باحثون أميركيون: العدوان السعودي على اليمن مصيره الفشل


العدوان السعودي الأميركي على اليمن لا يسير في طريق تحقيق أهدافه، وإنما هو يقود السعودية بشكل أساس إلى الغرق في المستنقع اليمني، ما يؤثر على الوضع داخل السعودية نفسها. والنصيحة للإدارة الأميركية هي أن أفضل ما يمكن أن تقوم به هو أن تبقي بلدها بعيدة عن التورط في هذا السيناريو المخيف.

هذه الرؤية نابعة من قراءة سريعة لعدد من الدراسات والأوراق البحثية والتقارير الأولية التي أعدّتها بعض مراكز الدراسات والأبحاث الأميركية، في إطار مواكبتها للتطورات الدراماتيكية التي يشهدها اليمن مع بدء العدوان العسكري على أراضيه.

واللافت هنا أن التشاؤم هو الطاغي على التقارير التي نشرتها هذه المراكز حول ما يجري في اليمن. تشاؤم ينسحب من الحديث عن الوضع في الساحة اليمنية نفسها إلى الحديث عن انعكاسات ما يحصل هناك على الوضع في الإقليم، وحتى على المستوى الدولي.

تُجمع ثلاث أوراق بحثية نشرت من قِبل مركزين معروفين عالمياً للدراسات، ومجلة لها وزنها في الشأن السياسي، على عدة مسائل لافتة في الشأن اليمني، من أبرزها:

ـ التطورات في اليمن ناجمة عن تداعيات أزمة داخلية، والمبالغة في الحديث عن ارتباط حركة أنصار الله بإيران هو عمل دعائي سعودي بامتياز.
ـ الغارات الجوية لا تجدي نفعاً إن لم تترافق مع تدخّل برّي
ـ التدخل البري في اليمن سيكون كارثة على السعودية
ـ يجب أن تبقى الولايات المتحدة بعيدة عن التورط العسكري بالموضوع اليمني، وأن يكون تأييدها لما يجري هادفاً لتحصيل القدرة على ضبط حلفائها.

يقول "كينيث بولاك" في مقال نشر على موقع معهد برووكينز "إن ما يحصل في اليمن خطير جداً"، مشيراً إلى أنه "من غير المرجح أن تؤدي هذه التطورات إلى تحسين الأوضاع هناك"، مضيفاً أن هذه التطورات ستفرز "مخاطر على استقرار المملكة العربية السعودية على المدى المتوسط والطويل".

يرى بولاك أن السعودية تعاني من تحديات داخلية كبيرة ومن أزمة مالية، وهي تشهد الآن تغييراً سياسياً كبيراً مع وفاة الملك عبدالله واعتلاء الملك سلمان العرش، وفوق ذلك فالمملكة تفتقر إلى القدرة العسكرية للتدخل بشكل حاسم في اليمن، وإذا كانت ستحاول ذلك من خلال إرسالها أعداد كبيرة من القوات البرية، فإن النتيجة الأكثر احتمالاً سوف تكون الجمود المرهق الذي سوف يستنزف الموارد العسكرية، والاحتياطيات المالية، والإرادة السياسية في السعودية. كما يمكن أن يغضب هذا الجمود بسهولة قطاعات رئيسة من السكان؛ فالبعض سيغضب لأنه بعد كل ما دفعته السعودية من نفقات على التسلح، ما زالت قدراتها العسكرية منخفضة جداً، والبعض الآخر سيغضب أيضا لأن الكثير من المال سوف يهدر على المستنقع الذي لا معنى له في اليمن بدلاً من أن يُنفق على معالجة المشاكل المحلية الحرجة.

الخطر الرئيس الآن هو أن القوى الغربية والمملكة السعودية، ومعهما مصر، قد تصعّد الموقف وتتدخل بريّاً في اليمن تحت حجة مواجهة النفوذ الإيراني، أو من أجل سحق جهود تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية لكسب المزيد من الأراضي في اليمن، حسب ما يرى "آدام بارون" في مجلة بوليتيكو الذائعة الصيت. إن هذا التدخل البري هو أسوأ ما يمكن أن يحصل الآن، لأنه سيؤدي إلى المزيد من أقلمة ما لا يزال في إطار المعركة المحلية، وذلك عن طريق حقن نغمة طائفية أقوى في الصراع.

ويرى بارون أنه "إذا اتخذنا التاريخ كمرجع للأحداث، فإنه يمكن القول إن التدخل الأجنبي لا يمكن إلا أن يفاقم الأوضاع"، منتهياً إلى القول "إن الدولة التي تسعى إلى جعل المعركة في اليمن معركتها الخاصة ستكون على الأرجح في الجانب الخاسر من المعادلة".

هذا التوقع لا ينفرد به براون وحده، بل يشاركه فيه "فردريك ويهري" في مقال نشره على موقع معهد كارنيغي للدراسات، رأى فيه أن "الأثر الذي سينتج عن تدخل بَرّي سعودي في اليمن هو خلق المزيد من الانقسامات على الأرض اليمنية. ولكن الأهم أن تدخلاً كهذا سيؤدي إلى تعزيز دعم شعبية "الحوثيين" كمدافعين عن السيادة اليمنية، كما سيخلق المزيد من الفرص لـ "القاعدة في جزيرة العرب" ولـ "الدولة الإسلامية (داعش)" للازدهار".

لذلك يرى ويهري أنه من غير الواضح ما هو الوضع السياسي النهائي لعملية التدخل السعودية في اليمن، والتي أتت ـ بعد فوات الأوان ـ من أجل حماية حلفاء السعودية التقليديين على أرض الواقع في اليمن، فالفصائل الموالية (للسعودية) مثل الميليشيات القبلية القوية وعلى رأسها آل الأحمر، ومختلف الجماعات السلفية، وحكومة الرئيس المخلوع عبد ربه منصور هادي، كلها تعرضت لضربات حاسمة من قبل "الحوثيين" منذ بدء تقدمهم جنوباً بشكل جدي في منتصف العام 2014. ويتابع: "إن المملكة السعودية تفتقر إلى حليف قوي على الأرض لاستغلال الهجمات الجوية". وإذ يعتبر أن هذه الهجمات قد لا تكون كافية، يعود ويهري إلى الحقيقة التي أكّدها قبله بارون ومفادها "أن التاريخ يُظهر أن الضربات الجوية دون قوات برية على الأرض لا تُتنتج انتصارات حاسمة".

من هنا ينبغي أن تلعب الولايات المتحدة دورها الوحيد: دعوة السعودية إلى التراجع قبل التورط في ما لا تُحمد عقباه. يقول بولاك في مقاله: "أزعم أن السبب الوحيد الجيد لدعم التدخل العربي السعودي في اليمن هو كسب الوعي الظرفي بعمليات هذا التدخل وكسب النفوذ الذي يسمح بمنع هذه الدول من التورط أكثر." ويخلص إلى القول  أن "هذه واحدة من تلك الحالات التي تتطلب من الولايات المتحدة أن تكبح جماح حلفائها حفاظاً على مصالحهم".

فهل يستجيب الحلفاء المتهورون لهذا الدور الأميركي، أم أنهم سيذهبون بالتورط إلى النهاية، نهايتهم طبعاً قبل أي أحد آخر على سطح الكرة الأرضية