أزمة "إصلاحية" !!

فجّر التواصل السياسي مع "الحوثيين"؛ أزمة حادة داخل التجمع اليمني للإصلاح، مع تصاعد انتقادات قيادات وناشطين في التجمع للخطوة التي رأوا فيها "استسلاما" لـ"الحوثي" و"انبطاحا" من قبل قيادات حزبهم، ومع دخول رئيس الهيئة العليا للتجمع على خط تصعيد الأزمة، بنشره منشورا يهاجم ناقدي الحزب، بطريقة استفزت المعترضين أكثر.

وعلمت "الأولى" من مصدر إصلاحي أن اجتماعا استثنائيا على مستوى كبير، عقده التجمع اليمني للإصلاح، أمس، إثر التعقيد الذي تسبب به للأزمة منشور محمد اليدومي، في صفحته في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك".

ولم يفصح المصدر عن طبيعة مجريات الاجتماع، لكنه أشار إلى أنه مخصص لمناقشة الأزمة بين قيادات الصف الأول من الحزب وبين قيادات من مستويات أدنى وناشطين وأعضاء عاديين أيضا.

واتهم إصلاحيون قيادة حزبهم بأن تكليفها لوفد رفيع من الحزب للذهاب إلى صعدة لمقابلة زعيم "أنصار الله"، عبدالملك الحوثي، بهدف "التقارب" والتأسيس لتفاهم سيوقع لاحقا بين الطرفين؛ يعد "استسلاما مخزيا".

وكانت توكل كرمان، عضو مجلس شورى الإصلاح، كتبت في صفحتها في "فيسبوك" تقول: "لو أنكم ذهبتم إلى صعدة قبل اجتياح صنعاء، لقلنا إنكم أصحاب حوار ومحترفو سياسة، أما الآن فأنتم مجرد عبيد للقوة الغاشمة، عن قيادات حزب الإصلاح أتحدث!".

بينما شن عضو مجلس النواب، عضو الكتلة البرلمانية للإصلاح، عبدالله العديني، حملة كبيرة على قرار الإصلاح التقارب مع الحوثيين، وكتب يقول إن الإصلاح فاشل في تحالفاته، وإن تحالفه اليوم مع الحوثيين "لن يكتب له النجاح، لأنه قام على باطل"، ولأنه يستند إلى "سياسة ردود الأفعال".

ودعا العديني، الذي يعد من جناح المتطرفين الدينيين داخل تجمع الإصلاح؛ دعا قيادات حزبه "إلى أن تتصالح أولا مع أهدافها ومنهجها ومشروعها الإسلامي الذي انقلبت عليه وهدمته من أساسه يوم وقعت على مخرجات الحوار".

وقال متحدثا عن تحالفات الإصلاح: "فقد تحالف مع المؤتمر الشعبي، وانتهى هذا التحالف بالفشل الذريع، وانتقل بتحالفه إلى أقصى اليسار، فتحالف مع العلمانيين، وقدم لهم تنازلات يندى منها الجبين، وأعلن الحرب على الفئة المحافظة من علمائه وخطبائه من أجل أن يرضى المشترك عنه، وقرح هذا التحالف جو".

وأضاف: "أدعو الإصلاح إلى أن يتصالح مع علمائه الذين سلط عليهم الناشطين والإعلاميين، فمسحوا بهم البلاط. أدعوه إلى أن يكون شجاعا في إصلاح مساره، والتجديد في قياداته، والعودة إلى رسالته وهويته ودعوته، وإلا فلن يصلح الله له عملا".

وختم العديني منشوره في صفحته بالقول: "يا قادة الإصلاح، لن ينفعكم المطبلون من قواعدكم والمتزلفون، ستدخلون قبوركم وحدكم، والله سيسألكم ماذا قدمتم لدينكم، وماذا خلفتم من دين وقيم ومبادئ للأجيال من بعدكم، فلنتقِّ الله في أنفسنا، والله يوفقكم لما ذكرت".

كما نشر العديني في صفحته في "فيسبوك"، مشاركات لناشطين إصلاحيين يعتبرون ما أقدمت عليه قيادات الإصلاح "خيانة"، وآخرين يتساءلون: "لماذا لا يذهب الإصلاح إلى القاعدة لأنها تيار مسلم سني"، مثلما ذهب إلى الحوثيين.

الناشط الإصلاحي عبدالله دوبلة، كتب بدوره أنه كان مؤيدا لتقارب الإصلاح مع الحوثيين، ولكن قبل سقوط صنعاء، معتبرا أن التقارب الآن ليس غير "انبطاح".

وسُجلت مئات المشاركات والتعليقات من نشطاء إصلاحيين بارزين وغير بارزين، تناهض التقارب الإصلاحي الحوثي، فيما سُجلت مواقف لناشطين وقياديين آخرين يدافعون عن هذه الخطوة، وعن قيادات الإصلاح.

وزاد الطين بلة، محمد اليدومي، رئيس الهيئة العليا للإصلاح، الذي نشر في صفحته في "فيسبوك"، مشاركة تصنف الإصلاحيين 4 تصنيفات، وأثار ذلك المزيد من انزعاج ناقدي خطوة "التقارب" مع الحوثي.

مشاركة اليدومي، التي نشرها أمس الأول، تقول: "اعلم وفقني الله وإياك أن من رفعوا شعار إصلاح الإصلاح من المحبين وغيرهم، أصنافٌ أربعة:

أولهم: مؤمنٌ صادقٌ مُسدَّد، فهذا يتكلّم بحرقة وألم، وتجد في كلماته بريق الإخلاص، ونور العمل، وصدق التضحية، وعرق وغبار الميادين، وشوارع الساحات، وجدران الجلسات، كلها شاهدة تدّل عليه، فهو من إذا قال فعل، وإذا انتقد انتقد سياسة ومنهجاً وأسلوباً لا أشخاصاً ومواقف. لذلك دائما ما ينقد نقدا بناء، ويبحث عن حلول جذرية، وإذا طُلب منه التنفيذ، بادر، بل إنه إيجابي مبادر لا ينتظر تكليفا، بل يعتبر التصحيح والنصح والتوجيه: عبادة يتقرب بها إلى الله تعالى، فيبادر إليها دوما، وعمله تصحيحي على الدوام، ويظل يتدرج في منازل العبودية، بجهاده وتضحياته وعظيم إخلاصه إلى أعلى عليين.. في محافظة على الصف، وحسن أدب مع القيادة، وجميلِ نصح، ودقة تسديد وتوجيه. فهذا يجاهد على بصيرة، ويحمي المؤسسة، بل هو حارس المعبد، وأستاذ الفقه الدعوي.

وهذا تعرفه بسهولة، فهو يحضر عند الفزع والجد، ويغيب عند الطمع، ودائما ما يبحث عن العمل والجد والاجتهاد، مع مراعاة الأدب والاعتراف بالفضل لأهل الفضل. لا يسأل الناس أجرا من ذلك، بل هو عاملٌ أبدا، ناصح أبدا، حارس أبدا، (لا يسأل الناس أجرا)، إنما هو عبدٌ لله يتقلب في عبوديته وخدمة دعوته.

فهذا احتضنوه.

وثانيهم: صادقٌ مخرّب: وهذا صادق في إخلاصه، ولا أحد يشك في ذلك، بل ربما كان أكثر حرقة من الأول، لكنه مخطئ في التسديد، فيأتي النصيحة من النوافذ، ويضرب في الأساسات بمعاول الهدم يحسبها بناءً، فإذا نصح كشف الأوراق، وأضر الصف، وانتقد القيادة نقدا لاذعا، في الملأ وبين الجمهور، على الواتس وعلى الفيس وعلى التويتر، وفي المقوات، وفي الأسواق، ثم يقسم: "والله ما أردت إلا خيرا"!

و"كم من مريدٍ للخير لم يصبه"!

ولمثل هذا يُقال: إن تشريح القيادة، والفت في كيان الأفراد، أقل أضراره أنه يسقط هيبة المؤسسة التي أنت وهو تسعون للف الناس تحت رايتها، فيقتل الشعبية بيده ولسانه، ثم يطالب المؤسسة بتوسيع الشعبية!

فليس من حقك "أن تجادل رؤساءك أمام الناس، فتطعن في قدراتهم وكفاءاتهم وسلطتهم المعنوية.. وقد تُجرِّئ السفهاء عليهم، فتسقط هيبة المؤسسات التي يمثلونها، فرئيسك، الذي هو أعلى منك مرتبة تنظيمية، له "صفة" معنوية تمثل جزءا من هيبة المؤسسة.."، والقدح فيه قدح في المؤسسة، وهذا من أبجديات النصح التي فقهها السلف الصالح والصحابة خصوصا، بعد أن تجرعوا الدم ندما على سوء استخدامهم للنصح في حق القائد عثمان رضي الله عنه -على ضعفه وأخطاء حدثت في خلافته- إلا أنهم أغروا السفهاء بطريقة غير مباشرة، ولم يأخذوا على أيديهم، فكثر اللغط، والانتقاد من الرعاع، حتى ما استطاعوا ردهم، فكان أن قُتل عثمان على المصحف! وكل هذا بسبب الخلط بين شخص عثمان ومقام الخلافة (المؤسسة)، فعثمان شخص بشري يخطئ ويصيب، والخلافة مقامها دين تحفظ للمسلمين حرماتهم، فالحفاظ عليها واجب بكل شيء، فأخطأوا في التفرقة فوقع ما وقع، وأعانوا الرعاع على تشريح القائد عثمان، فسقطت هيبة الخلافة، وما زلنا نتجرّع آلامها إلى اليوم!

وقد جسّد هذا الندم الخليفة بعده علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، بقوله: "رُبّ قول يسيل منه دمُ"، وقال الآخر: "لا أعين بعد اليوم على دم أحد بعد عثمان".. والمقصود أن التشريح أمام الجمهور يغري السفهاء والمتربصين والرعاع بخنق القيادة والدعوة ككل، فيكون هذا الصادق الأعوج والمخلص المسيء يسفك دم الدعوة بيديه، ويعين على إخوانه ودعوته بفكيه... والله المستعان.

فهذا وجهوه واحقنوه بعلاجات تربوية سريعة في الصباح وفي المساء.

والثالث: نرجسي كلامولوجي:

وهذا تجده من أكثر الناس كلاما، وانتقادا، ومثالية، فلا يرى إلا بالمسطرة والمنقلة، ويملأ الدنيا ضجيجا، ولا طحين، وغالبا لا يعجبه عمل، ولا يروق له جهد وتضحية، بل كل ما لم يكن من تحت يده وبعد إذن مشورته، فهو لغو وباطل ومن الكبائر السياسية والدعوية! وكأنه حارس المعبد، وإمام الدعوة، وحاميها وحراميها... فإذا حان وقت الجد، ودقت ساعة الصفر، ونزل الناس إلى الميدان، أغلق هاتفه، وقدّم الأعذار، وتوارى عن الأنظار... وغالبا ما يكون هذا شخصاً مريضاً بـ"حب الظهور" و"الزعامة"، فيحب أن يتصدر وأن يُلتفت إليه، في المجالس، والخطط، مع أنه ربما يشهد الله عليه من فوق سبع سماوات، أنه لم يقدم شيئا لدعوته ودينه يستحق حتى إفشاء السلام..

وهذا من صنف المثبطين، الذين يرون كل عمل أعوج، وكل بضاعة رديئة، فيكثرون اللغو والجدل الماحق للعمل، فيكثرون في المقاوت ومجالس عرقوب، ولهم مع كل حزب سهم، ومع كل قاعدة وقاعدة جلسة ومؤانسة..

وهؤلاء نقول لهم، كما يقول أبو جرّة سلطاني: ابلعوا ألسنتكم، فلسنا بحاجة إلى نصائحكم..

- فليس من حق العاطل أن ينصح العامل، فهذا اختلال في المفاهيم.

- ومن لا ينتفع بتجاربه لا يليق به نقد تجارب الآخرين.

- ومن لا يحب تعريض صدره للرصاص يسعه بيته، ويدعو للمجاهدين بالنصر.. فالدعاء للعاملين عبادة.

- ومن لم يحضّر نفسه للخروج لا يعطل الصف بلغو الكلام، فأعذار: "بيوتنا عورة"، وتبريرات: "لا تنفروا في الحر"، كشف الله أستار أصحابها.

وهذا اختبروه في الميادين، واستأصلوا الأورام المعششة، والأمراض، فإن يصلح فاقذفوه في اليم، وسيظهر بعد ذلك إن يصلح أو لا.

والرابع: حاقدٌ متحاملٌ:

وهذا وجد بغيته، وتهيأت له بيئة حاضنة للتشريح والطعن بلباس الدعوة، وأحاطت به شبهاته ووساوسه، فركب الموجة، واستغل الفرصة، لإسقاط ما تبقى، وحضرته المصالح الشخصية ومشاكل قديمة، ربما وجد الفرصة مواتية للانتقام، وسلق الدعوة بألسنة حداد، فتراه يردد ويرعد، ويسفه أحلام الناس، ويستخف بالقيادة، وبالإيمان، وبالمستقبل، ولو شق الله لنا قلبه، ربما لرأينا استخفافا بالله كذلك!

فيسب هذا ويطعن في نية هذا، ويثبط هذا، ويشكك في جهد هذا...

فهذا أخرجوه من بينكم، وطهروا منه صفكم، فإن اجتمع مع الثالث سحبا الثاني، ولحقهما بسذاجة، فلم يبق إلا الأول حارس المبادئ، وهو على خطر عظيم". (انتهى نص منشور اليدومي).

وسجلت مشاركة اليدومي هذه، والتي نقلها عن ناشط إصلاحي يدعى خالد زوبل، ردود فعل واسعة ساخطة تجاهها، باعتبار أنها تتهم ناقدي خطوة التقارب مع الحوثيين، بـ"الخيانة"، وتقر استحقاقهم لـ"الطرد" من الحزب.

وقد نقلت توكل كرمان مشاركة اليدومي، وعلقت عليها بالقول: "الأستاذ اليدومي في هذا المقال الذي أعاد نشره، يصنف أعضاء حزبه إلى حاقد ومخرب ونرجسي وحراس المعبد! وهناك صنف خامس أورده المقال ضمنياً، وهم كهنة المعبد، وهؤلاء لا يأتيهم الباطل من بين أيديهم ولا من خلفهم... ولا يُسألون عما يفعلون!".

مراقبون علقوا على الأزمة الإصلاحية بأنها قد تمر وتنتهي إلى الهدوء مجدداً، خصوصا أن كرمان نفسها عادت في منشور آخر لها تتساءل في ما يشبه التسليم بـ"التقارب"، عما إذا كان الإصلاح والحوثيون سينفذون الاتفاق هذا في النهاية، أم أنهم سيتنصلون عنه كما اتفاقات سابقة.

غير أن الأزمة بمجملها، وبغض النظر عن نتائجها، أعادت للواجهة، لدى شباب الإصلاح، سؤال الكفاءة لدى قيادات التجمع، وعما إذا كانت هذه القيادات لا تزال قادرة على قيادة الحزب، في هذه الظروف، وتعتقد طائفة من هؤلاء الشباب أن القيادات الحالية تجاوزها الزمن، وأنها أصبحت عبئا على التجمع.

بينما انتشرت تفسيرات أخرى لـ"التقارب" لدى أوساط أخرى إصلاحية أيضا، حيث ذهب بعض الإصلاحيين إلى اتهام ما وصفوها بـ"الهاشمية الإصلاحية"، بالوقوف وراء الأمر، في إشارة منهم إلى زيد الشامي، رئيس الكتلة البرلمانية للحزب، الذي يقول ناشطون إنه والقيادي الآخر في التجمع، عبدالرحمن العماد، من يقفان وراء التقريب بين حزبهما والحوثيين، بينما فضل آخرون، من الإصلاحيين أيضا، القول إن السبب في هذا التقارب مناطقي، وبدأ هؤلاء يتحدثون عن كون معظم القيادات الفاعلة على رأس الإصلاح، تنتمي إلى المنطقة "الزيدية" نفسها التي ينتمي إليها الحوثيون، مشيرين بشكل خاص إلى اليدومي والآنسي والزنداني وغيرهم.