تشييع جثمان عميد الصحافيين العرب محمد حسنين هيكل إلى مثواه الأخير في مصر الجديدة

شيّع المئات من المصريين جثمان الكاتب والصحافي الكبير محمد حسنين هيكل من مسجد الحسين في القاهرة إلى مثواه الأخير في مقابر عائلته في منطقة مصر الجديدة.

وقد شارك في التشييع شخصيات رسمية وسياسية وإعلامية عديدة من أبرزها الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية عمرو موسى ومصطفى حجازي المستشار السياسي للرئيس السابق عدلي منصور ونجل الرئيس الراحل جمال عبدالناصر عبدالحكيم وآخرين.

وكان عميد الصحافيين العرب محمد حسنين هيكل، الرجل العروبيّ، قد رحل اليوم عن عمر يناهز 93 عاماً مخلّفاً وراءه عالماً عربياً تتآكله نيران التكفير والاقتتال.

* مواقفه:

في آخر لقاء إعلامي له، أكد الكاتب المصري أن "سوريا كانت دائماً قلب الصراع على مستقبل العالم العربي، لأنها مدخل للجزيرة العربية"، موضحاً أن الصراع على هذا البلد بات اليوم دولياً. وفي حوار مع قناة الـ"سي بي سي" تحدث هيكل عن "قصور مصر تجاه سوريا"، مؤكداً أن "النظام الحالي مضطر للتعامل مع الرئيس الاسد وفتح حوار معه"، ومعتبراً "أننا لا نستطيع فرض نظام معين على شعب معين"، وأضاف "تفاوضنا مع إسرائيل، فلماذا لا نتفاوض مع الأسد؟ ما الذي يمنعنا؟".

وأشار هيكل الى أن "ما يحدث الآن في المنطقة العربية يجسد أحلام ومطامع "إسرائيل"". وحول "داعش"، قال إن "هذا التنظيم الارهابي وجد لوجود صراعات بين الدول العربية"، وتابع "هدف اسرائيل هو أن يكون العالم العربي في أزمات داخلية وتناقضات كبيرة".

كان هيكل رجلاً محباً للمقاومة، في احدى حواراته أعلن أنه زار لبنان وقابل الأمين العام لحزب الله  السيد حسن نصر الله مرتين، وقال "لا زلت أرى أن حزب الله لازال فاعلاً ولاعباً رئيسياً في المنطقة وينبغي أن يؤخذ حسابه". وأضاف "لا أحد يستطيع أن يقول إن حزب الله حزب إرهابي حتى الأمم المتحدة لم تستطع أن تفعل هذا فهو حزب لبناني موجود في الساحة اللبنانية وفي مواجهة "إسرائيل"".
الإعلامي الكبير سبق أن وجّه تحية إجلال وإكبار لعميد الأسرى المحرّرين من سجون العدو الاسرائيلي القائد الشهيد سمير القنطار، قائلاً إنه "استشهد بعد سنوات النضال فهنيئًا له"، وقال "عندما تكون "إسرائيل" هي الخصم فيجب أن تُحسم القضية".

وفي تغريدات على "تويتر"، كتب هيكل: "عندما تكون "إسرائيل" هي الخصم، فيجب أن تُحسم القضية كون أن أي جدال فيها لا جدوى منه".

عارض هيكل العدوان السعودي على اليمن، وقال "اليمن أصبح ساحة تدريب، ولم تبق به مدرسة أو مستشفى سليمة، والضرب بشكل عشوائي وتم هدم ما استطاع الشعب اليمنى أن ينجزه في 100 عام"، معتبراً أن "معظم الدمار من الضربات الجوية، والحوثيون لم يقوموا بها"، مؤكداً أن "الضرب في اليمن أوكلته الولايات المتحدة لأطراف عربية".
وحول ايران، رأى هيكل أنها "مثل مصر، دولة حقيقية وجدت على أرض محددة عبر التاريخ وبقيت في الموقع نفسه دون تغيير، وتحمل في تكوينها حضارة طويلة وقوة". وأضاف "رأينا العقوبات والحصار في مصر خلال عهد عبد الناصر، وكذلك واجهت كوبا هذا المصير. إيران تتعرض لما تعرضت له كل حركة تمرد في وجه الهيمنة الأميركية. ذلك حصل لعبد الناصر وحصل لكاسترو وللصين وآخرين كثيرين، وإيران تعلمت من تجربة الآخرين ودرست تلك التجارب جيداً".

* مسيرته المهنية:

ولد هيكل، وهو أحد أبرز الصحفيين العرب والمصريين في القرن العشرين، يوم 23 سبتمبر عام 1923م في القاهرة، تلقى تعليمه في مصر، وكان اتجاهه مبكراً إلى دراسة وممارسة الصحافة. في عام 1943م التحق بجريدة "الإيجبشيان جازيت" كمحرر تحت التمرين في قسم الحوادث، ثم في القسم البرلماني.

اختاره رئيس تحرير "الإيجيبشيان جازيت" لكي يشارك في تغطية بعض معارك الحرب العالمية الثانية في مراحلها المتأخرة برؤية مصرية،  ثم تم تعيينه عام 1945م كمحرر بمجلة آخر ساعة التي انتقل معها عندما انتقلت ملكيتها إلى جريدة أخبار اليوم خلال الفترة (1946م -1950م).

أصبح هيكل بعد ذلك مراسلاً متجولاً بـ"أخبار اليوم" وتنقل وراء الأحداث من الشرق الأوسط إلى البلقان وإفريقيا والشرق الأقصى حتى كوريا، ثم استقر في مصر عام 1951م حيث تولي منصب رئيس تحرير "آخر ساعة" ومدير تحرير "أخبار اليوم" واتصل عن قرب بمجريات السياسة المصرية.
بدأ عام 1957م في كتابة عموده الأسبوعي في صحيفة "الأهرام تحت عنوان "بصراحة"، والذي انتظم في كتابته حتى عام 1994م.

إلى جانب العمل الصحفي شارك في الحياة السياسية حيث تولي منصب وزير الإرشاد القومي عام 1970م، وذلك تقديراً لظرف سياسي وعسكري استثنائي بسبب حرب الاستنزاف بعد أن تكرر اعتذاره عنه عدة مرات.

شهد هيكل الحياة السياسية في مصر بفتراتها المتفاوتة، وعلى الرغم من صداقته الشديدة مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، إلا أنه اختلف مع السادات حول التعامل مع النتائج السياسية لحرب أكتوبر حتى وصل الأمر إلى حد اعتقاله ضمن اعتقالات سبتمبر 1981م.

يُعد أحد ظواهر الثقافة العربية في القرن العشرين، كما أنه مؤرخ للتاريخ العربي الحديث وخاصةً تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، ولديه تحقيقات ومقالات للعديد من صحف العالم في مقدمتها "الصنداي تايمز" و"التايمز" في بريطانيا.

قام بنشر أحد عشر كتاباً في مجال النشر الدولي ما بين 25- 30 لغة تمتد من اليابانية إلى الأسبانية، من أبرزها "خريف الغضب" و"عودة آية الله" و"الطريق إلى رمضان" و"أوهام القوة والنصر" و"أبو الهول والقوميسير"، بالإضافة إلى 28 كتاباً باللغة العربية من أهمها "مجموعة حرب الثلاثين سنة" و"المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل".

قرر هيكل اعتزال الكتابة المنتظمة وهو في أوج مجده عام 2003م، وذلك بعد أن أتم عامه الثمانين وأثار ضجة كبيره بمقاله الوداعي ذو الجزئين، إلا أنه عاد إلى جريدة الأهرام بالعمود الأسبوعي "بصراحة" في أعقاب ثورة 25  يناير التي أطاحت بنظام الرئيس السابق حسني مبارك.

* حياته الخاصة:

تزوج حسنين هيكل من السيدة هدايت علوي تيمور في يناير 1955م، هي حاصلة على ماجستير في الآثار الإسلامية ولديهم ثلاثة أولاد هما: "علي هيكل" طبيب أمراض باطنية وروماتيزم في جامعة القاهرة، و"أحمد هيكل" رئيس مجلس إدارة شركة القلعة للاستثمارات المالية، و"حسن هيكل" رئيس مجلس الإدارة المشارك والرئيس التنفيذي للمجموعة المالية (هيرميس).