حذاء حمادة وسرقة الثورة

خرج إلى "الثورة" متمنطقاً أحلامه، ويحمل قضيته فحسب، وعند بداية هذه الـ"ثورة" سرق حذاء حمادة من خيمته، فكان هذا مؤشراً سلبياً عرف من خلاله حمادة كما يقول أن الثورة ستسرق كما سُرق حذائه، كون السرقة تبدأ بالأشياء الصغيرة، وتنتهي بالأشياء الكبيرة، وهذا ما حدث بحسب رأي حمادة.
يرى حمادة أن السرقات امتدت بدءاً من حذائه الذي لم يكن يمتلك سواه حينها إلى تضحيات الشهداء والجرحى، وعبرت السرقات كل شيء حتى وصلت إلى الثورة ذاتها، قبل أن تصل في الختام إلى الوطن، امتدت أيادي اللصوص إلى الوطن، وضمته إلى ممتلكات حفنة قليلة منهم.
تعرض حمادة لاحقاً لاعتداء داخل الساحة، لم يكن المعتدون إلا من يدعون أنفسهم بالثوار، كانوا في الحقيقة مجرد قتلة يستخفون بكل القيم، فيسمون أنفسهم ثواراً لأن "الثورة" كانت تشبه تصوراتهم وحقائقهم، لم يكونوا يختلفون عن القتلة في الطرف الآخر في شيء، إلا فقط بما جعلهم يدعون الانتماء للثورة فقط، وهي لم تداعب حتى مخيلاتهم.
لكن حمادة، وكما يقول، صمت عن سرقة حذائه الوحيد من أجل "الثورة"، لم يشأ أن يجعل من حذائه قضية القضايا، وأن يشغل الثوار بحذائه، بالنسبة له كان مجرد حذاء، وإن كان الحذاء الأخير، فثمة من يقدمون أرواحهم لأجل الوطن، لكن هذا التنازل البسيط، قاد حمادة ورفاقه إلى تقديم تنازلات أكثر، وأشد خطورة، ولو أنه لم يصمت إزاء سرقة حذائه، لو أنه فقط بحث عن اللص ولاحقه، وفي المقابل، لو أن رفاقه لم يتساهلوا عند سرقة أشيائهم، لما تجرأ أحد على سرقة تضحياتهم، وبالتالي ثورتهم، ومن ثم وطنهم، ولاحقاً صمت عن الاعتداء "الثوري" الذي تعرض له.
يفكر حمادة الآن بالبحث عن حذائه وملاحقة اللص لاستعادته منه، الأمر الذي سيمثل مبادرة ثورية لاستعادة الثورة والوطن اللذين تم التنازل عنهما بموجب اتفاق سياسي مفروض وفق أجندة خارجية سمحت لحفنة جديدة من اللصوص بالمزيد من استلاب الوطن.
يستحق حمادة أن نتضامن معه من أجل استعادة حذائه، وليس بالضرورة من أجل استعادة الثورة والوطن، فحذاء حمادة الوحيد أثمن من ثورة لا تسمن ولا تغني من جوع، ومن وطن لا يوفر للمرء موضعاً يتمدد فيه بهدوء آمناً من الخوف، وهانئاً بأحلامه.