أكتوبر بين بريطانيا والإمارات: عودة الاحتلال ومقدمات الثورة

 

تحت مظلة شركة «الهند الشرقية»، وضعت بريطانيا أقدامها في عدن عبر اتفاق امتيازات خاصة للشركة التابعة لها في الميناء، مع سلطان لحج عام 1802م، في حين تسللت الإمارات إلى عدن عن طريق اتفاق امتياز استثماري لشركة دبي العالمية في الميناء ذاته عام 2008م.

وبذريعة غرق السفينة البريطانية «داريا دولت» في خليج عدن عام 1837 طلب الإنجليز من سلطان لحج، محسن فضل العبدلي، المسيطر على عدن حينها، التعويض، مدّعين أن الصيادين اليمنيين قاموا بنهب تلك السفينة، ليوقّع السلطان العبدلي معاهدة بالتخلي عن 194 كيلو متراً مربعاً في عدن لصالح شركة «الهند الشرقية».

لكن مطامع بريطانيا لم تتوقف، ففي 16 يناير 1839، دفعت بعدد من السفن الحربية ووحدة بحرية بقيادة القبطان «هينس» لاحتلال ميناء صيرة، فقاوم اليمنيون بشراسة مستميتة، وأجبروا السفن البريطانية على التراجع والابتعاد عن شواطئ عدن، وبعد ثلاثة أيام قصفت مدفعية الأسطول البريطاني مدينة عدن، ولم يستطع الأهالي الصمود أمام النيران الكثيفة، لتسقط عدن في أيدي الإنجليز بعد معركة غير متكافئة.

وكما قدم القبطان «هينس» إلى عدن؛ أنزلت السفن الحربية الإماراتية في الـ4 من مايو 2015 وحدات عسكرية في ميناء عدن، يقودها الجنرال ناصر العتيبي، تحت يافطة دحر «الإنقلابيين الحوثيين»، وإعادة الرئيس «الشرعي» عبدربه منصور هادي. تحول مقر شركة «الهند الشرقية» في عدن إلى معسكر للقوات البريطانية، وصار فندق ومنتجع القصر السياحي في الحسوة، مقراً لقيادة القوات الإماراتية .

الأرض والثروة

استغلت بريطانيا ميناء عدن واستثمرته  كحلقة وصل بين خطوط الملاحة العالمية، وتحكمت في خليج عدن والبحر الأحمر والمحيط الهندي، كما نقلت إدارة شركة «الهند الشرقية» من سنغافورة الى عدن، فيما سعت أبوظبي إلى إستغلال مشاركتها في حرب «التحالف»، الذي تقوده السعودية في اليمن، إلى تعزيز تواجدها العسكري وبسط سطوتها الاقتصادية على الموانئ اليمنية وحقول النفط والغاز في المحافظات الجنوبية، وصارت اليوم تسيطر على خمسة موانئ من أصل ثمانية، للتحكم في حركة الملاحة والتجارة الواردة إلى اليمن، وتعزيز نشاط ميناء جبل علي. لقد باتت أغلب واردات اليمن تأتي من دبي، سواء كانت سلعاً غذائية أو وقوداً أو مواد بناء أو أثاثاً وأنظمة طاقة شمسية وحتى السجائر والتبغ .

فقدت الحياة معناها في اليمن في ظل الحرب والحصار الذي يفرضه «التحالف» منذ 4 سنوات، أصيب 11 مليون طفل يمني بسوء التغذية، وصارت المجاعة تهدد حياة 22 مليون يمني، بحسب تقديرات الأمم المتحدة، وأرجع خبراء اقتصاديين السبب الرئيسي في انهيار العملة الوطنية إلى توقف تصدير النفط والغاز. في وقت أظهرت بيانات شركة النفط العالمية «OMV» التي تتخذ من النمسا مقراً لها، وتستثمر في حقل العقلة النفطي بشبوة، أن الإمارات تمتلك 25 % في الشركة، كما كشف موقع الشركة عن تصديرها في يوليو الماضي 500 ألف برميل من القطاع«S-2» بشبوة، ووفقاً للشركة فقد «تم شحن الإنتاج الجديد إلى خط أنابيب بطول 204 كيلومتر (127 ميل)، ينقل الخام إلى محطة النشيمة في المحيط الهندي، ولم تحدث حوادث أو اضطرابات كبيرة، مع إستئناف الضخ».

محطة النشيمة، التي أشارت إليها الشركة، هو الميناء النفطي الذي أنشأته الإمارات العام الماضي، ومنعت وزير النقل في حكومة الرئيس هادي، صالح الجبواني من زيارته.

وكما تفعل الإمارات، فإن السعودية هي الأخرى ابتعلت 42 ألف كيلو متر مربع من الأراضي اليمنية في حضرموت، وأقامت سياجاً حديدياً على منطقة الخراخير، وتحت عباءة «مركز الملك سلمان للإغاثة» و«إعادة إعمار اليمن»؛ شرعت في مد أنبوب نفطي في أراضي المهرة، للضخ من حقول «أرامكو» في الربع الخالي إلى ميناء نشطون، الذي احتلته بالقوة وجلبت الشركات لتوسعته وبناء منصات التصدير.

تمسكت لندن قبيل الرحيل من جنوب اليمن، بالإبقاء على قاعدتها العسكرية في سقطرى، وهو ما رفضته الجبهة القومية حينها، لتعود الإمارات والسعودية بقوات عسكرية وتتشاركان في إحتلال الأرخبيل ونهب ثرواته .

فرّق تسد

لم يخضع أبناء الجنوب للإستعمار البريطاني منذ أن وطئت أقدام الغزاة أرضهم، ووثق المؤرخون العديد من الإنتفاضات والمقاومة السلمية والمسلحة التي أنهكت الإنجليز، فلجأوا إلى إنشاء قوات محلية تتحمل أعباء الأمن ومواجهة التمردات القبلية، وتشكلت بدءاً من العام 1928م قوى عسكرية عدة منفصلة عن بعضها «جيش عدن أو جيش الليوي، الحرس الحكومي، الحرس القبلي، جيش البادية الحضرمية، الجيش اللحجي، جيش المكلا النظامي، الجندرمة القعيطية والكثيرية»، وذلك ليتمكن المستعمر البريطاني من توظيف كل قوة ضد الأخرى «فرّق تسد». وفي الوقت نفسه، اختارت المجندين على أسس مناطقية «فصيل يافع، فصيل الميسري، فصيل العوالق والعواذل، فصيل يافع وعزان»، بحيث يمكن لجيوش كل قبيلة إخضاع الأخرى من دون أن تثنيها عن ذلك عوامل القرابة والولاءات القبلية.

لتكرر الإمارات ذات التجربة، والتي أنشأت ولاتزال، تشكيلات أمنية وعسكرية تحمل ولاءات مناطقية وجهوية، مهيأة للتناحر والصراع فيما بينها «النخبة الشبوانية، النخبة الحضرمية، الأحزمة الأمنية، في عدن ومدن الجنوب»، كما اختارت أبوظبي مجنديها في الأغلب من مناطق يافع والضالع وردفان، وهي المناطق التي هيمنت على الجيش في الجنوب بعد أحداث 13 يناير 1986م ولا تدين بالولاء للرئيس هادي وحكومته، بل تناهض عودته إلى عدن، وتحاصر تحركات وزراءه في مربعات جغرافية ضيقة.

أما في جانب السجون والمعتقلات وانتهاكات حقوق الإنسان، فقد ارتكبت الإمارات جرائم تفوق ما ارتكبه المستعمر البريطاني، حيث وثق فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة جانباً من تلك الجرائم. وجاء في التقرير الذي صدر في أغسطس الماضي ما نصه: «زار فريق الخبراء سجن المنصورة في عدن المعروف بسجن بئر أحمد، والذي تشرف عليه قوات التحالف، وتبين للفريق أن المعتقلين فيه يتعرضون للضرب والإغتصاب والصعق بالكهرباء والتعذيب بالإغراق، كل ذلك فيما هم معصوبي الأعين أو مكبلي الأيدي».

برع يا استعمار

ومنذ منتصف العام الماضي، حيث منعت القوات الإماراتية طائرة الرئيس هادي من الهبوط في مطار عدن، تفاقمت الأزمة بين الإمارات وحلفاءها من جهة، وهادي وحكومته والقوات التابعة له من الجهة الثانية، لتدفع الأولى بقوات «الحزام الأمني» إلى اقتحام معسكرات الحماية الرئاسية، ومحاصرة رئيس الوزراء أحمد عبيد بن دغر في مقر الرئاسة بمعاشيق، لترد الثانية بمناهضة التواجد العسكري لأبوظبي في سقطرى.

توالت فصول الأزمة بين الطرفين ورافقها اغتيال العشرات من كوادر حزب «الإصلاح» الخصم اللدود للإمارات، تمدد الإنفلات الأمني ليعم عدن ومحافظات الجنوب، وتنامى سخط الشارع في المناطق «المحررة» من عجز الرئيس هادي وحكومته، والعبث والتدمير الممنهج الذي تمارسه الإمارات والسعودية، كما خاب رهان الشارع الجنوبي على «المجلس الإنتقالي» الذي بينت الأحداث التي تلت تشكيله، بأنه مجرد أداة بيد أبوظبي، توظفه لخدمة مشاريعها وتنفيذ أجندتها في اليمن.

ومع الإنهيار الكبير للعملة المحلية والإرتفاع الجنوني في أسعار السلع الغذائية والخدمات، شهدت عدن ومحافظات الجنوب خلال الأسابيع الماضية، تظاهرات ومسيرات غاضبة، مزّق فيها المتظاهرون صور ولي عهد ابوظبي والعاهل السعودي وهتفوا «برع... برع يا استعمار، و يا جنوبي صح النوم... لا تحالف بعد اليوم»، هذه التظاهرات والمسيرات كشفت عن حضور لافت لـ«الحراك الثوري الجنوبي، الذي يتزعمه حسن باعوم، وأعادت رهان الشارع عليه كحامل للقضية الجنوبية بعد خيبة رهانها على «المجلس الإنتقالي» الذي ألغى احتفاله بالذكرى الـ55 لثورة 14 أكتوبر، وتصدر الإحتفاء بالمناسبة حراك باعوم، في ساحة العروض بعدن .

 

تقليد للبريطانيين

القيادي في «الحراك الجنوبي»، خالد باراس قال لـ«العربي»، إن «ما تقوم به السعودية والإمارات احتلال بشع، ويحمل بصمات بريطانية وتقليد لتجربة البريطانيين خلال احتلالهم للجنوب»، مضيفاً أن «النخبة الشبوانية والحضرمية التي أنشأتها الإمارات وتمولها وتدربها، لا تختلف عن جيش السلطنة القعيطية وشرطتها جيش البادية الحضرمي، التي كانت تصرف بريطانيا عليه».

من جانبه، قال رئيس تجمع القوى المدنية الجنوبية، عبدالكريم السعدي «لقد اتضح لنا أن الإماراتيين لا يهمهم الجنوب ولا القضية الجنوبية، إنما يريدون بلاطجة وأجراء يصنعون منهم عصابات، يستخدمونها لتنفيذ مشاريعهم التخريبية ضد الجنوب واليمن بأكمله».

وأضاف السعدي «لقد وجد الإماراتيين ضالتهم، في بعض إخواننا الذين تنحصر مطالبهم في النقود والعربات المدرعة والمسدسات الغالية الثمن وغيرها من صغائر الأمور، ولم يطرحوا قضية وطن».

 

المصدر: العربي