مسلسل اغتيال الحوار .. هل سيتوقف سيناريو الإفشال بعد فشل حلقاته الأولى

 منذ انطلاق مؤتمر الحوار و تحديدا في نفس يوم انطلاقه الموافق 18 مارس 2013م أي قبل أكثر من عشرة ايام ماضية ظهرت احداث مريبة متشابهة و متجانسة أوحت بأن ثمة طرف أو أطراف تحاول اشعال الوضع او تعكيره على الأقل.
فقبل ان ترفع جلسة تدشين الحوار التي عقدت بدار الرئاسة برئاسة الرئيس هادي و حضور المشاركين في الحوار و شخصيات محلية و اجنبية قتلت قوات الفرقة الأولى مدرع شابا و جرحت آخرين في ساحة التغيير بصنعاء ، تلك الحادثة التي وقعت امام عدسة الكاميرا و امام اعين الناس لم تكن بالغموض الذي يجعلها تمر كما لو أنها لم تحدث ، غير ان الطرف الذي ارتكب تلك الجريمة معروف .
و قبل أن يدفن شهيد ساحة التغيير الذي ينتمي لشباب الصمود التابعة لأنصار الله جاءت حادثة أبشع من سابقتها و هي محاولة اغتيال الاستاذ عبد الواحد ابو رأس عضو مؤتمر الحوار الوطني عن قائمة انصار الله و وكيل محافظة الجوف و أحد أبناء الجوف ، و ذلك في جولة النصر بالعاصمة صنعاء و التي راح ضحيتها ثلاثة شهداء من مرافقيه و عدد آخر من الجرحى .
و كان محللون و سياسيون و أحزاب و مكونات سياسية في بيانات ادانت الحادث قد اعتبروا هذا الحادث محاولة لدفع انصار الله الى اتخاذ موقف من شأنه ان يغير من مستوى تفاعله مع الحوار و ربما انسحابه منه ، و هو مالم يقع فيه انصار الله الذين بادروا الى عقد مؤتمر صحفي أكدوا فيه بقاءهم في الحوار و بنفس الفاعلية .
و في الوقت الذي لم يكن نبأ الحادث قد وصل الى مسامع الكثيرين اعلنت اللجنة الأمنية و العسكرية في صنعاء عن اسم و هوية منفذ الاغتيال ، و الذي يدعى " شوال بريش " من محافظة الجوف ، وكانت اللجنة الأمنية و العسكرية قد كثفت انتشارها في شوارع العاصمة عقب الحادث بساعات ، الأمر الذي أثار تساؤلات الكثيرين عن مصير القرار الذي خصص ما يقارب 60 الف جندي لتأمين أجواء الحوار الوطني و مدى تنفيذه و مصداقيته .
السرعة القياسية كما يصفها الكثيرون في التحقيق و إعلان هوية منفذ العملية تمت قراءتها بأنها محاولة مكشوفة للالتفاف على الحادث و تمرير الحدث و اغلاق مستعجل للملف ، غير أن من يتأمل في تفاصيل المشهد الذي حصل على مقربة من احدى النقاط العسكرية و غياب استثنائي في ذلك اليوم للانتشار الأمني الذي حضر بعد الحادث طبعا ، و من ثم سرعة اعلان نتيجة التحقيق و اختيار شخص من محافظة الجوف تحديدا ليكون المتهم بالتنفيذ ، سيحد نفسه أمام كم هائل من التفسيرات و الاحتمالات و التأويلات.
اختيار " شوال بريش " الذي كان بعد اعلان اسمه كمنفذ للعملية متواجدا على صفحته في الفيس بوك ، له دلالات كثيرة أهمها ان كونه من محافظة الجوف و صاحب مواقف سابقة ضد انصار الله هناك ، يعد كافيا ليتم صناعة انطباع بأن الحادث لا يعدو كونه مشكلة ثأر قبلي و هو ما حاولت بعض المواقع الإخبارية التابعة لبعض القوى داخل السلطة ان تروج له و ربما نجحت في تكريسه بعد اعلان اللجنة العسكرية و الأمنية عن نتيجة التحقيق القياسي .
و في ما يشبه السلسلة المنظمة من العمليات فوجئ شارع الستين بانفجار هز الكثير من الأحياء المجاورة ليتبين بعد ذلك انها عبوة ناسفة كانت مزروعة في سيارة احد اعيان محافظة صعدة لم ينتج عنه اي خسائر بشرية حيث كانت السيارة بانتظار صاحبها عند بوابة مطعم الشيباني في شارع الستين .
هذه الحادثة لا تزال طي الغموض حيث لم تنل الكثير من الاهتمام و لم يتم اعلان اي تصريح من قبل اللجنة العسكرية و الأمنية فيما يخص الحادث الذي حدث في المنطقة التي تسيطر عليها قوات اللواء علي محسن الأحمر و في مكان قريب من مقر قيادة الفرقة الأولى مدرع ، غير انها تركت الكثير من علامات الاستفهام في الوسط الإعلامي و السياسي الذي لم يكن امامه الا ان يلزم الصمت رغم حضور الكثير من الاحتمالات العارية من الدليل .
غير انه و كما تقول مصادر مطلعة ان الشيخ " سلمان عوفان " صاحب السيارة المتفجرة و رئيس فرع المؤتمر الشعبي العام كان كان احد مشائخ منطقة منبه الحدودية و كان له دور كبير في مقاومة الانتهاكات السعودية على الحدود الشمالية مع اليمن ، و بصرف النظر عن صحة ذلك فإن كونه رئيس فرع المؤتمر الشعبي العام يحيل القارئ إلى احتمال قوي بأن ثمة مخططا للإيقاع بين انصار الله و بين القبائل المؤتمرية في صعدة و الجوف فيما لو تمت تصفية عوفان ، بحيث يتم الترويج لانطباع بأن تصفية عوفان جاءت ردا على محاولة تصفية أبو رأس . و الهدف من ذلك خلط الأوراق و اثارة الشكوك و تعكير اجواء الحوار ايضا .
و لم يمض يومان إلا و تعرض الدكتور عبدالله عبيد سالم الفضلي رئيس الهيئة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط العمراني لمحاولة اغتيال أخرى فاشلة أدت الى استشهاد السائق و اصابته بجروح اضطرته للسفر خارج اليمن لعلاجها .
الحادث المريب الذي جاء بالقرب من منزل الرئيس هادي و وزارة الخارجية و في المربع الأشد كثافة أمنية في العاصمة صنعاء ، جاء كما أفاد مصدر مسؤول في الهيئة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط العمراني لصحيفة "الأولى" أن المسلحين اعترضوا سيارة الفضلي أثناء مروره تحت نفق جسر عصر عند الساعة الثانية ظهراً وأطلقوا وابلاً من الرصاص على سيارة وأصابوه وسائق سيارته برصاص، مضيفا أن الفضلي أصيب برصاص في ساقيه، مشيراً إلى أن احد المسلحين كان يلبس زياً عسكرياً.
و بصرف النظر عن الآراء و التحليلات التي نشرت هنا و هناك و التي ترى أن السر وراء محاولة اغتيال الدكتور الفضلي هو ملفات قضية نهب الأراضي و اسرار ملكيتها و الشخصيات النافذة التي قد تتضرر من هذه الملفات ، إلا أن حدوث حادث بهذا المستوى من البساطة و الخفة و الدقة في منطقة أمنية و هروب السيارة بكل سهولة من اشد مربع امني كثافة في العاصمة يثير الريبة و الشك في تورط قوى نافذة داخل النظام في هذه الجريمة .
كما أن المصدر الذي تحدث للأولى عن تفاصيل الحادث أشار في حديثه إلى " أن رئيس الهيئة العامة للأراضي والمساحة عبدالله الفضلي تعرض لاعتداءات كثيرة, آخرها قبل أسبوعين اقتحم عضو نيابي من شبوه تحفظ المصدر على أسمة منزل الفضلي يطالبه بإصدار توجيه بتحويل أرضيه في مدينة عدن تعد ضمن المخطط العام للمدينة موقفاً عاماً للسيارات لملكية العضو النيابي، كما حاول العضو بالغط بالقوة الحصول على توجيهات من الهيئة العامة للأراضي، كما قام باقتحام مكتب رئيس الهيئة بالسلاح."
و هنا ايضا يلوح تساؤل لماذا تم اختيار شيخ و نافذ جنوبي ليتم الصاق تهمة محاولة الاغتيال به ، في الوقت الذي يكون الدكتور الفضلي ايضا يحسب على الجنوب .؟ و ما مدى حقيقة وجود علاقة بين حادثة الاغتيال و بين حادثة الاعتداء على مكتب رئيس الهيئة العامة للأراضي و اقتحام منزله من قبل النافذ الجنوبي او البرلماني الذي ينتمي الى شبوة ..؟ أم ان الاخير كان مدفوعا بطريقة او بأخرى ضمن خطة اغتيال الفضلي ليتم توجيه الشكوك نحوه ، و بالتالي تكريس قناعة لدى المتابعين و الرأي العام بأن اغتيال الفضلي ليست أكثر من قضية جنائية بينه و بين نافذين بخصوص قضايا أراضي ، بحيث يكون النائب الجنوبي الذي اقتحم منزله و مكتبه مرارا هو المرشح الأول داخل ذهنية المتلقي و شريحة المتابعين لصرف النظر عن البحث في حقيقة ماوراء الحادث و النوايا التي تخطط و تنفذ هذه الأعمال الإجرامية .؟
لا مناص من قراءة كل هذه السلسلة المتتالبية من الحوادث العنيفة و المربكة في سياق قراءتنا لمجريات و يوميات الحوار و التجاذبات الناتجة عنه سواء ما هو معلن منها أو ما هو وراء الكواليس . و لعل من السهل على اي قارئ او متابع ان يقول أن الغرض من كل تلك العمليات المتتابعة ليس سوى محاولة تفجير الوضع داخل اروقة الحوار و خارجه و ارباك الوضع و استفزاز القوى المشاركة و تأليبها ضد بعض و خلط الأوراق و اثارة الشكوك و قطع خيوط الثقة الأمر الذي كان يمكن ان يؤدي الى افشال الحوار قبل أن يبدأ ،
و مع ان بإمكاننا القول ان تلك الحلقات الأولى من مسلسل اغتيال الحوار الوطني باءت بالفشل في تحقيق الغرض المطلوب منها و هو خلط الأوراق على طاولة الحوار و فرض حوار بآليات أخرى و أجندات أخرى و قوى أخرى و قوائم أخرى تحقق ما يرمي اليه اللذين يقفون وراء هذه الممارسات الغبية ، إلا اننا لا نستطيع ان نجزم بأن الأشهر القادمة ستكون هادئة و مستقرة و لن تشهد محاولات أكثر دقة و احترافا من التي شهدناها خلال الأيام الأولى لانطلاق مؤتمر الحوار الوطني