اليمن .. سنة أولى ثورة ... (3-3)

في يوم 15 يناير/ كانون الثاني من العام الماضي، خرج طلاب جامعة صنعاء في تظاهرة تحتفل بانتصار الثورة التونسية وسقوط أول رئيس نظام، كما استمروا ضمن تظاهرات نظمتها المعارضة لمناهضة مشاريع نظام الرئيس علي عبدالله صالح في تعديل الدستور والقانون الانتخابي في التعبير عن غضبهم بالتظاهر بشكل يومي، فيما عزز سقوط ثاني رئيس نظام في مصر فرصهم في إسقاط النظام المستمر منذ 33 سنة .

في واحدة من المقاربات التي يتناقلها شبان الثورة لمصير الرئيس المنتهية ولايته على عبدالله صالح بعد عام من الثورة المطالبة بإسقاط نظامه، يشير هؤلاء إلى المصير الذي اختاره في التنحي عن الحكم والذي كان “من جنس العمل”، فالرجل طالما اعتمد المناورة طوال فترة حكمه لليمن فكانت النهاية أن انهي مسيرته السياسية بمناورة سرقت من شبان الثورة فرحة الانتصار وزجت بالجميع في دوامة تجاذبات وانقسامات لن تنتهي .

برأي هؤلاء فإن مصير صالح تفرد عن نظيره المصري محمد حسني مبارك الذي انتهت حياته بين السجن والمحكمة وهو السيناريو الذي طالما أرهق به خصومه السياسيين خلال سني حكمه، ومختلفاً عن مصير نظيره التونسي زين العابدين بن علي الذي اختار المنفى منتهى لحياته السياسية في سيناريو تطابق مع المصير الذي طالما عصف بمعارضيه الذين أمضوا جزءاً كبيراً من حياتهم في المنفى، كما كان مختلفاً عن مصير نظيره الليبي معمر القذافي الذي انتهى بعملية قتل مهينة .

لكن التسوية التي حملت علي صالح إلى واشنطن محروساً بامتيازات رئيس وقانون للحصانة له قوة الدستور أخرجه من تركة ثقيلة من الأخطاء والجرائم التي ارتكبها خلال 33 سنة من حكمه لليمن، كانت في الواقع حصيلة مناورات طويلة خاضها الرجل مع خصومه السياسيين ومع شبان الثورة وكذلك الوسطاء الدوليين ما يفسر حال الشكوك والانقسام الذي اكتنف هذا الاتفاق .

ورغم أن اتفاق التسوية الخليجي ألحق بآلية تنفيذية تفصيلية، إلا أنه لا يزال غامضاً بالنسبة لكثيرين، في حين أن أطراف المعادلة السياسية لا تزال تعتمد في قراءتها على لجنة خاصة تضم خبراء ومسؤولين ووسطاء دوليين وهذا اللجنة هي الوحيدة المعنية بتفسير بنود الاتفاق .

يقول شبان الثورة إن الشكوك بشأن نيات صالح وما يخطط له لا تزال حتى اليوم حاضرة بقوة حتى بعد تدشين إجراءات العملية الانتخابية للرئيس الجديد إذ إن الشارع اليمني اعتاد من صالح لعقود جمع المتناقضات في سلة واحدة، تماماً كما اعتاد منه المفاجآت في أحلك الظروف .

واختار صالح بعدما قرر الرضوخ لمطالب شعبه وضغوط المجتمع الدولي مغادرة اليمن إلى أمريكا للعلاج، حيث أعلن قبل مغادرته اليمن أنه قرر التواري عن الأنظار لحين الانتهاء من الانتخابات الرئاسية المبكرة على أن يعود بعد الانتخابات لتسليم الرئيس الجديد مقاليد الحكم، لكنه عاد وأعلن عزمه العودة قبل الانتخابات للمشاركة فيها ليفجر زوبعة حشرت الجميع في نفق التخمينات .

مسار التسوية السياسية

أنتج تصاعد التظاهرات المناهضة لنظام صالح والقمع الوحشي للمحتجين السلميين وضعاً ملبداً بالمخاوف أنتج بدوره مبادرات للحل السياسي بدأتها هيئة علماء اليمن التي قادت جهود وساطة لحل الأزمة سلمياً، وأفضت إلى مبادرة من سبعة بنود قضت بتأليف حكومة وحدة وطنية بين الحكم والمعارضة وإلغاء التعديلات المقرة على قانون الانتخابات وإعادته إلى المداولة على قاعدة التوافق وإلغاء مشروع تعديل الدستور المقدم من الحزب الحاكم وتأليف لجنة وطنية من الحكم والمعارضة للبحث في صيغة التعديلات ومحاكمة المتورطين بقضايا الفساد وإطلاق سراح المعتقلين واختيار لجنة من خمسة قضاة كهيئة مرجعية للفصل في النزاعات ووقف الحملات الإعلامية والتهيئة للحوار، فيما أضاف صالح بنداً ثامناً يقضي بوقف المعارضة التظاهرات والاعتصامات بما يكفل إزالة أعمال الفوضى والتخريب والاحتقان .

وعلى الرغم من أن صالح قبل مبادرة علماء الدين، إلا أنه عاد ورفضها كلياً، بعدما طالبت المعارضة منه تحديد آليات لتنحيه عن الحكم وضمان انتقال سلمي للسلطة خلال عام وضمان حرية الاحتجاجات والاعتصامات السلمية في سائر مناطق اليمن ما دعا هيئة علماء اليمن إلى إعلان ذلك، وبعد فشل جهود علماء الدين في الوصول إلى تسوية للأزمة دعا صالح إلى عقد مؤتمر وطني يشارك فيه 40 ألفاً من وجهاء القبائل والشخصيات السياسية للخروج بحل شامل للأزمة يجنب اليمن ويلات الحرب والانقسام، غير أن المعارضة رفضت التعاطي مع هذه الدعوة كونها تجاهلت مطالب المحتجين بتنحيه واقترحت انتخاب برلمان يتولى صياغة دستور جديد يتيح الانتقال إلى النظام البرلماني والحكم المحلي كامل الصلاحيات ويخضع للاستفتاء الشعبي بحلول نهاية السنة الجارية سعيا إلى تجاوز الأزمة .

ولم يقدم صالح جديداً في هذا المؤتمر الذي حشد له عشرات الآلاف من أنصاره وسط العاصمة إذ أعلن عن مبادرة لتأليف حكومة وفاق وطني لإعداد قانون جديد للانتخابات يستوعب نظام القائمة النسبية تقره بالإجماع الكتل السياسية للحكم والمعارضة في البرلمان وتأليف لجنة عليا لتنظيم الانتخابات النيابية .

وتجنب صالح الخوض في القضايا الخلافية ومنها الانتخابات وتنحي الرئيس سلمياً قبل انتهاء فترة ولايته الرئاسية الأخيرة في ،2013 واقترحت خطوات تأليف لجنة من مجلسي النواب والشورى والفاعليات الوطنية لإعداد دستور جديد يرتكز على الفصل بين السلطات ويخضع لاستفتاء شعبي بنهاية 2011 على أن يتيح الدستور الجديد الانتقال إلى النظام البرلماني ونقل سائر الصلاحيات التنفيذية إلى الحكومة البرلمانية بحلول العام 2012 وكذا الانتقال إلى نظام الحكم المحلي كامل الصلاحيات استناداً إلى اللامركزية المالية والإدارية واعتماد نظام الأقاليم في التقسيم الإداري للجمهورية وفقاً للمعايير الجغرافية والاقتصادية .

مشروع المجلس الانتقالي

كان لشبان الثورة مبادراتهم في وضع خريطة طريق للخروج من الأزمة، إذ أعلن التحالف المدني للثورة الشبابية عن طرح “مشروع تأليف المجلس الوطني الانتقالي” لطي صفحة حكم صالح للنقاش متضمناً خطة مزمنة لانتخاب مجلس انتقالي من سائر القوى السياسية وممثلين عن المحافظات أملاً في صيغة نهائية تطوي صفحة نظام صالح .

استهدفت هذه الخطوة “إسقاط نظام صالح ومنظوماته الفاسدة ومحاكمة رموزه ومعالجة القضية الجنوبية وقضية صعدة وتأليف حكومة كفاءات مؤقتة، وحدد الثوار مهمات للمجلس الانتقالي ومنها تحديد فترة انتقالية تبدأ بإعلان دستوري وتعيين حكومة انتقالية وتعيين المحافظين، بما في ذلك محافظ البنك المركزي وبسط سلطة المجلس على جميع الأراضي اليمنية وإعادة الحياة إلى طبيعتها وتخفيف معاناة المواطنين اليمنيين بشكل فوري والعمل على توفير الخدمات والترتيب لانتخابات حرة ونزيهة للجمعية الوطنية والتي ستتولى صوغ الدستور بعد اكتمال تعيين ممثلين في المجلس الانتقالي من جميع المحافظات” .

الخليج والعالم

لاحت مؤشرات الانفراج في أزمة نقل السلطة مع التصعيد في الموقف الأمريكي الذي عبر عنه مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان بدعوته من صنعاء إلى البدء فوراً بإجراءات نقل السلطة لضمان حال الأمن والاستقرار في اليمن إلى تأكيده دعم واشنطن المبادرة الخليجية التي قال إنها “ستنفذ لا محالة”، متجاهلاً اعتراضات الدائرة القريبة من الرئيس صالح التي ترفض البحث في هذا الملف لحين عودة الرئيس .

وجاءت تصريحات فيلتمان بعد مباحثات عقدها في صنعاء مع المشير هادي وقادة المعارضة في تكتل اللقاء المشترك وأكد في ختامها أن واشنطن تريد انتقالاً فورياً وسلمياً للسلطة يتيح بناء دولة تفي بمتطلبات مواطنيها إلى تلويحه بإمكان بحث القضية اليمنية في مجلس الأمن الدولي في حال أخفقت جهود تنفيذ المبادرة الخليجية التي قال إن واشنطن تدعمها بوصفها الطريق الآمن للخروج من أزمة نقل السلطة .

لم يمض الكثير من الوقت حتى أصدر مجلس الأمن بيانا عبر فيه عن “قلقه العميق إزاء الوضع في اليمن وحض سائر الأطراف على إظهار أقصى درجات ضبط النفس والمشاركة في حوار سياسي ما خفف من حدة غضب نظام صالح الذي أعلن ترحيبه بالبيان وبجهود الوساطة المستمرة لمجلس لتعاون الخليجي لمساعدة الطرفين على التوصل لاتفاق انطلاقاً من التوافق بين الأطراف السياسية اليمنية وبما يحافظ على وحدة اليمن وأمنه واستقراره” .

وعلى وقع تحركات دولية بدأها مجلس الأمن لإصدار قرار ملزم يرغم صالح على التنحي والتوقيع على المبادرة الخليجية بعد رفض توقيعها عدة مرات وفوض إلى نائبه صلاحيات الحوار مع المعارضة بشأن المبادرة والتوقيع عليها أعلنت صنعاء رفضها أي تدخل خارجي في شؤونها الداخلية وانتقدت المطالب الدولية لصالح بالتنحي وتوقيع المبادرة الخليجية واعتبرت تصريحات الدبلوماسيين الأجانب “غير الحصيفة” ناتجة “عن سوء فهم للأزمة وتشجع العناصر المتشددة والخارجة عن القانون للمزيد من العنف ونشر الفوضى والتخريب والإرهاب” .

وإذ دعا البيان الرئاسي أحزاب المعارضة في تكتل اللقاء المشترك إلى مواصلة الحوار مع نائب الرئيس لصوغ رؤية توافقية لآلية مزمنة لتنفيذ المبادرة الخليجية فقد دعت دول الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي إلى “النظر بحيادية مطلقة للأعمال والممارسات الإرهابية والتخريبية المغلفة بدعاوى التظاهرات السلمية” .

لم تكن هذه التطورات سوى نتيجة لفشل جهود قادتها صنعاء لإقناع دول مجلس التعاون الخليجي بخطة يتبناها صالح للخروج من الأزمة تقضي بتنظيم انتخابات مبكرة ورفضت من سائر العواصم الخليجية، خصوصاً أنها تجاهلت كلياً المبادرة الخليجية التي قالت صنعاء إنها غير قابلة للتنفيذ ما أخضعها لسلسلة تعديلات استقرت تالياً عند النسخة التي وقعتها المعارضة وحزب المؤتمر في العاصمة صنعاء قبل شهور من توقيع صالح عليها .

قرار مجلس الأمن

بعد يوم من إصدار مجلس الأمن قراره الرقم ،2014 أعلن صالح ترحيبه بالقرار الأممي الذي طالبه التوقيع فوراً على المبادرة الخليجية بما يؤدي إلى اتفاق سياسي مقبول لدى كافة الأطراف وضمان نقل السلطة بطريقة سلمية وديمقراطية بما في ذلك إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، لكن صالح تجاهل البنود الأولى من القرار التي تدعوه للتوقيع على المبادرة الخليجية والشروع بإجراءات نقل السلطة، ولاحظ أن القرار أكد في بنده الرابع على “رأيه المتمثل في القيام في أسرع وقت ممكن بالتوقيع على اتفاق تسوية قائم على مبادرة دول مجلس التعاون الخليجي وأن تنفيذ هذا الاتفاق أمر لابد منه لبدء عملية انتقال سياسي جامعة ومنظمة يقودها اليمن” .

خطة التسوية النهائية

بعد أيام من المشاورات والجهود الدبلوماسية التي بذلت لإنقاذ اتفاق التسوية ووسط تهديدات بإجراءات رادعة من مجلس الأمن الدولي على نظام صالح أفلح مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة جمال بن عمر في التوصل إلى خطة للتسوية السياسية بناء على تفويض من علي صالح تضمنت الخطوات المزمنة لتنفيذ المبادرة الخليجية في مرحلتين لمدة سنتين يتم خلالها استكمال إجراءات تنحي الرئيس صالح ونقل سلطاته إلى نائبه وتنظيم الانتخابات النيابية الرئاسية .

واقترحت الخطة في مرحلتها الأولى فترة انتقالية من تسعين يوماً تبدأ من تاريخ توقيع المبادرة الخليجية والآلية التنفيذية وتنتهي بتنظيم انتخابات رئاسية مبكرة في موعد أقصاه فبراير الجاري لانتخاب هادي رئيساً توافقياً للفترة الانتقالية الثانية التي تستمر سنتين تبدأ من تاريخ إعلان نتائج الانتخابات المبكرة وتنتهي بتنظيم انتخابات برلمانية ثم رئاسية وكذلك تنظيم استفتاء شعبي على الدستور الجديد .

وقضت الخطة بنقل سلطات الرئيس كاملة إلى نائبه وفق صيغة قانونية تضمن عدم جواز نقض قرارات نقل سلطات الرئيس تحت أي ظرف كان خلال فترة ال 90 يوماً يمارس فيها هادي صلاحيات الرئيس مع احتفاظ صالح بلقب رئيس فخري لحين تنظيم الانتخابات الرئاسية المبكرة في ال 21 من فبراير/ شباط 2012 تسبقها مصادقة البرلمان على قانون للحصانة يمنح صالح الحصانة القانونية والقضائية الكاملة ومعاونيه حصانة من القضايا التي لها أبعاد سياسية .

فعالية التوقيع

في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011 وقع صالح على المبادرة الخليجية منهيا بذلك فصلاً طويلاً من مفاوضات للتسوية استمرت شهوراً، ما أشاع الآمال لدى الشارع في أن تطوي هذه الخطوة صفحة حكم صالح المستمر منذ 33 سنة .

بعد أيام من تأليف مرشح المعارضة رئيس المجلس الوطني لقوى الثورة محمد سالم باسندوة الحكومة الانتقالية شرعت الحكومة في ترتيبات إصدار قانون الحصانة، وفي ال 21 من يناير/ كانون الثاني، حسم مجلس النواب تداعيات أزمة تحصين على صالح بعد موجة جدل واسعة بشأن قانون الحصانة رفضه سائر شبان الثورة وصادق البرلمان على تشريع توافقي جديد يمنح صالح الحصانة القانونية الكاملة تمهيدا لمغادرته البلاد ويتيح لمعاونيه حصانة جزئية من الجرائم ذات الطابع السياسي .

لكن المآلات التي وصل إليها اليمن بموجب اتفاق التسوية بمنح صالح الحصانة وبقاء نظامه مشاركاً في الحكم أنتج ثورات جديدة بعدما انتقلت الثورة من الشارع إلى مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية التي أطاحت في أيام قليلة الكثير من رموز نظام صالح في أكثر تجليات الثورة الشعبية عنفوانا عكست مدى توق اليمنيين إلى التغيير بعيداً عن التسويات غير العادلة .

محاولة اغتيال الرئيس

لم يكن لاتفاق التسوية الخليجي أن يقفز إلى واجهة المشهد كمتاح وحيد لولا عملية الاغتيال التي تعرض لها الرئيس صالح في القصر الجمهوري في الثالث من شهر يونيو/ حزيران عندما زرع مجهولون سبع عبوات ناسفة في جامع دار الرئاسة وانفجرت إحداها أثناء أداء صالح وكبار المسؤولين في الحكومة صلاة الجمعة .

قبل يوم من محاولة الاغتيال الكبير أعلنت صنعاء عن ترتيبات لتوقيع صالح اتفاق المبادرة الخليجية في وقت كانت المواجهات توسعت بصورة كبيرة في صنعاء بين قوات الجيش الموالية لصالح ورجال القبائل من أتباع الشيخ صادق الأحمر، زعيم قبيلة حاشد في الأحياء الشمالية للعاصمة ووسطها واستمرت على مدار الساعة، ما دعا صنعاء إلى الدفع بتشكيلات من قوات الحرس الجمهوري إلى ميدان المواجهات لأول مرة في محاولة لحسمها، خصوصاً بعدما امتدت إلى مناطق قريبة من مطار صنعاء الدولي وأدت إلى تعليق الرحلات الجوية، ناهيك عن امتدادها إلى معسكر الفرقة الأولى المدرعة التي تعرضت لقصف صاروخي كثيف .

وجاء إعلان صنعاء رداً على تصريحات أمريكية وأوروبية نددت بالعنف وطالبت صالح بالتوقيع على المبادرة الخليجية، وفي اليوم ذاته أعلنت كثير من الشركات الأجنبية والبعثات الدبلوماسية الأجنبية تعليق عملها والبدء بعمليات إجلاء لرعاياها من البلاد .

لم تمض سوى أيام قليلة على سفر صالح إلى المملكة العربية السعودية ومعه عدد كبير من المسؤولين المصابين بمحالة الاغتيال حتى بدأت الجهود الدبلوماسية الدولية بالتحريك لاستئناف توقيع المبادرة الخليجية بعدما أبلغ الدبلوماسيون العرب والأجانب بأن صالح نقل بعض صلاحياته إلى نائبه المشير عبد ربه منصور هادي قبل سفره إلى الرياض للعلاج لتبدأ عجلة التحركات الدبلوماسية الإقليمية والدولية لتحريك قضية نقل السلطة بما يساعد على وقف نزيف الدم وكبح عجلة التدهور الأمني .

لكن هذه الجهود تعثرت لأيام نتيجة رفض قادة الجيش الموالي لصالح البحث في الرؤى المقدمة من المعارضة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بشأن نقل سلطات الرئيس وتأليف مجلس انتقالي ناهيك عن إمساك أقرباء صالح بزمام الأمور ومنعهم هادي من ممارسة مهامه الدستورية .

وبمساندة كبيرة من سفراء الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن ودول الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي بدأ هادي ممارسة صلاحياته الرئاسية الدستورية وباشر إجراءات تثبيت وقف النار ومعالجة الآثار الناتجة عن الحرب المندلعة في العاصمة وإنهاء المظاهر المسلحة .

سرعان ما توصلت لجنة وساطة أشرف عليها هادي إلى تفاهمات لوقف القتال بين الجيش الموالي لصالح ورجال القبائل من أنصار الشيخ صادق الأحمر تلتها خطوات للتخفيف من المظاهر المسلحة في العاصمة .

بالتوازي مع ذلك تعالت أصوات شبان الثورة والقوى السياسية المعارضة بدعوة هادي إلى تأليف مجلس انتقالي مع سائر القوى السياسية لإدارة شؤون البلاد وطي صفحة نظام صالح وأعلنوا تمسكهم بالشرعية الثورية كأساس لعملية التغيير الشامل في البلد .

التسوية كمعادل لخيار المصالحة

لاعتبارات لا علاقة لها بترتيب أولويات الاهتمامات الحكومية، أرجأت النخب السياسية المعارضة المشاركة في حكومة الوفاق الوطني المشكلة بموجب المبادرة الخليجية الموعد الزمني المحدد لاستئنافها النزول الميداني إلى ساحات الاعتصام الاحتجاجي وتدشين جلسات الحوار المباشر مع الشباب المعتصمين منذ ما يزيد على عام تنفيذاً لجزء من تعهداتها المسبقة قبيل انخراطها في العملية السياسية التي أفضت لاحقاً إلى التسوية القائمة، حيث فرض تصاعد أجواء الغضب والسخط داخل الساحات جراء اشتراك أحزاب المعارضة الرئيسة وممثلي المكونات الثورية في المجلس الوطني للثورة في مراسم التوقيع على وثيقة المبادرة الخليجية آليتها التنفيذية في الرياض، توجسات مقابلة لدى هذه النخب من مغبة الاستعجال في توقيت النزول الميداني إلى الساحات قبيل تهيئة الأخيرة لتقبل خيار التسوية السياسية القائمة، الأمر الذي حدا بأحزاب اللقاء المشترك المعارض إلى تكريس حضور كوادرها المؤثر في ساحات الاعتصام ومنابر الإعلام المتاحة والتابعة لها في التسويق لخطاب سياسي وإعلامي مغاير يتعاطى مع التسوية السياسية الناشئة بموجب المبادرة الخليجية باعتبارها تتويجاً للفعل الثوري المتصاعد خلال ما يزيد على عشرة أشهر والذي فرض الانتقال السلمي للسلطة وإحداث التغيير السياسي المنشود ولو بشكل متدرج وليس جذرياً .

وأشار الناشط السياسي البارز عبدالكافي سعيد أحمد المقرمي إلى تعرض بعض القيادات السياسية في أحزاب المعارضة وأعضاء في المجلس الوطني الممثل لمكونات الثورة الشبابية والشعبية لردود أفعال حادة ومهينة أثناء مبادرتهم الشخصية بالنزول الميداني إلى ساحة التغيير بصنعاء عقب أيام قليلة من الإعلان عن تشكيل حكومة الوفاق الوطني . ذات الحيثيات عبر عنها وزير التخطيط والتعاون الدولي في حكومة الوفاق الوطني الدكتور محمد السعدي في تصريح ل “الخليج” بالقول إن “اليمنيين كانوا أمام خيارين لحسم الأزمة السياسية المتصاعدة في البلاد هما الحرب الأهلية أو المصالحة الوطنية، وقد تم اختيار الأخيرة من خلال القبول بتسوية سياسية أحيطت بضمانات لانتقال السلطة بشكل سلمي”، معتبراً أن “المصلحة العليا لليمن اضطرت أحزاب المعارضة إلى المشاركة في العملية السياسية والدخول في ائتلاف حكومي مع حزب المؤتمر الشعبي العام للحيلولة دون انزلاق البلاد إلى منحدر الحرب الأهلية” . من جهتها اعتبرت وزيرة حقوق الإنسان حورية مشهور التسوية السياسية القائمة في البلاد عقب التوقيع على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية بأنها فتحت المجال لإحداث التغيير السياسي المنشود في اليمن من خلال فرض الانتقال السلمي للسلطة عبر أجراء انتخابات رئاسية مبكرة في ال21من شهر فبراير الجاري . وأشارت مشهور إلى أن التغيير السياسي وانتقال السلطة من يد الرئيس علي عبدالله صالح إلى المرشح الرئاسي التوافقي عبد ربه منصور هادي ما كان ليحدث لولا صمود المعتصمين الشباب في الساحات العامة لأكثر من عشرة أشهر وهو ما يعد انتصاراً للثورة الشبابية والشعبية وتحقيقا للحسم الثوري ولكن بطريقة اقل كلفة .

إفرازات التسوية . . انقسام ومخاوف

صنعاء - عادل الصلوي:

أفرزت مفردات التسوية السياسية للأزمة قبل التوقيع على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة خريطة من الانقسام الحاد في المواقف والتوجهات التي عبرت عنها المواقف المعلنة لمختلف القوى والمكونات الثورية والسياسية والمجتمعية حيال المتغيرات السياسية على واجهة المشهد اليمني، كما أثارت توجسات لا تزال قائمة من تداعيات محتملة لانتكاسة التسوية القائمة كونها تستند في مضمونها إلى ائتلاف سياسي هش بين أطراف سبق لها خوض تجارب مماثلة خلصت إلى نتائج كارثية عمقت من حدة الأزمة السياسية وفجوة التباينات الداخلية .

تقترن المبادرة الخليجية وما أعقب التوقيع عليها من قبل الأطراف السياسية الرئيسية في مشهد الأزمة اليمنية من متغيرات سياسية كتشكيل حكومة وفاق وطني وتحديد السقف الزمني لانتقال السلطة لدى معظم المكونات الثورية الشبابية الممثلة بساحة التغيير بصنعاء وساحات الاعتصام الاحتجاجي الأخرى بحالة مرفوضة من الالتفاف على أهداف الثورة الشبابية والشعبية والشعور الجماعي بفداحة التضحيات التي قدمها الثوار الشباب خلال ما يزيد على عشرة أشهر من النضال السلمي الدؤوب لفرض التغيير القسري للنظام السياسي القائم مقابل الخروج في نهاية المطاف بما بات يوصف ب “نصف ثورة” وبتسوية سياسية هشة أعادت إلى الواجهة مشهد “التقاسم والمحاصصة” بين الأحزاب السياسية للسلطة واختزلت التغيير المنشود في مجرد رحيل غير مكلف لهرم النظام الحاكم محاط بضمانات لاحقة بعدم الملاحقة الجنائية أو القضائية .

ويقول الناشط السياسي ورئيس ائتلاف “شباب اليمن الحر” بساحة التغيير بصنعاء عبدالرحمن أحمد قاسم عن موقف تتقاسمه معظم الائتلافات الشبابية المستقلة والممثلة بساحات الاعتصام الاحتجاجي الموزعة على امتداد 18 مدينة يمنية من التسوية السياسية الراهنة في البلاد قائلاً: “الالتزام بتطبيق المبادرة الخليجية لا يخص سوى الأطراف الموقعة عليها وبالنسبة لنا كشباب للثورة لن نتراجع عن تصعيد الفعاليات الثورية المناهضة للتسوية السياسية القائمة في البلاد والتي ارتكزت على مبدأ التقاسم والمحاصصة بين أحزاب المعارضة وحزب المؤتمر الشعبي العام” .

وأشار رئيس ائتلاف “شباب اليمن الحر” إلى أن التسوية السياسية التي تضمنتها وثيقة المبادرة الخليجية لم تحقق التغيير السياسي المنشود الذي ضحى المئات من شباب الثورة ونسائها بأرواحهم لفرضه على أرض الواقع وانما كرست حالة من التقاسم المرفوض للسلطة وأبقت على تمثيل حزب المؤتمر الشعبي العام في الحكم وقدمت حصانة قضائية لرئيس مخلوع أرتكب ما لا يمكن وصفها سوى أنها جرائم حرب مع سبق الإصرار والترصد .

من جهته، يصف الناشط السياسي بساحة التغيير حسين عبدالكريم المساوي في تصريح ل “الخليج” التسوية السياسية القائمة في البلاد بأنها “وقتية ومرشحة للانهيار في أي وقت” لكونها ارتكزت على مبدأ التقاسم والمحاصصة وليس الوفاق الوطني .

واعتبر المساوي أن “إحداث التغيير السياسي المنشود في البلاد لا يمكن أن يتم عبر التحليق بجناح واحد وأن الائتلاف الحكومي القائم بموجب المبادرة الخليجية بين أحزاب المعارضة الرئيسية وحزب المؤتمر الشعبي العام سيعيد على المدى المنظور انتاج أسباب جديدة للأزمة السياسية التي قد تفضي إلى حرب أهلية طاحنة” .

كما عبر عن مخاوف متصاعدة في أوساط المعتصمين في الساحات العامة حيال طبيعة المتغيرات السياسية التي فرضتها المبادرة الخليجية على واجهة المشهد اليمني قائلاً: إن “من أبرز التوجسات التي تهيمن على المعتصمين في الساحات العامة أن تتسبب التسوية السياسية بموجب المبادرة الخليجية في تفويت فرصة فرض التغيير السياسي الحقيقي في البلاد عبر تصعيد الفعل الثوري الذي تراجع جراء الضغوط التي يمارسها العديد من الأطراف المؤيدة للتسوية القائمة على الساحات لحثها على الجنوح إلى التهدئة والتحول إلى صفة “مراقب” لأداء حكومة الوفاق الوطني، كما أن ثمة مخاوف متصاعدة من احتمالات تعثر إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها وتأجيج حالة الانقسام القائمة بين المكونات الثورية نتيجة اختلاف المواقف من التسوية السياسية الناشئة في الدفع بالأوضاع في البلاد إلى الفوضى والتصادم على غرار ما يحدث في مصر في الوقت الراهن” .

كيف ينظر الشباب إلى ثورتهم وتوابعها؟

صنعاء - فاروق الكمالي:

بعد مرور عام، تباينت مواقف شباب الثورة اليمنية بين متفائل يرى أن الثورة انتصرت، ومحبط يؤكد أن الثورة لم تحقق أهدافها، وثالث يعتبر أن الثورة أعادت إنتاج نفس القوى الحاكمة لليمن منذ عشرات السنين .

وتؤكد الناشطة في الثورة اليمنية ماجدة الصبري أن النظام لا يزال يتحكم بالمؤسسة العسكرية ومعظم مؤسسات الدولة .

وتقول الصبري ل”الخليج”: “لم يتغير الكثير، ولذا نحن متمسكون بالفعل الثوري ولن نغادر ساحات الاعتصام حتى تحقيق جميع مطالبنا وأبرزها القصاص للشهداء والجرحى والإفراج عن معتقلي الثورة في سجون النظام الذين يتعرضون للتعذيب، بالإضافة إلى رفع العقاب الجماعي عن المواطنين وتوفير الخدمات الأساسية وإعادة هيكلة الجيش والبدء في بناء الدولة المدنية” .

في المقابل يرى الناشط في ساحة التغيير بصنعاء رضوان مسعود أن الثورة انتصرت ونجحت في إسقاط رأس النظام، ويقول مسعود، وهو قيادي شاب في حزب التجمع اليمني للإصلاح ذي التوجه الإسلامي: “نحن رفضنا المبادرة، لكننا لا نرفض أية حلول سياسية تحقق أهداف الثورة، ونعتقد أن الحل السياسي جاء ثمرة للفعل الثوري وتضحيات الشهداء” .

ويعتبر مسعود في حديثه ل”الخليج” أن الثورة لم تحقق أهدافها كاملة، طالما عائلة صالح لا تزال تسيطر على مفاصل الدولة والمؤسسة العسكرية، لكن شباب الساحات قادرون على إسقاط العائلة وبقايا النظام حد تعبيره .

وفي رأي ثالث يؤكد الناشط في ساحة الحرية بمدينة تعز عبدالستار الشميري أن الثورة لم تحقق أي من أهدافها وانه حدث إجهاض للثورة بتواطؤ بين الأحزاب القديمة وبعض دول الإقليم والدول الكبرى .

ويقول الشميري ل”الخليج”: المبادرة الخليجية أعادت الروح إلى جسد النظام المنهار، كما أعادت إنتاج القوى القديمة وتقاسم السلطة بين الأطراف المنتصرة في حرب ،1994 وهي الجناح القبلي ويتمثل في أولاد الشيخ الأحمر، والجناح الديني متمثلاً في حزب الإصلاح، والجناح العسكري والذي يمثله أنجال صالح واللواء علي محسن الأحمر، ويعتبر الشميري أن أبرز مطالب اليوم هي الثورة ضد منظومة القوى القديمة .

ويرى الناشط في ساحة الحرية بمدينة عدن عبدالناصر العربي أن هناك تبايناً في الساحات بشأن الموقف من الحل السياسي، معتبراً أن الجميع يتفق على الحل السلمي الذي يقوم على إخراج البلد من الفوضى وإقامة الدولة المدنية .

من جانبه يعتبر الناشط في ساحة التغيير بصنعاء علي العماد أن الثورة نجحت في كسر حاجز الخوف لدى الناس، فعرف الشعب طريقه وكيف ينتزع حقوقة .

ويقول العماري ل”الخليج” إن “المنظومة التي خرج الشعب لإسقاطها مازالت موجودة، فالنظام أنتج شبكة مصالح خلال ثلاثة عقود ومن الصعب القضاء عليها في المرحلة الحالية، لكن التغيير سيحدث بإرادة الشباب وقد يحتاج إلى بعض الوقت” .

ويؤكد العماري الذي ينتمي إلى جماعة الحوثي، على استمرارية الثورة حتى تحقيق كامل أهدافها وأهمها بناء الدولة المدنية .

ويبدو المنسق الإعلامي لحركة 15 يناير الطلابية محمد سعيد الشرعبي متفائلا بالمستقبل الذي يبدأ يوم 21 فبراير/ شباط الجاري، على حد تعبيره .

ويقول الشرعبي ل “الخليج”: “نقف الآن على مشارف مرحلة سياسية جديدة، ستبدأ في ال 21 من شهر فبراير الجاري بانتخاب المشير عبدربه منصور هادي رئيساً توافقياً للجمهورية خلفاً لصالح، وعلى الرغم من الموقف الرافض لكثير من شباب الثورة لهذه الانتخابات، يترقب الجميع مرحلة ما بعد انتخابات ال 21 فبراير، التي نعتبرها البداية العملية والمستمرة لتحقيق ما تبقى من أهداف الثورة وفقاً لمعطيات الواقع السياسي الجديد الذي يتشكل بعيداً عن صالح وتأثيراته الماكرة” . ويوضح الشرعبي أن بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة يحكمها القانون ويسودها العدل والمساواة هدف كبير لن يتحقق إلا بإعادة دمج الجيش على أسس وطنية وهيكلته على أسس علمية ومعرفية .

وتباينت مواقف مكونات وائتلافات الثورة اليمنية من الانتخابات الرئاسية ففي حين أعلنت المنسقية العليا للثورة اليمنية (شباب) مشاركتها، قال مصدر في اللجنة التنظيمية للثورة إنهم يرفضون المشاركة .

ودعت المنسقية في مؤتمر صحفي جميع الثوار في الساحات وميادين التغيير وكافة أبناء الشعب اليمني للتفاعل الإيجابي مع العملية الانتخابية -الانتقالية- كونها تلبي جزءاً من أهدافنا الثورية وتمنع انزلاق البلاد إلى مخطط العائلة المتمثل بجر البلاد نحو الحرب الأهلية .

وكانت الناشطة اليمنية الحائزة جائزة نوبل توكل كرمان ربطت المشاركة في الانتخابات الرئاسية، باعتراف عبدربه منصور هادي بالثورة وتعهده بالعمل على تحقيق أهدافها، وترفض ائتلافات الشباب المستقل وتيار الحوثي المشاركة في الانتخابات .

وأثارت تصريحات سابقة للقيادي في التجمع اليمني للإصلاح عبدالله صعتر جدلاً واسعاً في ساحة التغيير، حيث قال “إن أي شخص لن ينتخب عبده ربه منصور هادي في الانتخابات القادمة فهو مع علي عبدالله صالح وليس مع الثورة” .

وفي تعليقه على تصريح صعتر قال مانع المطري “فرض خيارات جبرية على شباب الثورة أمر مرفوض ولا نقبل من أحد أن يقول لنا إما أن نكون معه في خياراته وإما أن نكون في نظره خونة، ينبغي احترام إرادة شباب الثورة الذين يرفضون المبادرة الخليجية والانتخابات المبكرة” .

ويؤكد الناشط في ساحة الحرية بمدينة عدن عبدالناصر العربي على الموقف الموحد للشباب في كل ساحات الثورة برفض المشاركة في الانتخابات، ويوضح العربي ل”الخليج” أن عدم المشاركة لا يعني أن الشباب سيكونون أداة معيقة للانتخابات .

وأعلنت عدة أطراف يمنية مقاطعتها للانتخابات الرئاسية منها جماعة الحوثي في صعدة وتيار متشدد في الحراك الجنوبي الذي دعا أنصاره إلى إحراق البطاقات الانتخابية ومنع إقامتها في المحافظات الجنوبية من البلاد .