الشهيد الدكتور وذكريات عشرين عاماً في الميدان الأكاديمي !! : عبدالعزيز المقالح
تعود معرفتي به إلى أوائل الثمانينيات بعد تخرجه من كلية الحقوق بالقاهرة. وشروعه في التدريس أستاذاً مساعداً في كلية الشريعة والقانون بجامعة صنعاء، وبعد فترة ثبتت خلالها خبرته وتجربته تعيّن عميداً للكلية فاثبت جدارة وحكمة في سير العمل بها، كما كان كبقية العمداء يجمع بين التدريس وإدارة الكلية. كنت -يومئذ- رئيساً للجامعة، وعلى تواصل يومي تقريباً مع عمداء الكليات مما أتاح لي معرفتهم جميعاً عن قرب. وعندما تخلى الدكتور أحمد شرف الدين عن العمادة تعين مستشاراً قانونياً للجامعة فاستمرت الصلة على حالها إن لم تكن قد زادت عمقاً من خلال المناقشات والأحاديث الدائمة عن القضايا التي كانت تواجه الجامعة احياناً من داخلها وأحياناً من خارجها، وكان طوال فترة تزاملنا مثالاً للنـزاهة والصراحة والإخلاص في العمل وهي صفات إذا ما توفرت في الشخص فلابد أن يكون ناجحاً في عملة محبوباً من زملائه والعاملين معه، وكذلك كان الدكتور الشهيد.
ولأن التواصل انقطع بيننا في الآونة الأخيرة فلم أكن أعلم أنه قد أصبح عضواً مساهماً وفاعلاً في مؤتمر الحوار فقد كان عهدي به أستاذاً في الكلية يواصل محاضراته وتقديم تجربته العلمية الطويلة لأبنائه الطلاب. وفي صباح الفاجعة أخذتني ظنوني بعيداً ولم أصدق أنه هو الشهيد الذي صرعته الرصاصات الغادرة إلى أن صدمتني الحقيقة وتأكدت أنه الأستاذ الدكتور أحمد شرف الدين، العميد والصديق، والإنسان الذي يقطر وداً وتسامحاً والذي لم يكن له أدنى صلة بالسياسة لاسيما في طبعتها غير الأخلاقية والقائمة على التعصب وتدمير القيم وتجزئة الأوطان وقتل النفس البشرية بغير حق وبطريقة يأباها الحيوان وترفضها قوانين الأرض فضلاً عن قانون السماء، سياسة بث الكراهية وتعميم الحقد، وإغراء الأخ على قتل أخيه والجار إلى العدوان على جاره.
وانطلاقاً من الإشارات الأخيرة في هذا الحديث علينا أن نعترف بأن ما يحدث في بلادنا الآن فوق الاحتمال. ولو كان ما نراه ونشهده منقولاً عن أحاديث تروى لقيل أنه من نسج الخيال، فقد اتسعت دائرة الانفلات وخرجت الأحقاد النائمة من أوكارها. كما لم يحدث من قبل. لقد عرفت هذه البلاد كثيراً من الصراعات ودخلت في أزمات ولكنها لم تصل إلى ما وصل إليه الحال في هذه الآونة، والملاحظة المروّعة أن ما كان يضبط المشاعر الساخطة من اعتبارات دينية وأخلاقية ووطنية قد اختفت وحل محلها شعور طاغ بالتعصب واحتقار الآخر والاستهانة بحياته، ورغم كلما قيل ويقال عن الحوار والبحث عن محطات للتقارب والتعرف على وجهات النظر المختلفة في إطار المصلحة العامة، رغم ذلك تبقى الأقوال في واد والأفعال في واد آخر، وفي حالة من الاحتقانات المتزايدة لا غرابة إذا تحول الوطن إلى "مسبعة" أي غابة للسباع المتناحرة وليس إلى مكان للتضامن والتعايش والبناء.
لقد صار من بديهيات عالم اليوم أن هناك حقوقاً لكل البشر يجب أن تحترم ويتم الدفاع عنها بحزم، وفي مقدمة هذه الحقوق وأجدرها بالاحترام والدفاع "حق الحياة" بوصفه حقاً ممنوحاً من خالق الحياة، وليس لدولة أو جماعة أو فرد أو أفراد أن ينتزع من أي إنسان هذا الحق تحت أي زعم أو إدّعاء. وهذه الحقيقة ليست من اكتشاف عالم اليوم ولا هي من الشرائع الموضوعة وإنما هي حقيقة إنسانية، وفي جوهر العقيدة الإسلامية التي منحت دم الإنسان دمه وعرضه وماله حرمة تفوق أية حرمة أخرى على وجه الأرض. ومن هنا فلا بد من كفالة هذا الحق، حق الإنسان في الحياة، ووضعها في طليعة مهام الدولة الوطنية، المدنية الحديثة، والرحمة والرضوان للشهيد الجليل الذي أثار غيابه الفاجع والمروّع هذه الخواطر الشاحبة والحزينة.
- قرأت 711 مرة
- Send by email
أضف تعليقاَ