خبراء الفشل والهروب للأقاليم ! : عبد الكريم محمد الخيواني

يحكم اليمن مجموعة من خبراء الفشل، لم يحسنوا صنعاً سوى الفشل المزمن، أتقنوا الفساد والعبث وتفننوا بالتملص من المسؤولية عن كل شيء مهما كان حجمه.
تغرق البلد وسط مستنقع من الفساد والقتل والفوضى، والانتهاكات والعبث ومع ذلك لا تجد أحداً مسؤولاً عن أي شيء، أو أحداً يمكن محاسبته عن شيء، وتجد من يدافع عن فساد هذا ويبرر لجرائم ذاك، ويدين الفساد والقتل ويتلقى التعازي ويعتمد الضحايا شهداء، لكنه لا يحقق بجرم ولا حادثه.
وصلت اليمن إلى هذا الوضع الكارثي، ولا مسؤول خجل من هذا الوضع, أو اعترف بفشل أو خطأ، أو خشي حساباً أو عقاباً، وكل الساسة رجال دولة وطنيون، ثوريون ناجحون، ولعل اليمن هي الدولة الوحيدة التي كوفئ وزير الداخلية ورؤساء الأجهزة بتكريم رئاسي رغم حال الانفلات الأمني والشكوى الرسمية، بل والاعتراف.
عقوداً ظل خبراء الفشل يهربون للماضي ويحملونه المسؤولية، الإمامة هي سبب الإخفاق بالتنمية، والاستعمار سبب غياب المواطنة المتساوية، وعندما واجههم الشارع والشعب بفشلهم وعبثهم، وجرائمهم مؤخراً بانتفاضة ثورية، مطالبين بالتغيير, أجهضوا ثورة الشباب، وغيروا سياستهم بإلقاء اللوم على بعضهم البعض، حول الأوضاع الراهنة، أما ما سبق خلال الـ5 عقود فمازال الهروب للماضي هو المعزوفة المستمرة.
صالح بعد33 سنة حكم فاشل، مصمم أنه ناجح استناداً إلى مقارنة عهده بالعهد الراهن لشركائه سابقاً بالحكم والمعارضة، وشركاؤه سابقاً حكام اليوم يحملونه المسؤولية متناسين التسوية السياسية التي وقعوها معه، وقبلوا بموجبها شراكته بالحكومة، ورئاسته حزب المؤتمر، بل وتحصينه بقانون، فمن يحاسب على الفشل، وما قيمة النجاح باليمن؟
يختلف المشترك مع صالح خلافاً حقيقياً، لكن لا يجب أن نتفاجأ باتفاقه مع الإصلاح ببعض قضايا الحوار والتوافق معه بسيادة وضع اللادولة، أو تحالف البعض الآخر مع الإصلاح رغم القناعة بأن داخله قوى لا تقبل بوجود دولة حقيقية، وليس على أحد الاستغراب التقاء كل الأطراف التي حكمت سابقاً بالهروب من قانون عدالة انتقالية حقيقي ينصف الضحايا، يكشف الحقائق يوجب الاعتراف والاعتذار وجبر الضرر, فكل لديه جلادوه الذين يحميهم، وجرائمه التي يخفيها.
تختلف- المسميات، الوجوه- إنما للفاشلين، لكن لهم نفس العقلية، سواءً بإدارة الأمور، أو بالهروب من تبعاتها، أو بمعالجة فشل بفشل جديد مثلاً، يعترفون بمظلومية الجنوب وصعدة رسمياً، وتعتذر الحكومة، لكن ذلك لا يعني منع الجناة، من التحريض، التحشيد، القمع، والحصار والعنف، القتل، ويقر حلفاء أحزاب الجناة بخطورة ما يحدث على البلد، لكنهم يؤثرون الصمت ويحسنون المواربة، فيما يستكر علي محسن، وآل الأحمر بصناعة الفتن والأزمات، أليس هم شركاء صالح الحقيقيون والمستفيدون معه من غياب دولة حقيقية باليمن.
تتصاعد الأحداث في الجنوب جراء ما لاقاه أبناؤه منذ حرب صيف94، لكن يبقى التسليم بالحقوق، وردها، ومعالجة الأخطاء، ووقف مواجهة المطالب بالقمع، هو المستحيل لدى الكل مع الإقرار بالنهب والسلب وانتهاك الحقوق، مع استمرار سياسة التفريخ والاستنساخ، والتمزيق، وتسليط البعض ضد البعض، وفي المقابل لا تمس مراكز قوى أو نفوذ أجرمت بحق الشعب والوطن.
يقرون20 نقطة لإنصاف الجنوب وصعدة، كعوامل مهيأة للحوار وتبقى بلا تنفيذ مراعاة للبعض، على حساب قضية ووطن، وعلى الملايين بالجنوب تحمل المعاناة إكراماً للجناة والفاسدين، الذين من أجلهم تطرح مشاريع ومقترحات أقاليم تكريساً لإثبات قدرة السياسي على الهروب من استحقاقات وطنية، ومن فشل، إلى فشل آخر تحت سمع وبصر الكل نخب وشباب وشعب، وتوريط من جاء من خارجهم سواءً باسم الثورة أو المظلومية، بحمل مسؤولية الفشل، والكارثة، حتى لا يكون هناك طرف نظيف وترحيل الأزمة للمستقبل حتى تتضخم وتغدو كارثة، وسط تهليل وتصفيق وتهانٍ متقنة لتضليل الناس.
مطلب الجنوب اليوم الانفصال، والقمع والقتل يدفعهم أكثر نحو خيار فك الارتباط، فما جدوى الحديث عن إقليمين أو 6 وما معنى 2 أو 6؟ وما يؤكد أنها ستحل القضية؟ وما يثبت عدم خطورة مقترح الأقلمة؟ أسئلة لاتهم السياسيين باليمن، المهم التأييد الخارجي و(حكولة) التوقيع، ولا يمنع السياسي الثوري اليمني من الحديث عن تفويض فرد أو لجنة بحسم موضوع كهذا، وكأن البلد معمل تجارب والشعب فئران التجارب السياسية.
ويبقى العجيب عدم طرح بديل ثالث، فإما 2 أو 6 بتبريرات ومنطق سياسي يخلو من المنطق والعلم، وإما تكليف هيئة خبراء من متخصصين، بالقيام بدراسة علمية، عن مدى الحاجة للأقلمة، ومكاسبها ومخاطرها، وحدودها، ومعاييرها، دراسة فنية،علمية جغرافية علمية سكانية، اقتصادية، زراعية..إلخ، وإقناع الناس بجدواها، فليس بالحسبان، ففخامة الخبراء أغلقوا باب التفكير بالخيارات العلمية، والسياسي يحكم الثقافة والعلم، والدين والمنطق، والمفارقة أنهم يشكون من الاستبداد ويمارسونه بنفس الوقت، لكن رغم هذا فعلى أعضاء الحوار التفكير بالخيار الثالث، خيار الدراسة العلمية المتخصصة، بغض النظر عن حماس الرئيس هادي، وبنعمر والموقعين باعتبار الوطن أكبر من الجميع.
خبراء الفشل خربوا الوحدة باسم الحفاظ عليها، وترهات الوحدة أو الموت، وحالياً ترتكب المجازر كوسيلة إقناع، ولا يحاسب المجرمون، تتكرر المجازر من مدينة إلى أخرى، وصولاً إلى ما حدث في العرضي والضالع، وتسمع دوماً اسطوانة تشكيل لجنة تحقيق، تصدر تقريراً لا يقل بشاعة عن القتل، ولكثرة اللجان الصادر بها قرارات رئاسية تستغرب لمَ لا تسمى اليمن جمهورية اللجان الانتقالية!
الخلل ليس في الشعب ولا في الأرض، كي تعاقب بالتمزيق، الخلل بسلطات الفشل والفساد، بالحاكم الفاشل، والمسؤول الفاسد، والسياسي العميل بالعبث والقمع، والقتل، ولو وجدوا شعباً حياً يحاسب ويضحي، ويثور بوعي، ويعرف أن مشكلته هي مع الفاشلين، في مراكز القرار والقيادة بالسلطة أو الأحزاب، ومراكز القوى والنفوذ، مع الناهب والفاسد والقاتل لو وجدوا -شعباً- يرفض تحريضهم والاستخفاف بعقولهم، يقول: يا خبراء الفشل المتربعين على الحكم، أنتم مصيبة البلد وليس الأرض أو الإنسان، لتوقفوا وما استمروا يفرضون فشلهم ويجرعون الشعب والبلد كل هذه الويلات والنكبات، ولعل الوقت حان.
alkhaiwani@gmail.com

أضف تعليقاَ

CAPTCHA
This question is for testing whether you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
17 + 0 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.