مآلات الحرب على الفساد في ظل الفراغ السياسي

هاقنة الفساد وارباب نهب المال العام على مدى اربعين عاماً ونيف ، تطل رؤوسهم اليوم ليقدموا للآخرين نصحهم وانتقادهم في ما يتعلق بملفات الفساد ، وإصلاح مؤسسات الدولة ، وانتقاد القائم من فراغ سياسي وغياب سلطة..، وبكل تأكيد فإن أي نصح او توجيه او نقد أو تحرك لمكافحة الفساد هو جهد محمود يشكر صاحبه ، ولكن ما لا يحمد عقباه هو أن يأتي من عشعش الفساد واستوطن في رأسه ليتحدث عن اوهام مصطنعة أو أخطاء واردة وطبيعية ثم يضخمها عشرات أضعاف حجمها الطبيعي ليزايد عليها محاولاً ان يحقق مكسباً سياسياً غير أخلاقي .
الفساد .. هو بفضل الأنظمة السابقة يعتبر المؤسسة الأقوى في البلد ، وتراكمت جذورها على مدى ما يزيد عن 35 سنة ومسألة مكافحتها تتطلب الوقت والإمكانات اللازمة ـ وإرادة الثورة واضحة وجلية أن مكافحة الفساد أولوية قصوى لن تتوقف حتى تجتز كل أذرع اللصوص بامتداد البلاد شرقها وغربها شمالها وجنوبها ،وان حاول العدوان السعودي الأمريكي تعطيل عجلة الثورة إلا ان الثورة مستمرة والفعل الثوري حاشد وباقي على مستوى كافة الميادين والمؤسسات ، وما تحققه اللجان الثورية والرقابية والشعبية اليوم لا يخفى إلا على أعمى ، ونستعرض هنا بعض من انجازات الفاسدين الجدد في هذا التقرير .

الفاسدون الجدد في البنك المركزي

حينما حاول عملاء أمريكا وخونة اليمن إدخال البلاد في حالة فراغ وفوضى واستقالوا بشكل جماعي وطالبوا الأجهزة الأمنية والعسكرية بالانسحاب من المؤسسات ومقرات الدولة والتي كانوا يتولون مهمة حمايتها لتكون عرضة للنهب والتدمير ، تدخل الفاسدون الجدد وقاموا بحماية البنك المركزي وإدارة شؤونه ، واليوم وبعد ثمانية أشهر من عدوان سعودي أمريكي تحالفي عالمي غاشم مازال البنك المركزي يمارس مهامة بشكل طبيعي ومازالت العملة شبة مستقرة نسبة إلى الوضع القائم ومازالت رواتب الموظفين تصلهم حتى الذين في بيوتهم وتخلوا عن اداء واجبهم الوطني في هذه المرحلة الفارقة مازالت رواتبهم تصرف وتصل إليهم ، حتى المحافظات الواقعة تحت الاحتلال لايزال المواطنون فيها ينتظرون رواتبهم من البنك المركزي في صنعاء ، حتى معسكرات الجيش الموالية للعدوان لاتزال رواتبهم تصرف من هذا البنك ، وفي حين شاهد العالم كله كيف تعامل اذناب ومرتزقة العدوان مع فروع البنك المركزي سواء في محافظة عدن أو محافظة مارب والذين سارعوا بنهب خزانات البنك وافراغ محتوياته،في حين ان الفاسدون الجدد حافظوا على كل محتويات البنك المركزي ولم ينقص منه حتى مسمار واحد .

الأمن في عهد الفاسدين الجدد

لم تقيد في اليمن جريمة إلا ضد مجهول منذ اغتيال الشهيد الراحل ابراهيم الحمدي حتى اليوم ، وكان طوال فترة حكم الأنظمة السابقة ترتفع وتيرة الاغتيالات على مستوى أكثر المناطق الأمنية والمربعات السيادية ، والجدير بالذكر أن تلك الأنظمة لم تكن تواجه عدوان غاشم بربري من تحالف أمريكي صهيوني سعودي عربي عالمي وكانت تعيش حالات استقرار سياسي واقتصادي وتتلقى دعماً اقليمياً ودولياً على مختلف الاصعدة ، وعلى سبيل المثال كانت السنوات 2011-2012-2013 هي السنوات الذهبية التي انتعشت فيها الجريمة وازدادت حدة الاغتيالات والعمليات الارهابية في قلب العاصمة صنعاء ذات الحضور الأمني المكثف كما سقطت محافظات بأكملها تحت هيمنة القاعدة مثل أبين ومدينة رداع واجزاء من حضرموت إلخ .. وعندما جاء الفاسدون الجدد ضبطت خلايا الاغتيالات واحدة تلوا الأخرى كان آخرها خلية شارع خولان بقيادة المدعو ياسر مخارش والذي أشرف على اقذر عمليات الاغتيال في العاصمة صنعاء وعلى رأسها اغتيال الشهيد الأستاذ عبدالكريم الخيواني .
وفي عهد الفاسدين الجدد تقلصت الجريمة في انحاء البلاد التي تخضع لسيطرتهم وانضبط الأمن وقبض على المجرمين وقيدت الجرائم ضد منفذيها ومرتكبيها وتوسعت هيبة الدولة ولم نسمع أن شيخاً قبلياً اعتدى على طقم دولة..، وكل هذا في ظل حصار بربري وقصف غاشم وعدوان لآلة عسكرية ضخمة تمتلك أكبر رؤوس الاموال في العالم وتتآمر على اليمن ليل نهار لإقلاق السكينة والأمن وتهريب الدواعش وتدجيج الخونة بالسلاح .
الفاسدون الجدد في دولة بلا موارد
تعاقبت دول الفساد ونهب المال العام في عهود كانت كامل موارد الدولة تسلم لهم ولم يلمس المواطن أبداً خيرات تلك الموارد ، بقدر ما لمسوا تضاعف عدد قصور وفلل الفاسدين وذويهم ورحلات سياحية إلى أفخر فنادق العالم ، وكان يتم تجفيف خزينة الدولة يوماً تلو الآخر والموارد تصلها من حضرموت وعدن ومأرب من حقول النفط ومن موانئ البلاد وضرائبها وجماركها .
واليوم في ظل العدوان وفي ظل دولة بلا موارد يحاصرها القريب والبعيد ويتآمر ضدها العالم كله ، يحافظ الفاسدون الجدد على قوام الدولة وحضورها بقدر الإمكان ولم تتلاشى مؤسساتها في كل مناطق نفوذ الثوار ، بعكس ما شاهد المواطن في عدن وحضرموت ولحج وأبين ومأرب..، وتطوعت اللجان الشعبية لحراسة كل منشآت الدولة حفاظاً عليها وشعوراً بمسؤوليتها تجاه بنية البلد التي يستهدفها العدوان اليوم ، وكان للثورة الدور الأبرز في استمرار الخدمات وحركة عجلة الحياة فلا اقفلت المستشفيات ولا اقسام الشرطة ولا توقف تسليم الرواتب ولا استيراد النفط والمواد الغذائية حسب الممكن في ظل حصار بحري وجوي غاشم يعصف بالبلاد .
ورغم ان دول اغنى وأقوى من اليمن سقطت في مثل هذه الظروف خلال فترات وجيزة وعلى سبيل المثال التجربة العراقية التي سقطت عاصمتها بغداد بعد 33 يوم من تدخل قوات الاحتلال ، إلا ان اليمنيين رغم تواضع الامكانات وتعاظم التآمر كانوا الأقوى والأقدر بعون الله ليسطروا ملحمة بلا نظير خلال تسعة أشهر من عدوان وحصار بربري غاشم في ظل دولة متهالكة بنيت على انقاضها امبراطوريات فاسدين ومخربين لعدة أجيال .

الفاسدون الجدد واقتصاد الحرب

في كل دول العالم عندما تقوم الحروب تضطر الدول إلى اعلان ما يطلق عليه اقتصاد الحرب وهي حالة اقتصادية تعفي الدولة من كل مسؤولياتها والتزاماتها تجاه المواطن لتتفرغ للمواجهة ، وقد تم تطبيق هذه النماذج في ألمانيا "هتلر" في الحرب العالمية الثانية وكذلك في روسيا "لينين" وعدد من الدول الأخرى التي شنت أو شُـن عليها حروب كبرى كما يقتضي اقتصاد الحرب ان تستقطع خصميات معينة من رواتب كل عامل أو موظف في الدولة لصالح المجهود الحربي ، وأيضاً تقتضي التجنيد القسري والإجباري لكل شاب يستطيع حمل السلاح كضرورة يعاقب على مخالفتها القانون .
ورغم ان اليمن يشن عليها العالم مجتمعاً عدواناً كونياً شرساً إلا أن اللجان الثورية لم تفرض أي حالة إجبارية واحدة على المواطن سواء في دعم المجهود الحربي او الانضمام إلى الجبهات للدفاع عن الوطن.. وتم ترك الأمر اختيارياً لكل مواطن ليبادر بنفسه لتقديم المجهود الحربي أو التطوع للدفاع عن أرضه وعرضه بالرغم من أن الدولة كان لها الحق المطلق في اتخاذ الإجراءات السابقة..، إلا ان حرص الثورة على الشعب اليمني كان كفيلاً بأن تترك كل هذه المسائل الوطنية والسيادية اختيارية ولم يستقطع فلس واحد من مرتبات المواطنين دون موافقتهم في حين أن كل موظف يمني يتذكر في حروب سابقة غير وطنية لا ناقة له ولا جمل فيها كحروب صعدة الست كانت تفرض عليه خصميات للمجهود الحربي بشكل إجباري .

أيادي فاسدة تطل من اكمام الثورة

يحاول اليوم بعض متزلفي كل الانظمة ومرتزقة كل العهود أن يستمروا في ممارسة فسادهم ولو بثوب الثورة ،متناسين كل تلك الدماء التي أريقت والتضحيات التي قدمت فداء لمشروع الثورة وأهدافها السامية ، وكما تؤكد قيادة الثورة استمرارية الفعل الثوري حتى تحقيق كامل أهدافها ، يؤكد ابناء اليمن الاحرار عزمهم على حراسة وصيانة مشروع الثورة من كل فاسد ومتربص ، فلكل زمان فاسدوه ولصوصه ولكن الوعي الثوري العالي لدى ابناء الشعب اليمني والرقابة الشعبية هي العامل الفارق لضمان تحقيق اهداف الثورة التي جاء العدوان ليقاطعها ويحول دول قيام الدولة اليمنية العادلة التي ينشدها اليمنيون ، وتتقاطع أهداف الفاسدين مع العدوان من حيث يحتسبون او لا يحتسبون ، ولكن ارادة الثورة ماضية بكل يقين ، وإن كانت الظروف الراهنة قد حالت دون تجفيف منابع الفساد بشكل كامل وانشغل الثوار بجبهات الدفاع عن الأرض والعرض كأولوية قصوى إلا انهم عائدون لا محالة لقصقصة كل أذرع الفساد والفاسدين ومن تواطأ وتعاون معهم من أنظمة سابقة ولاحقة . وهنا بيت القصيد في ضجيج الفاسدين . ومحاولتهم تشويه اللجان الثورية.