وُجِدَ "آل الأحمر" ليحكموا و وُجِدنا لنكون رعايا تاريخيين لهم نبلاء و أقنان
إهداء/ الى "جلخ" صديقي عصام المشمِّر و كل "مُوَاقِصي و نَقَّاشي المعافر"..
حين خيَّرهما والدهما قديماً بين "الصميل والفطيرة" إختار "مدحج" الفطيرة واختار همدان "الصميل" .. هكذا كان بوسع هذا الأخير لاحقاً أن يسلب أخاه فطيرته ويحوز على الخيارين معاً ويضع التركة كلها بين يديه..
"مدحج وهمدان" في الطرفة الشعبية الآنفة ليسوا بالقطع- سلالة بعينها ولا مذهباً، بل هما - برأيي - رمزان للصراع التاريخي الدائر بين القوى المنتجة وقوى الإستغلال وبين عرق الفلاح وجشع الإقطاعي.
نستطيع أن نفهم لماذا تحظر الأعراف القبلية في اليمن على الفئات والشرائح المنتجة والعاملة حمل السلاح وامتلاكه وتصنِّفها في مراتب اجتماعية دنيا، كمُخرَج من مُخْرَجات ذلك الصراع الذي تحتفظ فيه قوى الاستغلال بمزية احتكار القوة لضمان ذهاب ريع الإنتاج إليها وتكريس سيطرتها على الشأن السياسي!
في المقابل فإن نضالات القوى المنتجة ولاسيما الفلاحين منذ القرامطة، مروراً "بدولة الفقي سعيد" وانتهاءً بالجبهة الوطنية؛ استهدفت في خلاصتها كسر هذه المعادلة الجائرة والخروج من ربقة هذا الفرز، إلى فضاء إنساني يقوم على تثمين البذل والعرق ويحرر القيمة الإجتماعية للفرد بتراتبية أخرى قوامها إنتاجيته كمعيار.
إن تقسيم العمل وفقاً لجنس ونوع ولون العاملين وفئتهم الإجتماعية، هو تقسيم يتأسس على إقرار ضمني بوضاعة فئة إجتماعية ونُبْل وسموِّ فئة أخرى، فطرياً؛ فـ"كلٌّ مَيسَّرٌ لما خُلق له" بحسب الذهنية المنتجة لهذا الخطاب والتي تُلحد عن قصد- بخاصية الإكتساب، وتريد للمجتمع أن ينشأ كأنساق متوازية لا تتقاطع مهما امتدت، وعلى هذه الأنساق العاملة بالسُّخرة والقنانة تهيمن قوى العطالة المحتكرة للآلة الحربية شاهرة السياط على الظهور بانتظار الحصاد...
إن قوة التخويل الشعبي لجيش وطني نظامي يعمل بالأجر المقتطع من الدخل القومي و الضرائب العامة ويحتكم لقوانين تحدد وظيفته ومهامه، هو التحدي الأبرز الذي لا نزال نناضل ونفشل في تَخَطِّيْه على طريق بناء الدولة الحديثة التي تمتلك حصرياً حق احتكار وتنظيم العنف.. وكنتيجة كارثية لهذا الفشل تستمر القوى التقليدية اللابدة في الظل، في احتكار ومراكمة العنف، و إملاء مشيئتها على دولة ديكورية ترزح تحت سيطرة الزعامات القبلية من الأخمص إلى الرأس، ومن الفَرَّاش إلى رئيس الجمهورية.
لقد أحبطت هذه القوى، بمؤازرة مباشرة وسخية من آل سعود، كل المحاولات الوطنية التي استهدفت بناء دولة قوية تتكئ على جيش بالمزايا الآنفة، في شمال اليمن، إلى ذلك مثَّلت وحدة مايو 90، فرصةً مواتيةً أمامها لإلتهام جيش الدولة الجنوبية الأكثر حداثة وحرفية في شبه الجزيرة والذي كان بمثابة فرس الرهان الأخير بالنسبة للحالمين بحياة في كنف دولة عصرية لا تديرها عصا الشيخ وسبَّابته ودماغه المنخور بالسوس والمسكون بالغيِلان، في كل حركاتها وسكناتها..!
ليس من قبيل الزهد أن الراحل عبدالله حسين الأحمر لم يشغل ولم يحاول أن يشغل منصب الرئيس طيلة عقود ما بعد انتكاسة ثورة سبتمبر..
موقعٌ كهذا كان نقيصةً وسُبَّةً في حق الشيخ الذي ظل حتى النفس الأخير يباهي بأنه هو من يُعَيِّنُ الرؤساء ويخلعهم بل ويغتالهم لأسباب تتعلق برضاه وسخطه حيالهم.. لقد اكتفى بالقيادة من الخلف كنصف إله وهو ما يستميت أبناؤه ليفعلوه ويكونوه اليوم.
يمكن تشبيه سعي آل الأحمر تحت ذريعة الهيكلة لتفكيك ما تبقى من وحدات عسكرية نظامية أبرزها الحرس الجمهوري والأمن المركزي، بالمحاولات التي انتهت بتفكيك وتصفية وحدات الصاعقة والمدفعية والمشاة في 1968م مع الفارق في طبيعة العقيدة والوظيفة التي أنشئت بموجبها هذه الوحدات ودورها النضالي..
السبيل الوحيد أمام آل الأحمر لضمان استمرار القيادة الكاملة من الخلف، هو أن يتحول الجيش والأمن برمتهما إلى مجموعة من ألوية المَعِيَّة تحت طائلتهم، لكن الذي يحول دون طموح فاشي وفوضوي النزعة كهذا، ليست قوةَ ووطنيةَ هذه الوحدات المستهدفة بالضم، للأسف.. بل قوة النفوذ الأمريكي الذي يقرر وحده شكل وحدود التوازنات المرحلية المرغوب فيها بالنسبة للمشهد السياسي في اليمن، كما ويضبط - وحده - المسافة بين فرقاء المحاصصة الحاكمة..
وبطبيعة الحال فإن كلمة الفصل الأمريكية في مواجهة طموح الإستحواذ المخيف لدى آل الأحمر، ليست هي ما ينبغي أن نطمئن إليه، فتعليق الآمال على أمريكا كضابط إيقاع ؛ يشبه تماماً أن تهرب ببيض أحلامك من سلة الثعابين لترهنها في شدق الحاوي...
إن سريان سياسة المحاصصة على الوحدات والألوية العسكرية والأمنية كسيناريو انتقالي يباركه رعاة صفقة التسوية، يسير بمحاذاة محاولة آل الأحمر الحثيثة لضم ما يسميه إعلامهم "قوة المخلوع وعائلته" إلى جملة جيشهم البَرَّاني ومليشياتهم كسيناريو ثانٍ، و إزاء خيارين أحلاهما مرٌّ كهذين الخيارين، تلوحُ أمريكا في رؤية بعض الأحزاب السياسية، كخيار ثالث يُراهن عليه هذا البعض في بناء مؤسسة عسكرية حديثة بأشراف دولي، وهي جميعها خيارات لا تمت بصلة لطبيعة الجيش والدولة التي نريد ولا تخدم في نهاية المطاف سوى مصلحة أمريكا ووكلائها في المنطقة.. كما أنها تُسقط من حسابها مواقف المكونات السياسية الأخرى الغير منخرطة في الوفاق والرافضة لأي حلول لا تقوم على مبدأ الشراكة الحقَّة؛.. فالحوثيون في شمال الشمال والحراك في الجنوب والقوى السياسية التي بدأت تتخلق بصورة جدِّية أكثر من ذي قبل في المحافظات الوسطى ؛ لاسيما مع إنقطاع رجائها في "ائتلاف المشترك" وخذلانه الفاضح لآمالها... كل طيف المكونات هذا، يشير إلى خارطة توازنات تتعقد بوتيرة متسارعة في اليمن، على نحو لا يتيح لطرف أو لجملة أطراف أن تختزل البلد فيها أو تنفرد بتقرير مصيره، دون عواقب كارثية فادحة على معبد الحكم..
في الأثناء فإن الخيار الأسلم يبقى خيار بناء دولة حديثة ذات سيادة بمعزل عن التبعية والإرتهان، يعيش بشرها على قدم المساواة في الحقوق والواجبات، ومواقعُ صناعة القرار فيها قابلةٌ للتداول السلس، بموجب عقد اجتماعي جديد يعكس مصالح القوى المنتجة ويراعي الخصوصيات المجتمعية في انتقائه شكلَ الحكم وآلياتِ التداول.. عدا ذلك فإن البلد سيتحول أكثر فأكثر إلى ساحة مفتوحة للمقاولات السياسية والصراع الإقليمي، كنتاج لسلطة إستقواء ترى في غالبية البشر محض "بدون" ودخلاء وذميين!
تُفصحُ الحملة الشعواء المفرطة في بذاءتها ؛ والتي قادها الإصلاح من الظل ضد محافظ تعز إذعاناً لأوامر مركز قيادته العسكرقبلية،عن نزعة الإستقواء و الفوقية تلك و تعيدنا إلى جدلية "الصميل والفطيرة" بمنطقها الفاضح.
معظم الشعارات التي رفعها متعهدو الحملة تمحورت حول مهنة المحافظ كتاجر وكانت انتقاصاً منها ومنه.. "يا شوقي يا زبادي".. وهي امتداد غير عفوي للشعارات التي هتفوا بها في وجه المحافظ السابق "يا حمود يا موزة" استهجاناً لمنطقته المنتجة للموز كأشهر محصول.. كما وامتداد للأداء الفج الذي أصبح معه "علي عبدالله صالح" في ميزان خصومه الشوفيني مجرد "علي عفَّاش"، وخلع "آل الأحمر" عن "سنحان" حاشديتها، فقط لأنهم غضبوا على "صالح" ومنطقته الشهيرة بالفلاحة...
إنها إحدى أخطر الانحرافات التي ثَلَمَت خطاب الثورة ... دَبَّرها مطبخ الإصلاح القبلي عن وعي وبخبث مفرط، ووقع فيها غالبية الشباب عن غفلة، فأصابت الثورة منذ شهورها الأولى في مقتل...
هتافات خرقاء كتلك تحمل إقراراً بـ"دُوْنِيَّة الفلاح والتاجر" إزاء الجهوي والقبيلي النبيل بالولادة...
هكذا تبدو الثورة كما لو كانت إقتصاصاً لشريحة النبلاء "آل الأحمر" من بضعة "رعايا أقنان" تمردوا عليهم، بهدف تأديبهم وعزلهم وإعادة الحق لأصحابه التاريخيين..
لا يتحرَّج "حميد الأحمر" من المكاشفة بهذه النزعة الشوفينية التي تقوم على إدعاء مزايا تاريخية لقبيلته.. ففي مداخلة تلفزيونية "لفرانس 24" العام الفائت و في ذروة الإنتفاضة الشعبية يقول "كأن الله سخَّر قبيلة حاشد تاريخياً لحماية الناس من جبروت الدولة" و لكي تنهض "حاشد" بهذا التخويل، الذي يعتبره حميد الأحمر تخويلاً إلهياً، فإنها ينبغي أن تستميت لضمان أمرين: استمرار قوتها، واستمرار ضعف الدولة بالتزامن.
غير أن "آل الأحمر" كأبرز أنموذج فج للإقطاع السياسي القبلي في اليمن، عاجزون بالقصور الذاتي عن أن يمدوا نفوذهم خارج "العصيمات" لولا استحواذهم شبه الكامل على الدولة و لولا الخدمات الجليلة التي يقدمها ذراعهم التنظيمي متمثلاً في "تجمع الإصلاح"، عبر تأمينه غطاءً حزبياً واسعاً لهذا النفوذ المغلَّف بالإيديولوجيا قصد التمويه و على النقيض من إعتقاد ساذج يُعْلي من شأن "الإصلاح" كتنظيمٍ " حافظ على وحدة النسيج المذهبي لليمن بتسنين زيود حاشد" حسب وصف أحد الكتاب؛ فإنني أشاهد فقط نجاحاته في "حَيْشَدَة" و تدجين المحافظات الوسطى لشيوخ هذه القبيلة السياسية مع يقيني بأن "مَذْهَبَةَ" الصراع هي مواربة لئيمة لحقيقته الطبقية !
إن قطيعاً بشرياً يفتقر لأي حسٍّ طبقي- عوضاً عن وعي- حيال موقعه الإجتماعي؛ هو فقط الذي يمتلك الإستعداد الأرعن لأن يهتف ضد نفسه ومجتمعه العامل لصالح قوى العطالة المهيمنة بحيث لا يرى في تناقضه الصارخ إلا تقرُّباً لله ومرضاةً لوجهه؛... تلك هي الذخيرة الميتة التي يخوض بها الإصلاح حروبه ويوطِّد قاعدة رموز الإقطاع المقرفصين على سدة قيادته..
لقد وُجِدَتْ "حاشد آل الأحمر" لتَحْكُم، و وُجِدْنَا لنكون رعايا تاريخيين لها،.. هي مولودة للسلاح ونحن للمناجل والمحاريث والمقصات والمقاهي والحوانيت، وإذا حدث أن خرق شيوخها الحمر الميامين هذا الناموس المقدس واشتغلوا بالتجارة عبر الإستقواء بالوظيفة الحربية، فإنهم يكونون قد "تبرجزوا وتمدنوا"، فيما يهتز عرش الرحمن لو فكَّر "تاجرنا" في أن يصبح محافظاً و"فلاحنا" قائد لواء، ويدرأُ عنه العذابَ حينها أن يحمل نير الولاء لشيخ الشيوخ القابض على "الصميل" منذ أن خلق الله الأرض، ويذعن لإملاءاته كـ"رعوي" يتحدَّر من سلالة "الفطيرة" الأزلية..
هكذا يغدو شرط بقاء شوقي هائل محافظاً ؛ ألَّا يتصرف كمحافظ، فيقيل علي السعيدي الذي لا يتصرف كمدير أمن؛ لذا هو مدير أمن ينبغي أن يبقى بمعيار ذهنية "الصميل والفطيرة ومجتمع القوة ومجتمع الريع"!
إن غالبية أبناء الشرائح المتمدنة والعاملة الذين تلفظهم أبوابُ الكليات العسكرية والأمنية سنوياً ويعودون ساحبين أذيالَ الخيبة في كل موسم تنسيق.. هم أحد أبرز العوائق المسكوت عنها أمام البناء الوطني السليم الذي نريده لقوات مسلحة وأمن تكون عصباً حقيقياً للدولة المدنية الحديثة، حيث لا نبلاء ولا أقنان، بل مواطنون منتجون.
يتعلق الأمر بقدرتنا على أن نناضل كقوى عاملة واعية وعصية على الوقوع في وحل العصبيات والفرز المذهبي و إستهجان المِهَن..
إنه أوان تَسَاقطُ الأقنعة و القفافيز و الجوارب و إنفضاح طبيعة الإصطفافات و سفور النوايا و الأهداف و هو موسمٌ ملائمٌ للنضال على تماسات واضحة تقف فيها قوى الإستغلال التاريخي في الضفة المواجهة لإرادة الحياة و حركة التاريخ و ينبغي أن تكتظ هذه الضفة بالجبهات و السواعد المتفصدة عرقاً و بالهاربات من مقاصير الحريم و الهاربين من حظائر إمتهان الآدمية لخوض صراع مصيري و حاسم..
إبتزاز
تخوض مليشيات الإصلاح في تعز غمار لعبة فاضحة بإطلاق أعيرة نارية من مختلف الأسلحة الرشاشة ليلياً و بإسناد زمني واحد في أكثر من حارة ؛ لتأكيد فداحة الثمن الذي سيكون على المدينة أن تدفعه في حال إصرار شوقي هائل على إقالة مدير الأمن السعيدي.....لماذا يُثابر هذا التنظيم على قطع شَعرة الصلة الأخيرة التي تربطه بالمدينة و إثبات تَبَعيَّته الخالصة لـ"محسن و حميد و الآنسي".....؟!
لماذا يُصر على أن يظل مجرد " التجمُّع اليمني لرعايا حاشد – فرع تعز "؟!
نقلا عن صحيفة الشارع
- قرأت 796 مرة
- Send by email
أضف تعليقاَ