طاولة مفاوضات بلا مقاعد”مبعوث أممي من أرشيف الاحتلال البريـطاني”

 

مأزق تحالف قوى العدوان الأمريكي مجتمعة إزاء القدرة الصاروخية الباليستية اليمنية المتنامية، مأزق السعودية بصفة خاصة إزاء تداعي سيادتها على الحد الجنوبي بفعل توغل مقاتلي الجيش واللجان المستمر، مأزق الإمارات إزاء السخط المتنامي ضدها في جنوب اليمن و»عمان» وانكشاف الغطاء المسوِّغ لوجودها في الجنوب مع تنامي عجزها عن التوسع غرباً واقتطاع الحديدة وتنامي فواتير غرقها في مستنقع إخفاقاتها في الساحل الغربي.. وأخيراً قلق العالم من اتساع نطاق الاشتباك البحري ليشمل باب المندب كأهم ممر للملاحة الدولية يعبر من خلاله 60% من الوقود اللازم للاقتصاد العالمي عوضاً عن التدفقات التجارية الأخرى ذهاباً وإياباً…

 

حزمة المآزق السالفة، مضافاً إليها احتدام الصراع البارد في كواليس العائلات المالكة الخليجية ومؤسسة الحكم العميقة في واشنطن، هي النافذة الرئيسة التي يقارب من خلالها المجتمع الدولي مجريات الصراع في اليمن في طوره الراهن، لا سيما مع بلوغ تحالف العدوان ذروة فاضحة ومكلفة على العالم من العجز عن إنقاذ مشروعه على عتبة عام رابع من عملياته العسكرية العاثرة في اليمن.

 

غير أن مقاربة المجتمع الدولي للصراع في هذا الطور لا تزال مقاربة مخاتلة تهدف في المقام الأول إلى السيطرة على سياق الارتدادات المكلفة والمنطقية عليه إثر فشل تحالف عدوان تواطأ معه منذ البدء، وفي المقابل بناء دعوات الحل السياسي اتكاءً على (قاعدة حيثيات عاطفية إنسانية مزعومة) تتباكى على الوضع الإنساني والصحي والخدمي والمعيشي في اليمن، والذي تصفه تقارير أممية بـ(الأسوأ في العالم)، دون إشارة أو مجرد إلماح لمسؤولية تحالف قوى العدوان في بلوغه هذا المستوى من السوء.

 

خلافاً لملفات الصراع الأخرى في المنطقة ثمة مجتمع دولي غير منقسم حول كون العدوان الأجنبي على اليمن مجرد (نزاع أهلي متعدد الأطراف) لا عدواناً يشنه تحالف إقليمي دولي متعدد الجنسيات بلا مسوِّغات ولا مشروعية، لذا فإنه لا ضير ولا غرابة في أن يتضمن (بيان الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن)، الصادر الخميس الفائت، إطراءات ممتنة ومثمنة لـ(خطة دول التحالف وتبرعاتها المالية لدعم العمليات الإنسانية في اليمن).

 

بيان يبدو في العموم كما لو أنه كُتب بقلم محرر من محرري الأخبار في شبكة قنوات (العربية) و(سكاي نيوز)، لا بقلم أممي، وفي هذه اللحظة المحتقنة من الاشتباك ونُذُر تطوره إلى حرب واسعة النطاق تحت وطأة استمرار تحالف العدوان في تجويع وحصار وقتل شعب بأكمله، ومشروعية الرد من الجانب اليمني بشتى الوسائل التي خبرها العدو والعالم المتواطئ معه، ويحاول إهدارها لجهة سياق عاطفي أممي دولي مبتذل ينضح به بيان مجلس الأمن، دفعاً لمجريات الرد إلى أطوار دفاعية لم يخبرها العالم بعد، ولن يكون بوسعه معها إهدار الحق اليمني في وجوده الآمن الحر المستقل، بابتذال عاطفي مخاتل آخر.

 

لم يمنح (بيان المجلس) الأخير اليمنيين ما هم حقيقون به مقابل جدارة صمودهم كأمر واقع عصي على النكران، وعوضاً عن تثمين تضحياتهم ـ بدافع الخشية على مصالحه -تعمَّد البيان بخسها على (مشجب عاطفي إنساني) بدعوى الشفقة عليهم، داعياً إلى ضرورة إذعان (جميع الأطراف المتنازعة) لـ(حل سياسي غير مشروط)، تعويماً لخلطة أدوات التحالف المحلية في الصف الوطني المدافع عن شعبه وترابه وكرامته إزاء عدوان تحالف كوني.

 

على أن المجتمع الدولي ـ في المقلب الآخر ـ لم يمنح تحالف العدوان ـ والسعودية تحديداً – ما سعت إليه ـ عبر جولة الصفقات المكوكية لولي عهدها ـ من تضمين هذا الابتذال والتحريف في قرار أممي، ولعدة عوامل – ليست الحيادية أحدها ـ وجدت الخمس الدائمة العضوية نفسها عاجزة عن ملاطفة شبق الأمير الملك بأكثر من بيان رخيص غير ملزم لأيٍّ من المعنيين به.

 

لحفظ ماء وجه تحالف قوى العدوان الأمريكي ثمة مسار ظل آخر ـ بالأرجح ـ يمكن استشفافه من زيارات وزير دفاع واشنطن في المنطقة، والذي يزاول حالياً مهام وزير خارجية لبلده حتى حين، لا سيما زيارته لـ(مسقط) ولقائه السلطان قابوس، يقابلها زيارات وفد (أنصار الله) لأكثر من بلد عربي وأوروبي في موجات من العصف الدبلوماسي الثوري أبرز محطاتها (طهران، برلين، وبكين)، علاوة على (تفاوض مباشر حول هدنة بين الرياض وصنعاء)، من الراجح أنه جرى في العاصمة العمانية، أخذاً في الاعتبار أن الرئيس الصماد نفى أن يكون (محمد عبدالسلام في السعودية) لا في عمان، كما شكك في وجود نوايا سلام لدى المملكة، مركزاً خلال ذلك على المكان وجدية التوجهات، لا على مبدأ التفاوض كأمر وارد في خضم مآزق تحالف العدوان التي لا مناص معها لبلدانه المأزومة من فتح قنوات تواصل في الظل مع أصحاب الحل والعقد والكلمة الفصل في ميدان الاشتباك.

 

في سياق متصل، هناك الأخبار المتداولة عن منح (الصين) امتياز إدارة موانئ عدن، والتي تشير -حتى مع كونها لم تتأكد بعد- إلى محاولة أمريكية بريطانية لاستمالة التنين الأصفر كشريك في مشروع الاحتلال بالتمسيد على مخاوفه إزاء نشاطات التحالف الاستعمارية الباعثة لها، ومقاسمته بعض أهم ريوع الغنيمة الافتراضية، بدلاً من حبس الأنفاس أمام مخالب ردات فعله الناعمة المكشرة على الضفة الأخرى الأفريقية من البحر الأحمر، كما والاصطدام به في مجلس الأمن.

 

المؤكد في كل ذلك أن ملامح المعادلة العسكرية التي سعت القيادة الثورية والسياسية اليمنية لفرضها قد تخلقت بنسبة كبيرة تفي بدفع العالم مقسوراً إلى أتون هذا العصف الدبلوماسي الكوني متباين الطيف والمؤتلف حول مغبة إدارة الظهر لآلام اليمنيين وتبعاتها الكارثية على الجميع، وهو ما يعني في المحصلة عجز الترسانة العسكرية الكونية المعادية عن فرض شروطها على (صنعاء الثورة)، وجنوحها إلى تأليب اصطفاف دولي يتبنى مخاوفها على طاولة السياسة.

 

والمؤكد – بذات القدر كذلك- أن معادلة الردع العسكري الثوري اليمني لا تزال تعوزها نواقص غير معجزة لتبلغ ملامحها من النضج حد فرض شروط الوجود اليمني على العالم كأمر واقع لا قبل للعالم معه باللجوء إلى المخاتلة وتحيُّن فرص الانقلاب على المعطيات الميدانية مصدر المخاوف عبر تبديد الوقت بدعوات مراوغة إلى حل سياسي غير مشروط كما يفعل اليوم.

 

تلخص عبارة الرئيس صالح الصماد على هذا المستوى، جوهر الموقف اليمني المقتدر، حيث يقول: نحن أهل لسلام الشجعان ومستعدون للحرب..

 

في الأثناء يبدو أن (مارتن غريفيتث)، البريطاني المولود في عدن إبان احتلال بلاده لها، سيكون آخر شخوص مسرح العصف الدبلوماسي الكوني بروزاً إلى خشبة مزاولة عمله في العلن كمبعوث أممي لم يصل بعد إلى توصيف رسمي متفق عليه حول أسماء وعدد (الأطراف) التي ستتشاطر المقاعد حول طاولة المشاورات الموعودة، والتي تبدو حتى اللحظة طاولة بلا مقاعد.