في حبّ «داعش»... مواقع التواصل في الغرب تتقدّم

يتقمص ساسة أميركا وأوروبا هيئة من يخلص العالم من خطر التكفيريين الظلاميين، ويحشدون جيوشهم في بلاد الشرق المنهك من جراء سياساتهم وهم، على ما يبدو، لا يدرون أن الكثيرين من مناصري فكر «داعش» يقيمون في بلاد «الغرب السعيد».

في حبّ «داعش»... مواقع التواصل في الغرب تتقدّمفقد نشرت «ذا غارديان» مؤخراً دراسة قام بها مجموعة من الباحثين الإيطاليين، سعوا من خلالها إلى تتبع ذكر تنظيم «داعش» في وسائل الاتصال الاجتماعي والمقالات الإخبارية على شبكة الانترنت بين شهري تموز وتشرين الأول الماضيين. وأظهرت الدراسة أن نسبة الدعم الذي يبديه مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي باللغة العربية في بلجيكا وبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة، أعلى بكثير من نسبتهم في سوريا والعراق.

تعتبر هذه الدراسة أوّل دراسة تحليليّة دقيقة على نطاق واسع، شملت أكثر من مليوني منشور من قبل أوروبيين متحدّثين بالعربية أجرتها شركة "أصوات من المدوّنات". الشركة مشروع أسَّسه عدد من الأكاديميين في جامعة ميلانو من أجل دراسة الآراء التي يتمّ تناقلها عبر الانترنت بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي والمنتديات والمدوّنات والمواقع الإخباريّة. ويعدّ المشروع رائداً في التوصّل إلى تقنية جديدة تعمل على تحليل المشاعر بشكل دقيق عبر لوغاريتمات يتمّ «تدريبها بشكل يدوي»، من أجل فهم الطبيعة المعقَّدة لسياق اللغة البشرية، وما تحتويه من تهكم ومزاح وصور بيانية وعبارات عامية.

وعبر تصيّد كلمات بعينها مرتبطة بإشكالية «داعش» مثل سوريا أو العراق أو خليفة أو جهاديين أو أبو بكر البغدادي، استطاع فريق الدراسة حصد ما يزيد عن مليوني منشور بنسبة 93 في المئة من موقع «تويتر»، والنسبة الباقية كانت من صفحات «فايسبوك» العامة والمنتديات والمدوّنات الأخرى.

برعت «داعش» في تشغيل ماكينة إعلامية موجهة إلى الغرب، تتحاشى قوانين التحكم بالمحتوى، وتنجح بالتسلّل عبر الشبكة ونشر رسالتها إلى الآلاف من مناصريها حول العالم... وأثمرت جهودها على ما يبدو لتظهر أرقاماً صادمة: حوالي 24 في المئة من المنشورات في المملكة المتحدة، و21 في المئة في الولايات المتحدة، و31 في المئة في بلجيكا، و16 في المئة في ألمانيا، و21 في المئة في فرنسا أبدت مناصرة واضحة لـ»داعش» ومشاعر إيجابيّة تجاه فكر التنظيم وأساليبه.

فيما ظهر أنّ «داعش» يخسر المناصرين على «جبهاته الداخلية» حيث تبيّن أنّ حوالي 93 في المئة من التغريدات والتعليقات في سوريا كانت معادية للتنظيم، في حين قلَّت نسبة المشاعر السلبية تجاه «داعش» في العراق لتصل إلى حوالي 80 في المئة. ومن جهة أخرى تبوأت قطر المكانة الأولى في العالم العربي بنسبة تصل إلى حوالي 48 في المئة من المنشورات الإيجابيّة التي تناصر «داعش»، وأتت السعودية وباقي الدول العربية بعدها بنسب تقارب 20 في المئة.

أما الأسباب الكامنة وراء هذه النسب فقد تعدّدت أيضاً. تلاقت النسبة الأكبر من المشاعر الإيجابية تجاه «داعش» (37 في المئة) مع تلك النسبة الأكبر للمشاعر السلبية (32,8 في المئة) حول شرعية «داعش» الدينية؛ حيث يعتقد مناصرو التنظيم أنه يدافع عن الإسلام ويعمل على توحيد المسلمين، تحت راية الدولة الإسلامية المختلقة، فيما يرى أولئك الذين يقفون ضدّ التنظيم أنه يستخدم الإسلام لأغراض سياسية ومنافع شخصية، وبالتالي فهو يشوه صورة الإسلام الصحيح. واندرجت باقي أسباب المشاعر السلبية المعادية لـ«داعش» تحت بنود الإرهاب وقمع الحريات والعنف.

ولخيبة أمل أميركا وحلفائها ــ إذ لطالما استخدمت هذه الحجة في العدوان على المنطقة ــ أتت نسبة 8.3 في المئة فقط من المنشورات لتعبر عن دعمها للتنظيم بسبب قتاله للغرب وكراهيته. ولقد تابعت الدراسة أيضاً التحول في المشاعر التي تظهرها المنشورات وفقاً للمجريات على الأرض، فأحداث مثل الاعتداء على الأيزيديين وحصار الأكراد في كوباني وإعدام الرهائن أنتجت زيادة في مشاعر العداء السلبية تجاه داعش بسبب عنف التنظيم ووحشيته.

من جهة أخرى عمل الفريق على تجميع وتحليل أكثر من 90 ألف مقالة إخبارية باللغة العربية من أجل مقارنتها مع منشورات وسائل التواصل الاجتماعي. وهكذا توصلت الدراسة إلى أن تلك المقالات تظهر عدائيّة واضحة ضدّ «داعش» بنسبة كبيرة على الدوام، ولا يمكن أن يوجد أي ارتباط إحصائي بين الحالتين ما قد يشير إلى أن الإعلام الرسمي لا يتحكم بالآراء في الانترنت.

•صفحة تفاعلية من موقع "ذا غارديان" تظهر النتائج الدقيقة للدراسة:

http://www.theguardian.com/world/ng-interactive/2014/nov/28/views-of-isi...

* نقلا عن جريدة السفير اللبنانية