"الجارديان": علاقة هادي بمحسن ترسخ لدى الناس أن نظام المحسوبية مستمر

جاء الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى السلطة، وبدعم من المجتمع الدولي كمرشح إجماع؛ عندما تحالفت المعارضة والحزب الحاكم السابق، ووقعا اتفاقا للانتقال السياسي بموجب المبادرة الخليجية، وبعد أشهر من الاضطرابات؛ التي انتهت باتفاق على تسليم الرئيس السابق علي عبدالله صالح السلطة، مع أن هذا الاتفاق همش شريحة كبيرة من المجتمع اليمني، بمن في ذلك الذين قادوا حركة التغيير.
إن انتخاب الرئيس هادي في فبراير الماضي، كان من خلال استفتاء وطني، حيث وهو المرشح الوحيد، ولم يرق الاستفتاء للكثير من اليمنيين، لكن مجموعة أخرى رحبت به كخطوة رمزية لتوجيه اليمن بعيدا عن حرب أهلية محتملة.
في بعض القرارات الأولية لهادي فاجأ بها النقاد، وأعطى للناس الأمل في أن يقود اليمن بشكل مستقل. ووجدت هذه القرارات ترحيباً واسعاً، وشملت تعيينات عسكرية وأمنية، وكذلك استبدال محافظين، ومن بينهم محافظ تعز.
وفي 22 سبتمبر وقع الرئيس قراراً أجاز إنشاء لجنة للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان خلال انتفاضة 2011، على الرغم من وجود قانون الحصانة، الذي جعل من فرص ملاحقة المتهمين شبه مستحيلة.
كما أن قانون الحصانة، المنصوص عليه في مبادرة دول مجلس التعاون الخليجي، ليس العقبة الوحيدة، حيث إن هناك مشكلة دراماتيكية، هي أن مبادرة انتقال السلطة تضع الكثير من المسؤولية على عاتق الرئيس هادي، ودون أية إشارة إلى ما يمكن أن يحدث في حالة غيابه. ولذا يخشى المحللون من أن يكون ذلك هدفا سهلا لأولئك الذين يمكن أن يستفيدوا من عرقلة العملية الانتقالية.
ولهذا استغلت الفرقة الأولى مدرع الخوف على حياة هادي، ووفرت له الحماية، وهي التي دعمت أيضاً احتجاجات المعارضة ضد صالح، العام الماضي. كما أن اللواء علي محسن الأحمر (قريب من الرئيس السابق صالح، وتحول ضده في نهاية المطاف) معروف بماضيه الدموي، مما جعله الصديق المقرب لهادي.
وينظر لعلاقة هادي بمحسن على أنها واحدة من الفرص الملائمة، حيث يتم تبادل الحماية بالولاء، ولهذا ظهرت بعض المؤشرات المقلقة التي قد تكسب علي محسن المزيد من النفوذ من خلال تأثيره على قرارات الرئيس هادي.
فعلى سبيل المثال، رحب الشعب بإنشاء قوة الحماية الرئاسية الجديدة التي تتألف من دمج 3 ألوية من الحرس الجمهوري الذي يرأسه أحمد علي، نجل صالح، في لواء واحد للفرقة، كخطوة أولى وضرورية نحو توحيد الجيش.
ومع ذلك، كان اللواء 314 من الفرقة، والتي شملها هذا المرسوم، رفض في وقت سابق الانشقاق والهرب مع علي محسن خلال الانتفاضة، وظل موالياً بشكل دائم لصالح. وبالتالي، هذا المرسوم خفض من قوة الموالين لصالح، وترك تأثير اللواء علي محسن على الجيش سليماً.
إن الخوف من علاقة هادي بمحسن يرسخ لدى الناس أن نظام المحسوبية -واحدة من السمات المميزة لحكم صالح- مستمر، وتحت ستار مختلف؛ لصالح حزب الإصلاح الإسلامي، والقوة المهيمنة في المعارضة التقليدية، والتي تربطها علاقة وثيقة مع علي محسن.
ووفقا لتقارير الصحف المحلية، قدم موظف في وزارة الكهرباء شكوى رسمية ضد وزيره الذي قام بتوظيف أقاربه وأصدقائه، كما تم إحصاء 19 موظفا جديدا كلهم يتبعون حزب الإصلاح.
وقد تؤثر هذه الممارسات على مصداقية هادي، وبالتالي تؤثر على أهداف الحوار الوطني، والذي يعد واحداً من الاختبارات الحاسمة لنجاح الرئيس.
ومن بين أمور أخرى، سيبدأ الحوار الشهر المقبل، ويحتاج إلى بناء الثقة مع الحوثيين المتمردين في الشمال والانفصاليين في الجنوب. ومن الأهمية لهادي معالجة قضاياهم إلى جانب قضية الفئات المهمشة، كعامل قوي لإنجاح عملية الحوار.
وإلى الآن، لا يوجد أي ممثل للحراك الجنوبي في اللجنة الفنية للحوار الوطني، على الرغم من الحديث عن إعلان الدولة الاعتذار العلني لحروب الماضي في الجنوب والشمال، والتي قد تعيد الثقة في عملية الحوار، وتسهل مشاركتهم فيه.
ومع ذلك، هناك إدراك واسع النطاق، على أن الحوار الوطني سوف يعمل على تمكين الأحزاب السياسية فقط، وسيهمل الناس واحتياجاتهم.
ففي الشهر الماضي، أصدر هادي قراراً آخر، قضى بإضافة 6 أعضاء جدد إلى اللجنة الفنية، 4 منهم من حزب الإصلاح، كما انخفض عدد النساء إلى أقل من 30٪، وتم القبول عموما بتمثيل منخفض لمشاركة المرأة في اللجان المختلفة.
يحتاج اليمن للمضي قدما في عملية التعافي، أن يبدأ بداية صادقة، وينهج من القاعدة إلى القمة لاستبدال نموذج النخبة من أعلى إلى أسفل، حتى ينجح الحوار، وإلا فإنه سوف يصبح مجرد مؤتمر سياسي. إذا فشل الحوار الوطني، انتهت شرعية هادي.
مؤشر آخر على أن قيادة البلاد لا تأخذ آراء الناس في الاعتبار، هو تصريحات الرئيس مؤخرا، والتي أشادت بكفاءة الطائرات بدون طيار، والاعتراف بموافقته على الغارات الجوية التي أسفرت عن مقتل العديد من المدنيين. وعدم ذكر الضحايا من المدنيين الذين سقطوا في محافظة أبين مسقط رأسه، يعمل على تلاشى شرعية هادي وببطء.
مر أكثر من 7 أشهر على تولي هادي الرئاسة، ويبدو أنه ليس مهتماً في التفاوض مع الجماهير، وبدلا من ذلك يركز على إرضاء الدائرة الداخلية السياسية، وتوسيع السياسة الإقصائية لعهد صالح في الحكومة الانتقالية الجديدة.
يجب على هادي تحمل مسؤولياته التاريخية من خلال رؤية جديدة للدولة، وتجاوز إدارة الصراع على السلطة، حتى لا يقع في نفس أخطاء صالح التي استمرت 33 عاما، وكلفته رئاسته للجمهورية. ومع كل الصعوبات التي تواجه اليمن، فإنه ليس لمصلحته تهميش الثوار وغيرهم من الجماعات المهمة والبارزة في اليمن، والتي يستمد شرعيته منها.
لقد ولت الأيام التي كانت فيها الشرعية لا تأتي إلا من الدائرة الداخلية المغلقة. ولذا يجب النظر إلى الناس، والتي أثبتت قدرتها على دفع الإصلاحات، وجعل اليمن يتحرك نحو عملية سياسية أكثر شمولا.