نص خطاب السيد/ عبدالملك بدرالدين الحوثي - المولد النبوي الشريف 1435هـ

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
{ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }
والحمد لله رب العالمين وأشهد ألا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا وقائدنا و قدوتنا وحبيب قلوبنا محمد عبده ورسوله وأمينه على وحيه ونجيبه من خلقه وصفيه من عباده إمام الرحمة وقائد الخير، ومفتاح البركة.

بعثه الله رحمة للعالمين، بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، ليخرج الناس من الظلمات إلى النور و يستنقذهم من استعباد الطاغوت إلى عبادة الله الواحد الأحد، بعثه والناس ضلال في حيرة، وحاطبون في فتنة قد استهوتهم الأهواء واستزلتهم الكبرياء واستخفتهم الجاهلية الجهلاء، حيارى في زلزال من الأمر، وبلاء من الجهل، فبلغ رسالات الله ، وأرسى دعائم الحق والعدل، وأزاح ظلمات الظلم والجهل، وغير بالهدى مسار التاريخ ليعيد البشرية إلى أحضان رسالة الله والعبودية لله،{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }..
اللهم صلي على محمد وعلى آله محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وسلم على محمد وعلى آل محمد كما سلمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، و ارضى اللهم عن أصحابه الأخيار من المهاجرين والأنصار وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

يا جماهير شعبنا المسلمة .. يا أحباء رسول الله أيها الأوفياء الشرفاء.. أيها الأخوة والأخوات
في صنعاء وصعدة.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ونبارك لكم ولكل أمتنا الإسلامية حلول هذه المناسبة العزيزة والذكرى المجيدة ذكرى مولد خاتم الأنبياء وسيد المرسلين، ذكرى مولد النور والعزة، ذكرى قدوم رحمة الله للعالمين محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
اليوم وكما في مثل هذا اليوم من الأعوام الماضية يحيي شعبنا المسلم العزيز في يمن الإيمان والحكمة يمن الأوس والخزرج، يمن الأنصار، يمن الفاتحين الذين حملوا راية الإسلام ولواء الفتوح في صدر الاسلام، وقوضوا الامبراطوريات الظالمة يحيى هذه الذكرى على نحو متميز وبحضور كبير وبحضور كبير يعبر عن أصالته وهويته وينبؤ عن عظيم المحبة وأكيد المودة والارتباط الوجداني والإيماني الراسخ بخاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله.

كما يدل على تمام الوعي بأهمية الاستفادة من هذه المناسبة لتعزيز حالة الارتباط والولاء لله ولرسوله، ومواجهة مساعي أعداء الإسلام لطمس هوية الأمة، وإبعادها عن معالم دينها الحق ورموزها ومقدساتها.
إن احتفال شعبنا بهذه المناسبة و إحياءها بشكل كبير هو أيضاً من مظاهر الاجلال والتوقير لرسول الله صلى الله عليه وآله ، وهو بذلك استجابة لله سبحانه وتعالى القائل في كتابه الكريم {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ }.

وبقدر ما يسعى أعداء الإسلام إلى الحط من مكانته من خلال الإساءات وحملة التشويه الممنهجة بقدر ما تعظم المسؤولية علينا كمسلمين لتعزيز الارتباط والولاء الصادق ومواجهة الحملات العدائية المسيئة التي تشنها الصهيونية العالمية بقيادة أمريكا وإسرائيل، والتي تُلبس في كثير من الحالات بقناع جديد وعناوين جديدة وعناوين متعددة وبلدان مختلفة، ونسمع هذه الأيام عن اساءات جديدة موجهة إلى رسول الإسلام مقنعة هذه المرة بقناع هو (هولندا) ، والحقيقة أن وراء ذلك كله هو اللوبي الصهيوني اليهودي الذي يجب أن تقف الامة بوجه مؤامراته فهو يستهدف الأمة في دينها ومقدساتها ، ويسعى لضربها في كل مقاوماتها مستغلاً تخاذل الأمة وشتاتها ومستفيداً من قلة الوعي ومستفيداً من قوى العمالة.
كما أننا في احتفالنا اليوم بهذه المناسبة نعبر عن تقديرنا واحتفاءنا وابتهاجنا وسرورنا وفرحنا بنعمة الله واعترفنا بعظيم فضله ومنته بالرسول والرسالة والهدى العظيم والدين القويم { قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ }
اللهم لك الحمد ولك الشكر على ما أنعمت وأوليت وهديت..
وإن هذه الذكرى لهي مناسبة جامعة يمكن الاستفادة منها في العمل على رأب الصدع وجمع الشتات وتعزيز الإخاء والوحدة بين المسلمين، على مستوى شعبنا وعلى مستوى أمتنا، وهذا بالتأكيد ممكن إذا توفرت الإرادة وصدقت النوايا..

وللأسف الشديد فأن هذا الامر خارج عن أولويات البعض، في الوقت الذي يجعلون من أولوياتهم تعزيز ارتباطهم وتحسين علاقاتهم مع أمريكا وغير أمريكا، فيما يتسرعون على المستوى الداخلي تجاه امتهم وأبناء جلدتهم الى اتخاذ المواقف العدائية وإلى الخصام والتباين والابتعاد عن لغة التفاهم ، وهذا من أهم أسباب تفاقم النزاعات والخلافات داخل أمتنا.. وإلا فإن ما يجمعنا هو أكثر وأكبر وأعظم وأسمى مما يفرقنا، بل ويمكن الاعتماد عليه لحل مشاكلنا ونزاعاتنا.
فيا شعبنا المسلم العزيز و يا أمتنا الاسلامية في الوطن العربي وسائر الأقطار:

يا أمة محمد يا أمة القرآن يا أمة الإسلام إن اكبر عامل للفرقة والشتات والتباين والنزاع هو البغي والأنانية والاستبداد والكبر، وإن للأمة من القواسم المشتركة والأسس الجامعة ما يمكن بالعودة إليها والاعتماد عليها أن تذوب وتتلاشى حالة العداء والتفرق فيما بينها ، وتعود حالة الإخاء والتفاهم والتعاون ، فالأمة يجمعها انتماؤها للإسلام يجمعها محمد رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله ويجمعها القرآن كتاب الله ووحيه المُنزّل وكلمته التي تمت صدقاً وعدلاً ، والقبلة الواحدة ، وفي جمع شتاتها ووحدة كلمتها عزتها وقوتها التي تعزز موقفها في مواجهة التحديات والأخطار الكبرى التي تستهدف الجميع ولا تفرق بين أحد لا بالاعتبارات الطائفية ولا الجغرافية و لا السياسية ..

إن اوامر الله سبحانه وتعالى وتوجيهاته تفرض علينا كمسلمين أن نعتصم بحبله وأن تجتمع كلمتنا على الحق والخير، وهو جل شأنه يقول: { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ } هذا ما يريده الله منا كأمة مسلمة ويريده منا نبينا محمد صلى الله عليه وآله ودعانا إليه أوليس يقول فيما روي عنه "المسلم للمسلم كالبنان أو كالبنيان يشد بعضه بعضاً" وبنى الأمة منذ بزوغ فجر الاسلام على هذا الأساس.. أمة موحدة متآخية متعاونة في مشروع واحد ومسار واحد وتحت راية واحدة.

واليوم في ذكرى ميلاد رسول الله صلى الله عليه وآله فإنها مناسبة لاستذكار هذه القواسم والكلمة السواء والأسس الجامعة، مناسبة للمحبة والإخاء ونبذ الكراهية والبغضاء بين الأبناء الإسلام جميعاً.
إن من أهم المواضيع التي ينبغي التطرق إليها في هذه المناسبة هي الرسالة الإلهية ومدى تمسكنا كأمة مسلمة بها، والتذكير برسل الله وأنبياءه وكيف يجب أن تكون علاقتنا بهم ، وفي مقدمتهم خاتم الانبياء محمد صلى الله وسلم عليه وعلى آله.

إن منشأ مشاكل البشرية ومعاناتها وشقائها هو الانحراف عن رسالة الله ورسله، عن رسالة الله فيما تضمنته من مبادئ وقيم وأخلاق وتعاليم لا تصلح الحياة إلا بها، ولا يتحقق للبشر السعادة إلا بتطبيقها ولا يمكن أبدا الاستغناء عنها ولا بديل يصلح به واقع البشرية عنها.
وحينما هيمنة قوى الاستكبار والطغيان بقيادة أمريكا على شعوب العالم وعملت على طمس معالم الرسالة ونسف أخلاقها وإضاعة قيمها فإنها بذلك جلبت الشقاء على الشعوب وأغرقت العالم في مشاكل كبيرة وعملت على الانحراف به إلى طريق الهلاك كما هلكت الأمم والأقوام التي لم تقبل ولم تلتزم برسالة الله سبحانه وتعالى على مر تاريخ البشرية قال تعالى: {أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ ۚ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ ۖ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}.

إن هذا العالم هو مملكة الله الذي هو ملك السماوات والأرض وإنه جل شأنه بمقتضى ملكه ورحمته وحكمته وتدبيره لشؤون عباده أرسل إليهم رسله وأنزل إليهم كتبه، ودلهم على طريق السعادة والفلاح والخير والنجاة وحدد لنا مسؤوليتنا في هذه الحياة في واقعنا ونحن عبيده وخلقه وإليه مرجعنا للحساب والجزاء ، والإنسان في مقام التكليف والمسؤولية حينما ينحرف عن رسالة الله وتعاليمه فهو يجر على نفسه الشقاء وهو مسئول امام الله سبحانه وتعالى يحاسبه ويجازيه ويعاقبه.

يقول الله سبحانه و تعالى { وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا * فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا ۚ قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا * رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ }

إن الله يحكي لنا في هذه الآية حقائق من التاريخ كثيرة هي المجتمعات والاقوام والامم في تاريخ البشر لم تبالي بأوامر الله ورسله ولم تتعامل بجدية ولا بمسئولية معها بل تجاهلتها وتجاوزتها وخالفتها وانحرفت عنها لأسباب وعوامل متنوعة ومختلفة من مثل هوى النفس والخضوع للطاغوت والارتباط بالمضلين فكانت النتيجة والعياذ بالله هي المؤاخذة والعذاب الشديد، قال تعالى { فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا * فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا }..

لذلك لا يمكن للبشر أن يتحقق لهم السعادة والخير والرشاد وأن يسلكوا مسلك النجاة والفوز إلا بالعودة إلى الله والاستجابة له والارتباط الواعي والعملي برسالته ورسله عليهم السلام، وهكذا وجه الله كلماته إلى جميع عباده إلى الناس جميعا فقال تعالى: { يَا بَنِي آدَمَ } خطاب لكل بني آدم لكل البشرية من ربهم من ملك السموات والأرض { يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي ۙ فَمَنِ اتَّقَىٰ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }
فالاستجابة الصادقة لرسل الله وآياته هي بالإلتزام العملي بالتقوى والصلاح فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون وبها يتحقق للإنسان ما وعده الله به من الخير والفلاح.

لذلك فصلاح البشر وفلاحهم حينما يرتبطون بالأنبياء وبرسالة الله سبحانه وتعالى ، وإن القرآن الكريم والإسلام العظيم والنبي الخاتم محمد صلى الله عليه وآله هو صلة الارتباط الصحيح لكل رسالات الله وبكل رسل الله.. وبه يتحقق الإيمان الصادق. .قال تعالى: { قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }.

فالإيمان برسول الله محمد والارتباط به هو بوابة للارتباط بكل انبياء الله ورسله، والقران الكريم هو الوثيقة الإلهية المقدسة المصونة المحفوظة السليمة من التحريف المتضمنة للرسالة الإلهية ، وهو حجة الله على كل عباده على جميع أمم الأرض قاطبة من بعد نزوله، والرسول محمد صلى الله عليه واله وسلم بكتاب الله ومع كتاب الله بلغ رسالة الله وتحرك بها في واقع الحياة في مساراتها الثلاث :
نوراً يخرج به الناس من الظلمات ، ذلك النور الذي يرى الإنسان به الحقائق الكبرى في الحياة وذلك النور الذي به نعرف الله المعرفة اللازمة، ونعرف سر وجودنا في هذه الحياة، وذلك النور الذي يكشف كل الظلمات، ويحمي الإنسان من الضلال، ذلك النور الذي هو حكمة وهو بصيرة وهو وعي وهو رؤية نافذة، ذلك النور الذي يحفظ للإنسان كرامته كإنسان في وعيه العالي وفهمه الصحيح وإدراكه للأمور وبدونه ينحط الإنسان إلى مستوى البهيمية قال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ }
في مساراتها الثلاث: نوراً يخرج به الناس من الظلمات، وقيماً وأخلاقاً يتخلق بها الإنسان ويبني واقعه على أساسها ، وحتى تكون سلوكياتها وتصرفاته وأعماله متفرعة عنها ، وفي مقدمة هذه القيم الرحمة ، والإحسان ، والعدل ، والصدق إلى غيرها من الأخلاق مع زكاء النفس وطهارة القلب للارتقاء بالإنسان ليرقى إلى مستوى الكرامة الإلهية ، وبدون هذه القيم يتحول الانسان إلى وحش مفترس ويفقد كرامته الإنسانية وتسوء تصرفاته وأعماله ويصبح ألعوبة بيد الشيطان.
ومشروعاً عملياً.. نوراً وقيماً وأخلاقاً ومشروعاً عملياً..

في إطار مسؤولية الإنسان في الحياة، الإنسان الذي استخلفه الله في الأرض وسخر له ما في السماوات وما في الأرض وحمله مسؤولية عظيمة في ظل استخلافه وواقع حياته، فالله سبحانه لم يخلقنا عبثاً ولم يتركنا سداً وهو القائل: { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ } إن رسالة الله تقدم للإنسان برنامجه في الحياة، ومسؤوليته فيها وتحدد له مساره الذي يوصله إلى الخير والسعادة والنجاة والفوز العظيم وإن انحرف عنه سلك مسلك الخسران والشقاء ثم الهلاك والعذاب الدائم، حيث الخلود في نار جهنم والعياذ بالله ، { وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } .

إننا كمسلمين كأمة مسلمة نتحمل المسؤولية في أن نقدم الشهادة في واقعنا وحياتنا ومواقفنا وأعمالنا على عظمة الإسلام وعظمة الرسول والقرآن ، ليتجلى لبقية امم الارض وبقية اقطار العالم عظمة هذا الدين فينجذبوا إليه ويدركوا حاجتهم اليه وذلك لا يتحقق إلا بالوعي الصحيح لمبادئه والالتزام بإخلاقه وقيمه وتجسيدها في الواقع والانطلاقة العملية في مشروعه العملي في الحياة.

لقد تمكن رسول الله صلى الله عليه وآله من خلال حركته برسالة الله وهديه العظيم في زمن الجاهلية الأولى والوضع العالمي المظلم آنذاك من صنع تغيير حقيقي ، و إحداث تأثير كبير ونقلة نوعية غيرت واقع العالم ومسار التاريخ ، وقدم فعلاً الشواهد الكبرى على عظمة الاسلام في أثره في الحياة وأثره في الإنسان ، أولاً في تغييره لواقع المجتمع العربي الأمي الجاهلي آنذاك، الغارق في الشرك والكفر وعبادة الأوثان والأحجار، المجتمع الذي يسوده آنذاك الظلم والجهل والكفر والخرافة والفرقة و الشتات والتناحر وانعدام القيم والأخلاق، فجعل من ذلك المجتمع أمة يسودها الصلاح والخير والعدل والحق وتحمل رسالة الله إلى العالمين، وتجاهد في سبيل الله ، أمة متوحدة قوية عزيزة لها مشروع هو أقدس مشروع في الحياة، ولها قضية هي أشرف قضية ولها دور حضاري بنّاء تُصلح في أرض الله وتأمر بالمعروف وتدعوا إلى الخير وتؤمن بالله وتنهى عن المنكر والفساد والظلم .

وأما بعدُ : فإن التراجع الكبير في واقع الأمة في مسارات دينها الثلاث في الوعي والبصيرة والاستنارة بنور الله ، في القيم والأخلاق ، في المسؤولية والمشروع العملي.. التراجع الكبير في واقع الأمة في مسارات دينها ورسالة ربها افقدها هذا الدور المهم والريادي في العالم ، وبقدر ما فقدت من النور أعتمت عليها الظلمة وفي جنح الظلمات وعتمتها وعماها غابت عنها الكثير من الحقائق وفقدت الوعي ، وأصبحت قابلة إلى حد كبير للتضليل والخداع..!! أمة النور اصبحت غارقة في الظلام..!!
ولذلك يمارس أعدائها من الأمريكيين والإسرائيليين ومن معهم بحقها أسلوب الخداع والتضليل وفعلاً يؤثر ذلك فيها بشكل مؤسف ولدرجة عجيبة ، حتى أصبحت محط سخرية و تلعُّب أعدائها بها ، كما أنه أيضاً وبقدر ما فقدت من القيم والأخلاق . انعكس ذلك على واقعها سوءً وانحطاطاً وشراً وبؤساً ، ودفعت الثمن من كرامتها ومن عزتها ومن مجدها و من امنها ومن استقرارها ، وبقدر ما تبتعد عن المشروع العملي ومسؤوليتها الكبرى ، بقدر ما تعيش الضياع وفقدان الهدف ، والشعور بغياب المسار، والغرق فيما لا يفيد ولا ينفع ، والاستهلاك للجهود والامكانات في غير محلها وأسوء من ذلك كله يستغلها أعداؤها ويحاولون دفعها هي عملياً في مشاريعهم ومؤامراتهم ومكائدهم التي تضربها في النهاية هي و الله المستعان ، ومع عظيم المعاناة وبلوغ الحال والواقع إلى مستوى فضيع أصبح لدى الكثير من أبناء أمتنا قناعة بضرورة التغيير والتصحيح للوضعية القائمة وهذه فرصة كبيرة، في ظل تطلع الأمة وتوجه الشرفاء من أبناءها إلى مشروع عملي جادٍ وفق ثقافة القرآن الكريم وقيم وأخلاق وتعاليم الاسلام وأهدافه الكبرى وهذا ما يكفل للأمة أن تعود من جديد إلى دورها الحضاري والبنّاء في واقع الحياة، وإلى أن تتمكن من مواجهة التحديات والأخطار وتتخلص من واقع البؤس والذل والهوان.

والعالم في هذا العصر يعيش في مشاكل حقيقية و كبيرة، وقد تجلى عجز قوى الاستكبار والطغيان عن حلها لأنها هي عامل أساسي فيها ، وهي كذلك لا تمتلك القيم والأخلاق و الرؤية التي تؤهلها لحلها، ويقع على المسلمين المسئولية الكبرى بدأً من تصحيح واقعهم وصولاً إلى القيام بدور إيجابي عالمي ولديهم كل مقوماته المعنوية والمادية إذا أصلحوا أنفسهم وواقعهم.

وفي هذا اليوم المجيد المشهود والذكرى العزيزة في يوم ذكرى مولد رسول الله محمد صلى الله وسلم عليه وعلى آله وانطلاقاً من المبادئ والقيم الرسالية فإننا نؤكد على التالي:
- نؤكد على ضرورة ان تتحمل الأمة مسؤوليتها في مواجهة الخطر الداهم عليها كأمة مستهدفة مستباحة لا يرعى لها أعداؤها حرمة ولا كرامة ، ولا لمقداساتها ولا لرموزها، وما تفعله امريكا و من معها في العالم الإسلامي من قتل وهتك للحرمات وسيطرة على القرار السياسي وتدخل في كل شئون شعوبنا ونهب للثروات أوصل الأمة إلى حالة من الهوان لا مزيد عليها.

- ثانيا : نؤكد على ضرورة أن يتعاون الجميع في دعم الشعب الفلسطيني ومناصرة قضيته لأنها لا تخصه ، هي قضية الأمة كلها فالمقدسات في فلسطين هي مقدسات الأمة كلها ، وشعب فلسطين هو جزء لا يتجزأ من الامة العربية والإسلامية ، وأرض فلسطين هي جزء من الأرض العربية والإسلامية ، والخطر الإسرائيلي خطر على الأمة بكلها، ولذلك لا بد أن يخترق الإطار الرسمي العربي الذي كبل الشعوب عن القيام بدورها من خلال التواصل المباشر المنظم من شعوب المنطقة مع الشعب الفلسطيني والمقاومة في فلسطين.
- ثالثاً: إن الدور الذي يقوم به حزب الله في لبنان في مواجهة اسرائيل والتصدي لها ، هو دور لصالح العرب جميعاً و لصالح المسلمين ولصالح لبنان الذي هو كذلك شعب وبلد عربي ، وفي مواجهة عدو لكل العرب ولكل المسلمين، ومن يسعى من قوى العمالة والارتهان للإساءة إلى هذا الدور او تشويهه فهو فاشل، فكل شعوب أمتنا تعرف من هو حزب الله ، وماذا قدم حزب الله لبلده وأمته.

- رابعاً: نؤكد على ضرورة أن تتظافر جهود كل الشرفاء والأحرار والصالحين من ابناء الامة في إفشال مؤامرة الاعداء لخلق فتنة طائفية وعداوة بين المسلمين من خلال التكفيريين الذين يعملون لصالح أعداء الإسلام ، وهم خطر على السُّنة بقدر خطورتهم على الشيعة كذلك ، والذين يعتمد عليهم العدو الخارجي للأمة و الإسلام لمآرب متعددة منها تشويه الإسلام من خلال جرائمهم الفظيعة المقززة و الوحشية باسم الاسلام وباسم الجهاد ، ومنها ضرب المسلمين من الداخل في حروب داخلية تمزق الامة وتضعفها وتمكن اعدائها من السيطرة عليها بكل سهولة ، إضافة الى استنزاف خيرات الأمة وثروتها وطاقاتها البشرية فيما لا ينفع ولا يجدي بل يضر، كما يفعل البعض حينما يقدمون لأولئك المليارات من الدولارات والتي لو قدموها للشعب الفلسطيني ولصالح القضية الفلسطينية لكان الوضع قد تغير تماماً ، واليوم فإنه يتوجب على المسلمين جميعاً العمل على افشال هذه المؤامرة ، من خلال تعزيز الروابط بين ابناء الامة بكل مذاهبها ، ونشر الوعي الذي يكشف زيف وتضليل أولئك وعمالتهم لأعداء الإسلام.

- خامساً: وعلى مستوى بلدنا: فإننا نطالب كل المكونات والقوى بالتعاون والتكاتف للحيلولة دون استمرار أمريكا في استباحة سيادة بلدنا ، وقتل أبناء شعبنا بطائراتها وبارجاتها ، وإخراج جنودها المارينز المنتهكين لسيادة البلد والذين يمثل وجودهم خطراً على استقلال واستقرار وأمن البلد ، باعتبار هذا كله مسؤولية ما أحد يتفضل ولا أحد له مسوغ أن يتنصل ، مسؤولية على الجميع.
- كذلك نؤكد على ضرورة المسارعة بالمصالحة الوطنية ، حتى تُسد منافذ الشر على مُثيري الفتن الذين يريدون لبلدنا أن يبقى دائماً في صراعات داخلية.

- ونؤكد على أن يدنا بالإخاء والتعاون والمحبة ممدودة إلى كل مكونات شعبنا بلا استثناء بما فيه مصلحة شعبنا وصالح بلدنا واستقراره.

- ونؤكد على أن ما قمنا به في الايام الماضية في مواجهة العدوان علينا كان فقط دفاعاً عن النفس ومواجهةً للحصار وليس في إطار الإستهداف لأي طائفة ولا مذهب ولا حزب ولا قبيلة ، وإنما لمواجهة عدوان علينا بغير حق ، وليس لدينا أي أجندة لاستهداف أي مكون من ابناء شعبنا ولا للاعتداء على أي جهة من أبناء أمتنا ، وحين تقوم الدولة بمسئوليتها في حمايتنا كمواطنين يمنيين لن نضطر لحمل السلاح في وجه احد، أما حينما تكون الحكومة عاجزة عن حمايتنا ، أو مرتهنة لصالح قوى تستهدفنا فإننا في حالة واحدة هي مواجهة العدوان علينا لن نتردد في دفع الشر والضر عن أنفسنا وعن مجتمعنا .
وهذا حق مشروع في الدين والفطرة الإنسانية { فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ } . مع أسفنا وألمنا على كل قطرة دم تسقط حتى من أولئك الذين يعتدون علينا ويبيحون دمائنا.

- ونؤكد ايضاً على ضرورة أن يخرج مؤتمر الحوار الوطني بمقررات لصالح الشعب اليمني، وليس مقررات مجيرة لصالح حزب او جماعة أو فئة .

إنني اناشد القوى التي لها تأثير على الرئيس والتي أيضاً تستقوي دائماً بالخارج أن تجعل مصلحة الشعب اليمني عامة - وهي منه - فوق مصالحها الضيقة الفئوية أو الحزبية أو الطائفية أو القبلية أو المناطقية وان تتوقف عن مؤامرتها على المرحلة التأسيسية ومقررات فريق بناء الدولة والقضية الجنوبية ، إن من مصلحة الشعب كله بكل مكوناته أن يخرج مؤتمر الحوار بمقررات تسفر عن مرحلة تأسيسية لإنجاز ما تم التوافق عليه في مؤتمر الحوار من معالجات وحلول ، و لإنجاز صياغة الدستور ، ولإنجاز الترتيبات اللازمة لبناء دولة عادلة دولة محررة من أسر القوى التقليدية ، دولة لليمنيين كل اليمنيين ، دولة اتحادية تحل بها مشكلة اخوتنا في الجنوب حلاً عادلاً ، دولة قائمة على الشراكة الوطنية ، مؤسساتها للشعب ،وجيشها للشعب وأجهزتها الأمنية للشعب ، تحقق للشعب طموحاته وآماله التي ثار لتحقيقها ، ونحن مع بقية القوى والمكونات سنعمل ما بوسعنا لتحقيق ذلك ، وعلى شعبنا العزيز المسؤولية للسعي لتحقيق ذلك ، ونحن في طليعته إن شاء الله في الساحات وفي الميادين وفي الحوار وفي العمل السياسي ونشاطنا الثقافي في مسيرتنا القرآنية . مواصلين للمشوار مستشعرين للمسئولية منطلقين من هذه المبادئ الرسالية .

آملين من الله وراجين من فضله ولشعبنا ولأمتنا الازدهار والسلام والعزة وخير الدنيا والآخرة وأن يجعلنا من المتمسكين برسالته و أن يحشرنا في زمرة رسوله خاتم الانبياء محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطاهرين.
والسلام عليكم و رحمة الله تعالى وبركاته.
أسأل الله أن يكتب أجركم ويبارك فيكم أنتم بحق شرف وفخر لشعبنا و أمتنا و هذه الإستجابة الكبيرة و العظيمة دليل وعي عظيم و ولاء لرسول الله محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله
في رعاية الله