تقرير : تقسيم اليمن والصراع بين السعودية والإمارات

على الرغم من التعتيم الإعلامي الذي يكتنف الأوضاع الإنسانية والمعيشية في اليمن، وعجز المؤسسات الدولية كالأمم المتحدة عن إيجاد حل إنساني عاجل لما يعانيه اليمنيين من حصار على نمط العصور الوسطى، تسبب في مجاعة وانتشار أوبئة، وخاصة في شريحة الأطفال دون الـ15 عشر حسب تقارير الأمم المتحدة، فإن الجلي من هذا التعتيم أن الحصار ومآلاته تبتعد عن الهدف الرئيسي المعلن قبل 3 سنوات لهذه الحملة العسكرية الغاشمة، لتفصح المعطيات منذ العام الماضي عن صراع مكتوم بين السعودية والإمارات، المفترض أنهم حليفتان، حول استراتيجية التعامل مع اليمن في المستقبل القريب والبعيد. ففي حين تغرق السعودية في حالة اللاحسم، وعدم استطاعتها العسكرية فيما يتجاوز الغارات الجوية العشوائية ضد المدنيين، فإنها في الوقت ذاته لم تستطع تحييد القدرة العسكرية لليمنيين بما فيها الصواريخ الباليستية، ويبدو أن هذا الأمر هو الأولوية المطلقة للرياض، التي فيما بدا في الشهور الأخيرة قد رفعت يدها عن ملف جنوب اليمن، أو بمعنى أخر تخلت عنه مرغمة للإمارات، التي بدورها تسيطر على جنوب اليمن بشكل عسكري متركز في مدينة عدن، وكذلك عبر الأطر السياسية الانفصالية في جنوب اليمن، دون نفوذ سعودي على أي منهما.

وفيما يرى محللين منذ الشهور الأولى من العدوان، أنه على عبثيته وعدم وضوح هدف استراتيجي له منذ البداية، فإن من ضمن دوافعه الاستراتيجية هو الصراع بين دول الخليج، وتحديداً السعودية والإمارات وقطر، على نفوذ طويل المدى على السواحل البحرية لليمن الممتدة من خليج عدن وحتى البحر الأحمر، الذي يشهد حرب باردة بين القوى الإقليمية والدولية للسيطرة على ممراته الاستراتيجية شمالاً وجنوباً، وكذلك الموانئ والجزر الاستراتيجية اليمنية.

وفي هذا السياق رأى مدير برنامج الخليج والطاقة في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، سايمون هندرسون، أن الحرب في اليمن تأتي في سياق الصراع بين هذه القوى الإقليمية، وبشكل أكثر تركيزاً بين أبوظبي والرياض، اللتان على الرغم من تحالفهم في هذه الحرب، إلا أن كل منهما لديه استراتيجية مضادة للأخر، ليخلص في مقالة له بصحيفة “ذي هيل”الأميركية أن الحرب في اليمن مجرد تغطية لصراع أكبر من إعادة حكومة موالية للرياض إلى صنعاء وإنهاء “التمرد” الحوثي، ويدلل على ذلك من مساعي أبوظبي الأخيرة الخاصة بالدفع نحو موالاة الجنوب اليمني لها، وليس مجرد تقاسم للنفوذ بين البلدين، ولكن كتنافس حثيث يظهر في مآلات الحكم والتقسيم المستقبلي لمرحلة ما بعد الحرب التي لا يبدو أنها قريبة ليس لأن حكومة هادي منصور لا تزال في المنفى والحوثيين في صنعاء، ولكن لأن الصراع على اليمن بين الإمارات والسعودية لم يحسم لأي منهما، وبالتالي لا ضرر في استمرار الحرب وحصار الشعب اليمني حتى يتحقق لأحدهم الغلبة.

وعلى مستوى إقليمي، فإن الرياض اعتبرت حربها على اليمن جزء من صراعها الإقليمي مع طهران، ولكن المفارقة هنا أن ما يجري الأن في اليمن سواء على مستوى عسكري أو سياسي يبتعد كل البعد عن سيرورة الصراع بين البلدين، وينتقل من جديد إلى صراع بين حلفاء المعسكر الواحد، أي الإمارات والسعودية، اللتان باتتا على مشارف الإنخراط في صدام عسكري عبر وكلائهم المحليين في جنوب اليمن وتحديداً في مدينة عدن، التي شهدت على مدار الأسبوع الماضي اشتباكات بين قوات تابعة للمجلس الانتقالي التابع للإمارات والذي يميل للانفصال، وبين قوات موالية لحكومة منصور هادي الموالية للسعودية، المعروف عنه رفضه لإعادة تقسيم اليمن بين شطرية الجنوبي والشمالي. ليس من حيث المبدأ، ولكن لأن الجنوب يعتبر منصور هادي خائن، وذلك على أثر موقفه عشية الوحدة 1990 الذي قُربه من نظام صالح باعتباره رجل الشمال في اليمن الجنوبي.

أما على مستوى محلي، فجدير بالذكر أن الأعوام الثلاث الماضية قد شهدت خلافات سعودية إماراتية حول تقسيم وتوزيع الحقائب الوزارية في حكومة المنفى؛ فمثلاً شهدت هذه الحكومة بداية العام الماضي انقسام بين أعضائها على أرضية أي من الفريقين موالي لكل من أبوظبي والرياض، والذي لم تسمح خلاله الأخيرة بأن يكون هناك توازن بينها وبين حليفتها في حكومة هادي، أي عبر أن تكون الحقائب موزعة بتساوي ومحاصصة تراعي توازن بين البلد. وكذلك مسألة عودة هادي وحكومته إلى عدن، والتي بشكل ما أبقيت في السعودية رغماً عنها لضمانة أن لا تؤول الأمور لعكس ما هو في صالح المملكة حال عودة هذه الحكومة إلى عدن، والتي تسيطر عليها الإمارات بشكل ميداني، كذلك إشرافها على الأطر السياسية المتواجدة هناك، والتي تدفع ناحية انفصال الجنوب على غير رغبة السعودية أن يتم ذلك عبر أي إطار سياسي محلي بخلاف حكومة هادي منصور.

وعلى نفس المنوال، ينبغي الإشارة أيضاً أن تجريد حكومة هادي من أي مظهر من مظاهرة الحوكمة في جنوب اليمن، وخاصة في عدن، لا يعني فقط أن الرئيس السابق قد جرد من كل مظاهر شرعيته التي من المفترض أن العدوان بقيادة السعودية قد شُن لحمايتها وإعادته إلى منصبه، ولكن تفتح باب من الصراع المركب في معسكر “الشرعية”، يجعل اليمنيين على مختلف مواقفهم وتمركزهم مجرد أدوات في أيدي السعودية والإمارات ينفذوا بها مخططات الاستحواذ والسيطرة على أراضي وموانئ والممرات الملاحية الإستراتيجية في اليمن شمالاً وجنوباً، وهذا الأمر يعني أن تسعير الصراع في جنوب اليمن بين أنصار السعودية وأنصار الإمارات يفضي في النهاية إلى تحقيق مصالح كل من الدولتين بمعزل عن مصلحة اليمنيين الذين يتم استخدامهم كحطب لمعارك لن يحصدوا ثمارها.

وعلى الرغم من أن كل من الرياض والسعودية يميلوا حتى كتابة هذه السطور لإبقاء الصراع بين فريقيهما في جنوب اليمن تحت السيطرة، فإن هناك عاملين يمثلا خطورة على مستقبل مخططات كل منهما تجاه اليمن، سواء المتقاطعين فيهما أو المتعارضين؛ الأول هو أن معترك الصراع في جنوب اليمن أشبه بكرة الثلج التي إن تدحرجت لا يمكن التنبؤ بمسارها وكذلك حجمها، فتنوع وتنازع الأطر السياسية الجنوبية ما بين مؤيدي الانفصال والوحدة وفيما بينهما يؤهل لمناخ من الفوضى العسكرية يعيد للأذهان مشهد الحرب الأهلية منتصف الثمانينيات، ناهيك عن بدء علو أصوات جنوبية مثل رئيس اليمن الجنوبي الأسبق، محمد علي ناصر، والقيادي في الحراك الجنوبي، فادي بعوم، تحذر من “احتلال اليمن” والسيطرة على مقدراته من جانب كل من الرياض وأبوظبي بغطاء من محاربة “المليشيات الانقلابية”. أما العامل الثاني وهو الأهم أن هذا الصراع في عدن حال خروجه عن السيطرة فإنه يتيح الفرصة للحوثيين إعادة طرح رؤيتهم المتمسكة بوحدة اليمن وسلامة أراضيه، وتعزز أيضاً من رؤيتهم التي استبقت ما يحدث حالياً قبل أكثر من 3 سنوات، وبالتالي فإن مسألة تحرير الجنوبالتي يشدد عليها الحوثيين قد تغدو مطلب عام في شمال وجنوب اليمن، وقد تلقى تجاوباً مع أطراف جنوبية بشكل غير مفاجئ وغير جديد على الشأن اليمني، وهذا الأمر كله يبقى رهن توافق وطني بعيداً عن أجندة كل من السعودية والإمارات، سواء تلاقت هذه الأجندات أم تعارضت.