رياح النقمة الشعبية تكشف الجمر تحت الرماد

يسعى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في جولته على بعض الدول العربية إلى تلميع صورته وإظهار أن ما تعرّض له من تهشيم لا يؤثر على تأييده العربي. وربما يسعى أيضاً إلى ترميم علاقاته مع تركيا التي قال وزير خارجيتها إن بن سلمان طلب في اتصال هاتفي مع الرئيس التركي لقاءه في العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس على هامش قمة العشرين، ولم يتأخر رد الرئيس التركي غير القاطع في قوله "سنرى".

بيد أن ما تسكت عنه الحكومات العربية يعبَّر عنه في الاحتجاجات الشعبية أو المواقف الغاضبة. قد لا توصف هذه الاحتجاجات والمواقف بالعارمة، إلا أنها تنطق في الدلالة على روح الشعوب العربية من الجزائر إلى مصر وموريتانيا وتونس بناشطيها وتياراتها وصحافييها وحقوقييها وسياسييها. يختلف التحرّك الشعبي في معانيه ودلالاته عن احتجاج المؤسسات الدولية، ودول كتركيا وقطر، على مقتل الصحافي السعودي المعارض جمال خاشقجي.

فالشارع يرى كل شيء، وليس فقط قمة جبل الجليد، وعندما يريد التعبير لا ينسى التفاصيل ولا يتناساها. الاحتجاجات ضد جولة بن سلمان في بعض الدول العربية قد يكون ظاهرها جريمة خاشقجي لكنها في العمق تصوّب إلى سياسات جسّدها ولي العهد السعودي ليس أولها الحرب على اليمن ولا آخرها التطبيع مع إسرائيل. بين هذا وذاك، تصويب آخر على جرائم أخرى، ربما أقدم زمنياً، إلا أن تبعاتها لم تسقط بالتقادم. الاحتجاج على بن سلمان في الشارع العربي شمل أيضاً الدور السعودي في سوريا، ودوره في إيران، وصفقات المليارات مع إدارة ترامب لشراء السلاح. "لا أهلاً ولا سهلاً بقاتل أطفال اليمن"، هكذا عبّروا. يبدو واضحاً أن الشعوب لا تسكت طويلاً، ونَفَسها في المجاملة أقصر مما قد يتصور البعض، ولربما تستشعر اليوم خطراً ما يحمله ولي العهد إليهم.

يقول أحد المغرّدين إن "بن سلمان لا يحمل المنشار معه في الزيارات الرسمية"! نزل الناس إلى الشارع احتجاجاً، وآخرون بلا شك نزلوا ترحيباً. لا يملك ولي العهد الكثير من الخيارات لتلميع صورته اليوم. لكنه يملك المال. مال يريده ترامب وغيره. مال يغيّر المواقف ويغض الأبصار عن تقطيع الأوصال والتجويع حتى الموت.

مسيرات العودة لطالما شهدت ضمن فعالياتها احتجاجات طالت ولي العهد السعودي لا سيما في سعيه للتطبيع مع "إسرائيل" وطمس القضية الفلسطينية. قالها ترامب علناً: "لولا السعودية وبن سلمان تحديداً لكانت اسرائيل في أزمة". اليوم، وفي هذا الوقت، فإن رفض بعض الشارع العربي زيارة بن سلمان إلى بلاده هو رسالة احتجاج قوية تتضمن الكثير من العناوين التي تضع سياسة الحكم السعودية في إطار المتهم بالكثير مما عانته المنطقة العربية والإسلامية من مآسي، لا سيما ما بات يعرف بجريمة العصر التي حصدت أرواح أطفال يمنيين إما حرقاً، وإما مرضاً، وإما جوعاً.

رفض زيارة ابن سلمان في هذا الوقت هو رسالة احتجاج قوية على ما قامت به السعودية من سياسات تدميرية، ورسالة احتجاج على كل الدعم الذي قدمته السعودية للجماعات المسلحة في اليمن وسوريا والعراق. رفض الزيارة في هذا التوقيت هو اعتراض على حملات التطبيع الممنهجة التي تريد أن تدفع العرب إلى الاعتراف بـ "إسرائيل" كدولة مقبولة ولها عاصمة وعلم. رفض الزيارة هو رسالة على عدم القبول بإراقة دم الفلسطينيين والتآمر على القضية الفلسطينية، وهذا ما أكّده ترامب علناً: "لولا السعودية وابن سلمان تحديداً لكانت اسرائيل في أزمة".

بن سلمان الذي قرر العدوان على اليمن، استهدف المقاومة في فلسطين ولبنان، واحتجز رئيس حكومة لبنان في عملية غير مألوفة في العلاقات الدولية، منحه الاعلام الغربي لقب "الأداة الحقيقية لصفقة القرن في المنطقة". هذه الاحتجاجات التي بدأت برفض زيارة بن سلمان هي الشعلة الأولى في حرب المظلوم على الظالم. الشعوب ترفض زيارة ولي العهد السعودي لأن استقباله سيوفر له غطاء لكل جرائمه، وقبولاً ضمنياً بسياساته، هو الذي تحوّل فجأة من عازل إلى معزول.

 

المصدر: الميادين