ماذا حمل المبعوث الأممي الجديد الى صنعاء؟

 

على وقع إطلاق الصواريخ الباليستية اليمنية على مطارات السعودية، ينهي مبعوث الأمم المتحدة مارتن غريفيث زيارته اليوم السبت التي استمرت 7 ايام الى صنعاء، وكسر فيها محظور سابقه المتمثل بعدم الالتقاء بسلطة صنعاء، الممثلة بالمجلس السياسي والحكومة وقيادات حركة «أنصار الله»، على أن اللافت الأهم في زيارة غريفيث، كان لقائه زعيم الحركة السيد عبد الملك الحوثي، وهو ما يوحي بجدية العمل للتوصل الى حل سلمي للصراع، الذي بات واضحاً أنه يستهدف كل القوى اليمنية من دون استثناء، وهو ما عبر عنه الرئيس صالح الصماد، حين دعا كل الأحزاب والأطراف الى الجلوس للتفاهم والاتفاق على الشراكة.

 

المبعوث الأممي على الرغم من كونه يحمل خارطة طريق للحل السياسي، إلا أنه استهلك زيارته في لقاء قيادات حزبية ومسؤولين في الدولة، كل على حدة وليس كأطراف، إذ التقى رئيس الحكومة ووزير الخارجية ونائبه بشكل منفصل، مثلما التقى بشكل منفصل قائد «أنصار الله» ورئيس المجلس السياسي ورئيس «اللجنة الثورية»، وكذلك فعل مع «المؤتمر الشعبي» حيث التقى القائم بأعمال رئيسه الشيخ صادق ابو راس، والتقى الأمين العام المساعد فائقة السيد، وهو ما بدا غير مفهوم، إلا في حال كان غريفيث يبحث عن رؤى يمكن أن تعبر عن اختلاف داخل وبين الأحزاب، يمكن الاستفادة منها إذا استدعى الأمر.

 

مهمة غريفيث تقوم على أساس اعتبار كل قوة فاعلة على الأرض هي طرفاً يمكن جلوسه على طاولة أي حوار مقبل، ولذا هو يسعى للقاءات الأطراف في كل من مأرب وعدن وحضرموت، وهي مهمة ستكون صعبة بسبب تعدد الجماعات واختلاف رؤاها، وسعي كل منها لتكون ممثلاً أصيلاً للمنطقة التي تحكم سيطرتها عليها، فضلاً عن ارتباط كلها او أغلبها براعٍ خارجي، إلا في حال ما كان الهدف المستتر هو إقناع كل طرف أو قسره على القبول بخارطة طريق يتوافق عليها مسبقاً اللاعبون الأساسيون في الصراع و المجتمع الدولي، مع أن تحقيق هدف كهذا سيظل معلقاً على صدق نوايا النظام السعودي، الذي وحتى اليوم لم يتبد منه توجهاً صادقاً يوحي بتغير في موقفه كطرف رئيس في الحرب على اليمن، يسعى من خلالها لفرض هيمنته الكاملة على قرار نظامها السياسي واستئصال خصومه.

 

أكثر من ذلك فقد أوضح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في أحد تصريحاته الأخيرة، أن مفهومه للحل في اليمن يتمثل بشق «الحوثيين» وإبقاء الضغط العسكري قائماً، وهو خيار سعودي بديل ظل قائماً بعد فشل تدخله العسكري المباشر، الذي أرهق ميزانية البلد وجعل النظام ضحية للابتزاز وبالذات من الولايات المتحدة.

 

هذا الخيار يتمثل بانسحاب النظام السعودي من التدخل المباشر، الذي لم يعد يحظى بأي غطاء دولي ليحل محله إدارة حرب أهلية بين الأطراف، وبحيث يقتصر دوره على تمويل حلفائه، وبالذات بعد أن أضحى البلد مقسماً وتم وضع اليد على أهم مناطقه الحيوية.

 

كان من المقرر البدء بتطبيق هذا البديل مع انتهاء عام ثان من الفشل، لولا ظهور وقائع على الأرض تشير إلى أن المدعومين من «التحالف»، لا يمكن لهم أن يحافظوا على ما قد صار تحت أيديهم ولو لأسابيع قليلة من دون الغطاء الجوي، الذي لا يكاد يغيب عن ساحات المواجهات، وهو ما أجَّله حتى اليوم.

 

ولعل من المفارقات أن «أنصار الله» دخلوا العام الرابع من الحرب وهم أفضل حالاً من الناحيتين العسكرية والسياسية، مقارنة بأول أشهر انقضاض «التحالف» العسكري العنيف والمباغت. إذ انتهى العام الثالث عسكرياً، بالتزامن مع إطلاق دفعة صواريخ استهدفت مطارات سعودية عدة، منها مطار الرياض، وكذا مصالح اقتصادية (أرامكو في جيزان)، وبإطلاق صواريخ أرض جو على الطائرات المُغيرة، التي لطالما أطلقت صواريخها بأمان على العاصمة.

 

كما أخذ العام الثالث معه حصاراً سياسياً خانقاً على «الحوثيين»، جماعة ودولة، وهي الرسالة التي حملتها زيارة بعثة الاتحاد الأوربي التي التقت بمسؤولي الدولة العليا، ابتداء من الرئيس ورئيس الحكومة ووزراء فيها.

 

وبالمثل التقت بقيادة «أنصار الله»، ولم تستثن حتى من شملتهم عقوبة القرار الأممي، ومنهم ابو علي الحاكم، الذي كان حاضراً أحد الاجتماعات الرسمية. غير أنه ومع ما سبق من مؤشرات قد تحمل دلالات مطمئنة، فإن الأشهر المقبلة قد تكون الأكثر تصعيداً في الحرب السعودية الإماراتية، في محاولة جديدة لخلق متغير حقيقي على الأرض مهما كانت كلفته، استباقاً لفترة الإعداد لمفاوضات لو حصلت فإن أبرز عوامل القوة فيها سيكون مدى تواجد أي طرف على أرض الواقع، لا باعتباره يمثل لافتة سياسية او حزبية.