإفلات من المحاكمة حتى هذه اللحظة. القضية رقم (2) لسنة 2012 لدى نيابة صيرة الإبتدائية بعدن تسلط الضوء على كيف بدأ الرئيس عبدربه منصور هادي ممارسة سلطته الرئاسية قبل عام ضد القانون والعدالة وفكرة الدولة.
وتكشف مذكرة رسمية موجهة من مكتب النائب العام أحمد الأعوش في صنعاء إلى رئيسة نيابة استئناف محافظة عدن نور ضيف الله، بعد قرابة شهر على انتخاب هادي رئيسا انتقاليا للبلاد، عن توجيهات رئاسية تم بموجبها سحب ملف قضية قتل مشهودة في عدن من إحدى المحاكم هناك. ووجه النائب العام في مذكرة، مؤرخة في 25 مارس 2012، رئيسة نيابة استئناف عدن بـ"استرجاع" ملف قضية قتل من المحكمة "إذا قد سبق إحالتها"، بناء على توجيهات من الرئيس هادي.
ولم يقتصر الأمر على مساعدة المتهمين بالقتل على الإفلات من العدالة، بل تعدى الأمر إلى توفير حماية واقعية لهم من خلال تعيين أحدهم في موقع كبير داخل جهاز حكومي يتبع الرئيس هادي مباشرة في ظل اعتباره فارا من وجه العدالة واستمرار صدور أوامر قبض قهري في حقه وحق شريكيه المتهمين باقتراف الجريمة.
وتدور القضية رقم (2) لسنة 2012 لدى نيابة صيرة الإبتدائية حول جريمة قتل مشهودة تعرض لها مدير الشئون القانونية في فرع الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة في عدن على خلفية مشاركته في الاعتصام السلمي الذي دعا موظفو الجهاز لتنفيذه في سائر فروع محافظات الجمهورية بما فيها أمانة العاصمة صنعاء للمطالبة بحقوقهم القانونية إعتبارا من يوم 26 ديسمبر 2011.
وتعرض ماهر حسين محمد بن حطبين للقتل على مرأى من زملائه وسط الإعتصام الذي كان قائما داخل مقر الفرع يوم 2 يناير 2012، على يد ثلاثة متهمين بالجريمة بينهم رئيس فرع الجهاز في عدن حينها.
ووقعت الجريمة أثناء محاولة مدير فرع جهاز الرقابة والمحاسبة في عدن فض إعتصام الموظفين بالقوة. ويفيد قرار الإتهام، الموجه من نيابة استئناف عدن، ان رئيس فرع الجهاز أحضر مسلحين من خارج الجهاز "لمنع الموظفين بالقوة من المطالبة بحقوقهم بالاعتصام السلمي المسموح به قانونا".
ومن بين المسلحين الذين أحضرهم مدير فرع الجهاز في عدن سابقا (إ. ع. هـ) اثنان من أقربائه شملهما قرار الإتهام في جريمة القتل هذه. وتضع نيابة استئناف عدن (ن. خ. ح. ع)، وهو إبن أخت رئيس الفرع كمتهم أول باعتباره باشر قتل المجني عليه عمدا وعدوانا بإطلاق ثلاثة أعيرة نارية على أجزاء متفرقة من جسمه أدت إلى وفاته. كما تتهمه النيابة بالإعتداء بالضرب على موظف آخر يدعى نزار قاسم بواسطة يديه وعصا كهربائية فضلا عن أعقاب رشاش أتوماتيكي ما "أحدث جرحا لا ينضبط مقداره".
ويأتي مدير فرع الجهاز كمتهم ثان في الجريمة، إذ يوجه له قرار الإتهام خمس تهم بينها الإشتراك في القتل ومساعدة المسلحين بمن فيهم الجناة على الفرار بواسطة سيارته بعد استخدامه سلاحه الشخصي (مسدس) في منع الموظفين المعتصمين من الإمساك بالقاتل المباشر والمشتركين معه في الجريمة.
وحاول الموظفون الإمساك بالجاني ومنع السيارة التي استقلها إثر ارتكابه الجريمة من مغادرة مقر فرع الجهاز، لكن المتهم الثاني ومسلحا آخر كان معه على متن السيارة أطلقا الرصاص لمنع الموظفين من ذلك.
وفر المتهمان الأول والثاني على متن سيارة نوع هونداي ماتريكس ذهبية اللون كان يقودها (ع. ح. ع. هـ)، وهو إبن أخ مدير الفرع والمتهم الثالث في الجريمة.
وأصدرت السلطات المحلية في عدن عدة أوامر ضبط قهري في حق المتهمين الثلاثة وضمنهم مدير فرع الجهاز في المحافظة. ويتضمن ملف القضية رقم (2) توجيهات من محافظ عدن وحيد رشيد بتاريخ 18 أبريل 2012 ومن مدير أمن عدن صادق صالح حيد بتاريخ 30 من الشهر نفسه فضلا عن توجيهات رئيسة نيابة استئناف عدن في هذا الشأن.
كما تضمن الملف مذكرتين من رئيس الوزراء محمد سالم باسندوة، الأولى موجهة إلى محافظ عدن بتاريخ 21 مارس 2012 بضبط المتهمين فيما وجهت الثانية الى رئيس الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة. لكن المتهمين ظلوا في منأى عن قبضة العدالة.
وفي خضم هذه التوجيهات والأوامر، ظل مدير فرع جهاز الرقابة والمحاسبة في عدن سابقا يمارس حياته بإعتيادية تامة على ما يبدو. بل إن إسمه ظهر ضمن أعضاء اللجنة الإشرافية على إنتخابات الرئاسة في محافظة عدن بعد الجريمة. وقد وجهت رئيسة نيابة استئناف عدن مذكرة إلى رئيس اللجنة العليا للإنتخابات والإستفتاء تخطره بذلك في 25 يناير 2012.
كل هذه الإنتهاكات تكللت بفضيحة بعد قرابة ثلاثة أشهر على وقوع الجريمة. في 8 أبريل 2012، أصدر رئيس الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة الذي يتبع رئاسة الجمهورية مباشرة قرارا بتعيين 5 مدراء لفروع الجهاز في كل من أمانة العاصمة، عدن، تعز، الحديدة والمكلا. وقد كان رئيس فرع الجهاز في عدن سابقا المتهم بقتل مدير الشئون القانونية في ذلك الفرع على رأس قائمة المدراء الخمسة المعينين كمدير لفرع الجهاز في العاصمة صنعاء.
ومنذ أبريل الماضي، والرجل يزاول عمله بكل حرية في فرع الجهاز بأمانة العاصمة في ظل مسئوليته عن جريمة قتل مشهودة كان هو مهندسها الرئيسي وفي ظل استمرار أسرة القتيل وموظفي الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة في المطالبة بتطبيق العدالة.
المحامي هائل سلام وصف توجيهات هادي في هذه القضية بأنها تدخل في شئون العدالة، واعتبرها "مساعدة متهم على الإفلات من المحاكمة من خلال هذا التدخل المشار إليه في مذكرة النائب العام، كما من خلال تعيينه (المتهم الثاني) في الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، حال كون الجهاز يتبع رئاسة الجمهورية مباشرة".
ويبدو أن هذه القضية لا تشكل سوى مثال واحد على التدخلات التي بدأ هادي في ممارستها في شئون القضاء والعدالة منذ وقت مبكر من رئاسته، وهي التدخلات التي تصب، كما بدا في قضية القتل هذه، في سبيل توفير الحماية للقتلة ومكافأتهم.
ولا تروي هذه القضية فحسب قصة مسئول حكومي قام بجلب أقربائه ومسلحين آخرين إلى المؤسسة التي يديرها بهدف فض إعتصام حقوقي سلمي يقيمه موظفوه بالقوة وأسفر الأمر عن الاعتداء بالضرب على بعض الموظفين المعتصمين وقتل أحدهم، بل تروي أيضا كيف يشجع نظام ما بعد ثورة 2011 في اليمن على الجريمة ويحمي مرتكبيها وصولا إلى مكافأتهم.
القضية رقم (2) لسنة 2012 لدى نيابة صيرة الإبتدائية تؤرخ لبداية عهد هادي في الرئاسة باعتبارها بداية مضادة للعدالة والقانون وفكرة الدولة القائمة على الفصل بين السلطات ومبادئ الديمقراطية والحكم الرشيد.