رجال السعوديّة في اليمن: عملاء يفتخرون وآخرون متخفون.

اليمن يحكمه عملاء. يعرف اليمنيون هذا الأمر منذ وقت طويل وتصالحوا معه. أظهروا نوعاً غريباً من التسامح تجاه كثيرين من ساستهم، أمعنوا في إفقار وافساد بلادهم بالتزامن مع استلامهم مبالغ مالية كبيرة من خزينة جارتهم السعودية، على شكل رواتب شهرية من خلال ما يُسمى بـ «اللجنة الخاصة»، التي تم تأسيسها مع تقدم الثورة اليمنية في التخلص من الحكم الإمامي نهاية عام 1962.
 
اللجنة، التي كان من مهامها في بداية الأمر دعم الملكيين من أجل وأد الثورة الوليدة، ما لبثت أن ضمت في لوائحها العديد من الجمهوريين، لتثبت في نهاية المطاف على أسماء تفوق السبعة والعشرين ألف اسم، من كبار القادة والسياسيين وشيوخ القبائل والأكاديميين والقادة العسكريين والصحافيين والمثقفين، بميزانية كانت قد بلغت وقت ذروتها نحو 300 مليون دولار (نحو مليار ريال سعودي) شهرياً. لكن هذه الميزانية تقلصت تدريجياً إلى أن بلغت 56 مليون ريال.

وكان من الأهداف الرئيسية لهذه اللجنة، كسب ولاء كبار رجال الدولة اليمنية وضمان انصياعهم لتوجيهات العائلة المالكة، لضمان عدم تقليبهم في الملف الحدودي، الذي كان عالقاً بين البلدين، قبل أن تتم تسويته عبر توقيع اتفاقيات مجحفة في حق اليمنيين.

اليمنيون كانوا يعرفون بأمر هذه اللجنة. ويعلمون بعض الأسماء الكبيرة التي تضمها، وعلى رأسهم اسم الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، الذي كان أحد كبار رجال القبائل في اليمن، ورئيساً لمجلس النواب فيه لأكثر من عقدين. وكان الأحمر أحد أكبر المشائخ الذين لا يخفون إعلان ولاءهم للسعودية. لكن أمر المبالغ المالية بقي في نطاق الشائعات، غير المثبتة بوثائق رسمية مؤكدة. إلاّ أن الأمر اختلف مطلع الأسبوع الماضي، عندما نشرت صحيفة «الشارع» اليمنية لائحة أسماء من تقول إنهم يستملون رواتب شهرية من اللجنة السعودية الخاصة، محددةً مقدار المبلغ المالي الذي يتسلمه كل اسم، ومشيرةً إلى أن لائحة أسماء طويلة تتكون من 27 ألف اسم ستقوم بنشرها تباعاً.

وجاء على رأس تلك اللائحة، الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، براتب شهري مقداره 40 مليون ريال سعودي، لكن صالح أصدر بياناً تكذيبياً، نفى فيه صحة هذا الخبر. كذلك، تبين أن اللواء المنشق علي محسن الأحمر، قائد الفرقة الأولى مدرع، ينال راتباً شهرياً مقداره 3 ملايين ريال بصفة شخصية إضافةً لمبلغ عشرة ملايين ريال من وزارة الدفاع السعودية تحت بند «محاربة الروافض». والمقصود هنا مواجهة توسع جماعة الحوثي في صعدة وفي المناطق الشمالية. أما أولاد الشيخ عبد الله الأحمر، فجميعهم يستلمون رواتب شهرية تبدأ من مبلغ ثلاثة ملايين ريال وتنتهي بالمئة ألف ريال سعودي.

وإلى هؤلاء جاءت أسماء شخصيات أخرى بارزة في الدولة، ومعظمهم ممن انضوى تحت راية ثورة الشباب اليمنية وتقدم صفوفها الأولى إضافة لأسماء كبيرة من قادة الحراك الجنوبي أو من قادة اليمن الجنوبي سابقاً، وعلى رأسهم الرئيس السابق علي ناصر محمد، ورئيس الحكومة اليمنية السابق حيدر أبو بكر العطاس.

ومن الأحزاب السياسية، ظهر اسم حزب التجمع اليمني للإصلاح الذي كشفت الوثيقة أنه يستلم مبلغاً شهرياً مقداره ثلاثة ملايين ريال. وكان من الطبيعي أن يؤدي نشر هذه الاسماء للمرة الأولى إلى إحداث جدل كبير. الفئة المرحبة بمسألة النشر، اعتبرت أن ظهور هذه الأسماء، إنما يوضح بشكل أكيد ويفسر عمليات التواطؤ التي كانت السلطة الحاكمة تبديها أمام القرار السعودي الخاص بالشأن اليمني.

ورأى الباحث يحيى النصيري، أن مسألة نشر هذه الأسماء، «إنما تستوجب المساءلة والمحاسبة كونها تندرج تحت فعل الخيانة العظمى والتفريط في المصلحة العليا للبلد». ولفت في حديث مع «الأخبار» إلى أن ظهور بعض الأسماء الكبيرة، التي أعلنت وقوفها إلى جانب ثورة الشباب اليمنية، في لائحة اللجنة الخاصة «إنما يدفع لإعادة النظر في الأسباب التي دفعتها لإعلان وقوفها إلى جانب الثورة وبالتالي دعمها للمبادرة الخليجية السعودية».

في موازاة ذلك، رحب فريق آخر بنشر أسماء «رجال السعودية في اليمن»، لكنه تحفظ على التوقيت والانتقائية، وخصوصاً أن النشر جاء تحديداً في اليوم الموافق لمرور عام بالضبط على حادث انفجار مسجد الرئاسة الذي كاد أن يودي بحياة صالح. وقال مصدر مطلع في أحزاب اللقاء المشترك، فضل عدم ذكر اسمه، في حديث مع «الأخبار»، إن نشر هذه الأسماء وفي هذا التوقيت «لم يحدث إلا ليصب في مصلحة الرئيس المخلوع صالح بنية ابتزاز السلطات السعودية، التي بدأت بمد يدها بشكل إيجابي لحكومة التوافق الوطني».

وأضاف «من شأن هذا، أن يعمل على تعطيل التنسيق الذي يتم بين الجانبين». وأشار المصدر المطلع إلى أن الصحيفة التي نشرت الأسماء معروفة بقربها من الرئيس المخلوع ومن مطبخه الإعلامي، «وهو ما يضرب مصداقية توقيت النشر ومسألة انتقائية الأسماء التي تركزت في مجموعة اسماء عُرفت بمواقفها الداعمة لثورة الشباب، الأمر الذي يعمل على إثارة البلبلة في صفوف شباب الثورة».