من مصالح الحاكم وتقلبات السياسة.. ثورة 21 سبتمبر تحرر فلسطين

عند كل ملمة بفلسطين تمتلئ الشوارع اليمنية بالآلاف غضبا ونصر لفلسطين، التفاف شعبي يمني لم تدجنه عقود من عمالة الحاكم أو تفل في حده 3 سنوات من الحرب الضارية والحصار القاسي، وارتكاب الجرائم في الأسواق والطرقات والمجمعات السكنية من قبل العدوان السعودي الأمريكي.

 

فلسطين كقضية والقدس كبوصلة لتحديد العدو من الصديق لم تضل طريقها في وجدان الضمير الشعبي اليمني، لكنها في الإعلام مرت بثلاث مراحل يمكن تجزئتها بمرحلة ما قبل ثورات 2011م، والفترة التي تلتها حتى سبتمبر 2014م وتفجر ثورة 21 سبتمبر الشعبية، ويمكن تقريبا ان يطابق هذا التقسيم المنطقة العربية كلها كون ناشر الفوضى وموزعها واحد ويقبع في البيت الأبيض.

 

موقع فلسطين في الإعلام اليمني لم يكن يختلف كثيرا عن الاعلام العربي بشكل عام اذا مااعتبرنا الفترات الزمنية ماقبل العام 2011م ، فهذه الفترة التي اتسمت بالاستقرار للأنظمة العميلة عام للولايات المتحدة الأمريكية وسطوة أمريكية مكتملة على الدول والحكومات العربية ماعدا البعض منها، عمل الاعلام خلالها العربي وكذلك اليمني على تسويق فلسطين كقضية مركزية من باب مصالح الحاكم،

 

لكن هذا الإعلام سوق للكيان الصهيوني كواقع قدري لايمكن الفكاك منه، ودولة لايمكن هزيمتها، وجرى غرس ذلك في اللاوعي العربي على مدى عقود.

 

يمنيا كان الشعب اليمني هو أكثر الشعوب العربية ارتباطا بفلسين ومن اكثر الشعوب التي ساهمت إلى جانب منظمات المقاومة الفلسطينية في القتال حتى العام 1982م ، وكلما احتاج الحاكم آنذاك إلى جرعة دعم شعبية في مواجهة خصومه السياسيين التقليديين من داخل عباءة الحكم، لجأ إلى فلسطين لإثارة جماهير الشارع تحقيقا لأهدافه الخاصة، مثال ذلك تصريح الرئيس صالح آنذاك حول المطالبة بالقدس كاملة شرقها وغربها كعاصمة لفلسطين في مقابلة اتسمت بالنارية لقناة ابوظبي وكان محورها فلسطين، تصريحات سرعان ما انكفأ عنها، وكان العامل الحاسم سعوديا في افشال انعقاد قمة عربية لنصرة غزة في العام 2009م تقريبا دعت إليها قطر، كما غاب هو شخصيا عن قمة دمشق المصنفة آنذاك كداعم للمقاومتين الفلسطينية واللبنانية.

 

ومع بداية تحرك أمريكي لمحاولة تحريك واقع المنطقة الراكد تجاه "إسرائيل" وإنهاء العزلة تجاهها ، بعد أن تم الانتهاء بشكل كامل من تدجين التيارات الإسلامية كالإخوان لصالح تحقيق انفتاح علني مع "إسرائيل، وتهديد ذلك لوجود الأنظمة القائمة ما قبل ال2011م برزت شعارات محلية كاليمن أولا والأردن أولا ومصر أولا في محاولة لتجنب العقاب الأمريكي والتزلف الى واشنطن ، وبعض تلك الأنظمة كان طبع علنيا مع إسرائيل أو افتتح لها مكاتب لديه لكنه ظل عاجزا عن احداث قبول شعبي بإسرائيل أو بالخطوة التي أقدم عليها ، وانحصر ما قام به في خانة الخيانة ومبنى محاصر ومنبوذ شعبيا يرفع علم الدولة العبرية، كما هو الحال مع مصر منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد.

 

مع حالة الغليان الشعبي المفتعل في أجزاء كبيرة في الوطن العربي تصدر الشأن المحلي وتراجعت فلسطين من صدارة اهتمامات الإعلام العربي ومن ذلك الاعلام اليمني ، حيث انتقلت اخبار فلسطين الى الصفحتين الثانية والثالثة بعد أن كانت عناوينها لا تغادر الصفحة الأولى، وعناوين النشرات الإخبارية.

 

في جزء من الفوضى الامريكية كان الهدف بإغراق المنطقة العربية باضطرابات مضبوطة من أقصاها إلى أقصاها، هو تخلى المواطن العربي عن الاهتمام بفلسطين كقضية مركزية والانصراف عنها إلى شئونه المحلية وتغليبها على ما عداها.

 

الفوضى المنظمة أو الاضطرابات المضبوطة قصدت من ورائها أمريكا إلى إحداث تحرك يدفع بالواقع المحيط بإسرائيل إلى القبول بها حيث تقدم كنموذج للاستقرار ، عبر أنظمة عميلة جديدة اكثر جرأة في اجتراح ما تحاشته الأنظمة ما قبل ال2011م او قامت به مؤخرا ولم يحقق النتيجة المطلوبة وهو التطبيع الشعبي وباستخدام الدين إن لزم الامر كما حصل في مصر حيث فقد المواطن العادي ثقته حتى في الأنظمة الإسلامية بعهد الإخوان الذين التزموا باتفاقية كامب ديفيد وابقوا السفير الإسرائيلي، بل وابرق مرسي إلى شيمون بيرتز مهنئا بتأسيس "إسرائيل".

 

والحال كذلك في اليمن حيث سيطر حزب الإصلاح المرتبط بجماعة الاخوان مناصفة مع المؤتمر الشعبي وفقا للمبادرة الخليجية، وخلال الفترة من 2011م الى أغسطس 2014م كان الخطاب الإعلامي اليمني يؤسس لقبول شعبي بالسلام كخيار وحيد انساق إليه كل العرب، واختفت من أبجديات الإصلاح "فلسطين من البحر إلى النهر" وكان السفارة الأمريكية هي المتحكم الرئيس بكل سياسيات اليمن بما في ذلك الإعلامية.

 

لقد كان الحرك الشعبي والمظاهرات التي قادها أنصار الله في الشارع تفاعلا مع القضية الفلسطينية عند كل ملمة بها عاملا حاسما في منع نظام عبدربه الهجين على ارتكاب أي حماقة وانفتاح على الكيان الصهيوني.

 

ويمكن الإشارة إلى أن هذه الفترة أيضا 2011م – 2014م ظلت القضية الفلسطينية أسيرة الأنظمة الحاكمة مع فارق سلبي هو تراجعها عن الصدارة لدى الإعلام والمواطن الذي انشغل او جرى الهائه بالشئون المحلية المضطربة بفعل استخباراتي في معظمه، وفي مقابلة محمد بن جاسم رئيس الوزراء القطري ووزير الخارجية السابق مع التلفزيون القطري وصحف اجنبية الدليل الكاف حول ما صنعته الاستخبارات الامريكية والغربية لزرع الفوضى في سوريا والمنطقة، كما كشفة وثائق ويكليكس جانبا من ذلك.

 

يمنيا مع تفجر ثورة 21 سبتمبر تغير المشهد وخرجت فلسطين من عباءة المصالح كليا، واكد حينها السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي قائد المسيرة القرآنية والثورة الشعبية، بان فلسطين في ابجديات اليمن واليمنيين، فوق السياسة وفوق المصالح، وفوق طاولات التفاوض. هي قضية عقائدية وعودة فلسطين والقدس الى الوطن الإسلامي لكبير جزء من الدين ، والدين يؤخذ كله لا يجزأ .

 

ومنذ 21 سبتمبر 2014م عاد الإعلام اليمني إلى وضع فلسطين في الصدارة متحررا من مقاييس الحاكم وتقلبات السياسة، ورغم ان الأوضاع لم تستقر في حال مشابه للفترة من 2011م إلى 2014م ألا أن فلسطين اعتلت الصدارة مرة أخرى لدى المواطن اليمني الذي ملئ الشوراع تضامنا وإسنادا لفلسطين رغم ظروف العدوان والحصار، وعكس ذلك الاعلام على صفحاته وفي نشراته، بحيث بات يعكس الرغبة الشعبية بصورة كاملة بعد سقوط الحاكم العميل وفرار السفير الأمريكي،

 

وفي خلال العدوان أثبت الشعب اليمني أن فلسطين تعيش في داخله رغم كل همومه، وحين توجد قيادة ثورية تتلاقى مع الشارع فإن الصورة تكون واضحة للموقف اليمني المسلم به تجاه فلسطين، وتجاه استحالة السلام مع المغتصب الصهيوني.

 

والمفارقة هنا ان السعودية التي اصطنعت بداية القرن العشرين وإسرائيل التي غرست منتصف القرن العشرين، يتوحدان علنا في مواجهة أقدم شعب واعرق بلد في المنطقة.

 

منذ سبتمبر 2014م عاد الاعلام اليمني الى دوره الطبيعي وتحول تناوله لفلسطين للمرة الأولى منذ عقود من تناول يفصل مقاييسه الحاكم بما يتلاءم وحاجياته ويمنع الانفجار الشعبي في وجهه، واعلام يقدم " إسرائيل" كقدر يجب القبول به والسلام معه، للخروج من الفوضى التي تعصف بالمنطقة، الى اعلام يقدم الحقيقة كاملة بأن وجود إسرائيل هو سبب ما تعيشه المنطقة من اضطرابات، وهي محرك الشر في المنطقة.

 

إعلام يقول الصدق بأن اليمن ليس في وارد السلام مع "إسرائيل" وهو سيسعى مع كل الأحرار في العالم الإسلام إلى استعادة القدس وفلسطين.

 

إعلام يجلي الحقيقة الواضحة بأن من يواجه حلفا دوليا ويتمكن من الصمود أمامه 3 سنوات، لن يعجزه كيان هو أوهن من بيت العنكبوت، إذا ما تلاقت الإرادتين السياسية والشعبية فلن يجد الغرب مفرا في ان يعيد تجميع اليهود على سفن كما جيء بهم ويرحل، وتعود القدس وكل الأرض من البحر إلى النهر فلسطينية عربية إسلامية.