عودة الجثمان المعتقل المُجَدِّدُ الحوثي مُترجلاً في موطنه : حسين أحمد السراجي
من حقيق القول المُسلَّم به أن إطلاق سراح الجثمان الطاهر للسيد حسين بدر الدين الحوثي من معتقله القسري بالسجن المركزي ليس هبة ولا عطية وإنما هو تصحيح لخطأ فادح وقع فيه نظام علي عبدالله صالح الذي ظل متكتماً عليه وخافياً له أكثر من ثماني سنوات , كواحدة من الخطايا والجرائم التي ارتُكبت في حق صعدة وأبنائها والحروب العبثية الظالمة التي أهلكت الحرث والنسل فيها ولم ترقب في مؤمن إلاً ولا ذمة .
ومع هذا الإعتقال التعسفي العجيب للجثمان تساءل الناس وحق لهم التساؤل :
ما الذي أخاف النظام طوال السنوات الماضية من الجثمان ؟
إعتقال الجثامين بادرة خطيرة وسابقة لم تحدث طوال تاريخ البشرية - حدَّ علمي - باستثناء حالات شاذة تطارد اللعنات فاعليها إلى قيام الساعة , وأيَّاً كان فاعلها وصاحبها فإنما تعد في قاموس الإنسانية دلالة على انعدام الدين والأخلاق والضمير والإنسانية , فما حدث غير معترف به من دين ولا شرع ولا قانون في كافة أقطار الأرض .
بين العقل والعُرف :
في مناسبة سئل الشيخ عبدالوهاب سنان رحمه الله تعالى عن اختطاف الأحياء في العرف القبلي فقال لسائله ما معناه : يا ولدي لم يكن يخطر على بال أحد أنه في يوم من الأيام سيتم التعرض لبني البشر واختطافهم كما هو اليوم لذا لم يضع واضعوا العرف القبلي عقوبات لفاعل ذلك .
مثل هذا القول يضعنا أمام الحقيقة في العرف القبلي فكيف بالشرع الشريف الذي أعطى الميت كرامة لا تقل عن كرامة الحي , مضافاً إلى ذلك الإنسانية والأخلاق البشرية التي تأنف فعلاً كهذا , ولن يغيب عن بالنا عودة جثامين ورفات شهداء المقاومتين اللبنانية والفلسطينية من معتقلاتها الصهيونية بعد سنوات وعقود من الإخفاء .
ثم .. إطلاق الجثامين الأسيرة ظلماً وبغياً وإمعاناً في الظلم والجُرم المشهود لا يحتاج لوساطة من صالح ولا أوامر من هادي – كما تحدثت بعض الوسائل بعد تسليم رفات السيد حسين لأهله - لو كان ثمة أخلاق وقليل من دين , لكنه وحين انعدم الدين والمروءة وماتت الأخلاق والضمائر وانتكست الإنسانية والقيم وبناءً على مطالبة عائلة الشهيد المعتقل تكرم الرئيس هادي بتوجيه الأوامر القاضية بإطلاق الجثمان الأسير .
العفن والذنب :
الإقدام على اعتقال الموتى وإخفاء الرفات واحدة من السابقات الخطيرة وعفن العقليات المريضة للظالمين وتجار الحروب العبثية الظالمة على صعدة وكدلالة على بشاعة ووحشية هذا الإنسان وظلامة تفكيره وفجور خصومته الشديد لم يكتف الظالمون وسافكوا الدماء وعشاق القتل بنكث العهود التي أعطوها له فقتلوه وهو جريح بطريقة وحشية وبشعة تنم عن نفوس تهاوت أخلاقها وإنسانيتها أمام نسائه وأطفاله بعد أن تسلَّم طواعية ذلك ما حدث للسيد حسين .
ويأتي التساؤل : ما ذنب هذا العظيم حين تكالبت عليه قوات النظام السابق اللاحق وجيَّشت الميليشيات والمرتزقة صوب صعدة بمبررات الوهم والإنفصام وعُقد الحقارة والنقص والإستئصال ؟
باعتقادي وما أثبتته الأيام أنه لم يكن له من ذنب سوى هاشميته ومذهبه الزيدي الخالد وتفكيره التحرري ورؤيته التنويرية التجديدية للخلاص من ربقة الإستكبار العالمي والطغيان المحلي .
لقد حمل مشروعاً قرآنياً على غرار جده المصطفى صلى الله عليه وآله وآبائه الأعلام من أئمة أهل البيت الكرام ومجددي الفكر والتنوير الإسلامي على مر التاريخ .
شُوِّهت صورته وجُنِّد الإعلام وسُخِّرت المنابر والفتاوى للتحريض عليه وعلى رؤيته وفكره ومنهجيته وأتباعه حتى فاق الظالمون فجور الخصومة في التعامل والتعاطي معه ومع مسيرته وفكره !! وليس أدل على ذلك من اعتقال جثمانه طوال ما يقرب من تسع سنوات .
عدالة الله :
منذ قيام انقلاب سبتمبر 1962م والمذهب الزيدي يواجه حرباً معلنة خفية وأتباعه الإضطهاد والمصادرة لصالح الفكر الوارد , وبعد الوحدة اليمنية في العام 1990م تنفس أتباع المذهب الصعداء وبدأت مواجهة المد الوهابي الذي ما فتئ يعمل جاهداً لطمس معالم الفكر الزيدي ويطعن في أئمة أئمة أهل البيت دون حياء ولا خجل .
لم يدم الحال طويلاً فبدأت المؤامرات بعد تأسيس حزب الحق الذي كان الإمام الأكبر بدر الدين الحوثي والد السيد حسين أحد مؤسسيه الكبار , فآتت المؤامرات ثمارها وتم شق الحزب وتعرض الإمام بدر الدين لصنوف الأذى والملاحقة والتنكيل الذي بلغ حدَّ الإغتيال والنفي , وازدادت وتيرة الأذى والإضطهاد بعد انتصار تحالف المؤتمر مع القوى الدينية والقبلية في حرب صيف العام 94م التي كان للإمام بدر الدين موقف رافض لها , ومع ازدياد الأذى وتشجيع القوى التكفيرية المتطرفة التي زُرعت عمداً في صعدة برز السيد حسين مستوعباً لمخاطر أكبر من القوى المتطرفة ومعاناة الفكر الزيدي تتمثل في العدو الخارجي أمريكا وإسرائيل هاتفاً بالبراءة منهما والدعاء عليهما وعلى ضوء ذلك خاض النظام ست حروب عبثية ظالمة على صعدة الحديث عنها معلوم ولست بصدد الخوض فيها للإقتصار وما أردته من عنوان العدالة - وهو للمقارنة - التالي :
• قُتل السيد حسين ظلماً وغدراً ونكثاً وسُجنت جثته طوال تسع سنوات في السجن المركزي بصنعاء سراً .
• صُودرت كتبه وملازمه وأقفلت المكاتب والمدارس العلمية وتعرضت كتب الزيدية للحظر والمنع والمصادرة .
• حُورب الشعار ومُنع واعتقل أنصار السيد حسين وزُجَّ بهم في غياهب القومي والسياسي , وكُمِّهت الأفواه .
• بلغ التنكيل حد إخفاء البعض للقبه الحوثي فضلاً عن الهاشمي .
• صُودرت الوظائف ونُكِّل بالموظفين ونُقلوا إلى أماكن بعيدة أقصاها سقطرة وأقربها المحويت .
• دعايات كاذبة وافتراءات سمجة سوَّقها شركاء حروب صعدة عبر كافة وسائل الإعلام ووصل وباؤها منابر المساجد , ضلَّلوا بها على العامة من الناس .
ما أكثر صور التنكيل وما سبق جزء يسير منها .
ولأن الله عدل حكيم وتكاد الدنيا أن تكون دار جزاء فما بين الشرارة الأولى للقتل في صعدة وتحقق العدالة الإلهية سوى أقل من تسع سنوات حتى :
فضَّ الله الشراكة بين قطبي النظام : المؤتمر والإصلاح وبدأ كل طرف منذ ثورة العام 2011م في نشر غسيل الآخر وفضائحه وآخرها تحميل كل طرف للآخر المسئولية عن حروب صعدة العبثية كما في رؤى الطرفين لقضية صعدة المقدمة لمؤتمر الحوار .
تساقطت رؤوس الحروب وصُنَّاع الفتن ومن بقي منهم في طريقه للسقوط .
تهاوت معاقل التحريض والإثارة في صعدة وامتد التهاوي ليصل صنعاء وغيرها وبدأت أصوات الفتن في الأفول .
عاد الجثمان المعتقل بزخم جديد دون أن تؤثر السنون الماضية أو تقلل من أهميته وكأن السيد حسين شهيد الأمس وليس قبل تسع سنوات .
تكاثر أنصار السيد حسين فمن المئات في مران صاروا بالملايين اليوم وبدلاً من مران تجاوز الفكر الحسيني الحدود اليمنية إلى العالمية .
الشعار المحظور بات يزين الشوارع في صنعاء وعواصم المحافظات وتزدان به واجهات المحلات , والملازم الممنوعة توزَّع في مقار العمل ويتناقلها الناس بحرية كاملة .
شعارات الفكر الحسيني والمدرسة الحسينية وبدءاً من يوم القدس العالمي قبل عام احتلت الواجهات العملاقة للدعايات الإعلانية في صنعاء .
صور السيد حسين التي كان اقتناؤها كالجرم المشهود باتت اليوم تحتل مساحات ضخمة في واجهة الدعايات في شوارع العاصمة .
ظهرت الحقائق وانكشف الزيف وبات العامِّي مدركاً للحقائق يصب جامَّ غضبه وسخطه على من زوّر فكره وضلله وعبأه طوال السنوات الماضية .
ما سبق .. قليل من كثير عدالة الله في الدنيا وربما الأيام القادمة حُبلى بمزيد الوعد الإلهي , وتتبقى عدالة الحق العدل في يوم الفصل .
العودة الظافرة :
ها هو الأسير قد تحرر من معتقله وعاد الجثمان الطاهر للمجدد الكبير العلامة الشهيد السيد حسين بدرالدين الحوثي عودة ظافرة من منفاه اللاإنساني إلى موطنه الأصلي لينال حقه الشرعي والإنساني من التكريم بين أهله وأنصاره ومحبيه .
وها هو الجثمان الطاهر قد عاد إلى موطنه وحلَّ بين أهله وناسه ومحبيه بينما صعدة تزدان لاستقبال وفود المشاركين في التشييع حيث من المتوقع أن يخرج الملايين من أبناء اليمن في تشييع جماهيري مهيب لم يشهد له اليمن مثيلاً .
غباء :
تناقلت الأخبار رفض الخارجية اليمنية ممثلة بسفاراتنا في الخارج منح تأشيرات للضيوف القادمين من خارج اليمن للمشاركة في التشييع وهذا إن دلَّ على شيء فإنما يدل على غباء سياسي مقيت يتنافى مع التوافق والحوار الذي يسعى إليه اليمنيون ويأملون تجاوز جميع ترسبات الماضي وجراحه سواء في صعدوفق معالجات تعيد الحقوق , وليس بالتأكيد مثل هذه الحركات تجدي نفعاً أو تخدم حواراً بقدر ما هي دلالة على عدم جدية ومصداقية شركاء الحروب والفتن .
لا أعتقد هذه السماجات السياسية ستقف حائلاً بين الزخم الكبير والجماهير العريضة بقدر ما هي كشف لسوء نية النظام السابق اللاحق والله غالب على أمره .
وختاماً خالص العزاء للسيد عبدالملك وجميع إخوانه وأحبائه وأنصاره ولا عزاء ليزيد وابن زياد والشمر وليذهبوا إلى الجحيم .
- قرأت 1163 مرة
- Send by email
أضف تعليقاَ