صالح الصماد... الرئيس الذي لا يملك منزلاً

 

خيّم الذهول والحزن على اليمن مع إعلان استشهاد رئيس المجلس السياسي الأعلى، صالح الصماد، بغارة جوية في مدينة الحديدة. حدادٌ لثلاثة أيام، وتنكيسٌ للأعلام لأربعين يوماً، مقابل انتشاء بانتصار كاذب على مقلب «التحالف». يمثّل مقتل الصماد خسارة كبيرة لحركة «أنصار الله»؛ فهو رجل السياسة والتفاهمات مع شركائها، كما هو رجل الحرب الذي اقترن ظهوره ورحيله بالتصدي للعدوان السعودي وأدواته، من الحرب الرابعة على صعدة إلى السنة الرابعة من الحرب على اليمن.

 

برز اسم الصماد في الحرب الرابعة على صعدة في عام 2007، كقائد ميداني لـ«أنصار الله» في منطقة بني معاذ، شرقي مدينة صعدة، التي ولد فيها في عام 1979. ومنها قاد مجموعات من الشباب، وفكّ الحصار عن منطقة فلة، غربي المدينة، والتي كانت حاصرتها قوات نظام صنعاء. لمع اسمه سريعاً في أوساط سكان صعدة، بفضل قربه منهم، ونشاطه في حلّ قضاياهم، لتُعيِّنَه قيادة «أنصار الله» في عام 2008 المسؤول الاجتماعي للحركة.

 

شارك بفاعلية في مواجهة قوات صنعاء في حربها السادسة على صعدة، وتصدّى لها كقائد ميداني للمديريات المحيطة بالمدينة، ليُعيّن في عام 2009 مسؤولاً ثقافياً لـ«أنصار الله». وهذا المنصب استحقّه لِما أظهره من قدرات في الخطابة، وكسب الجماهير إلى صف الحركة في أكثر من مناسبة في صعدة والمحافظات المجاورة لها.

 

محاور بارع

 

عقب الحرب السادسة، كُلّف الصماد من قبل زعيم «أنصار الله»، عبد الملك الحوثي، بتمثيل الحركة في التخاطب مع لجان الوساطة التي قَدِمت من صنعاء لإعادة تطبيع الأوضاع في صعدة، وأسهم في إعادة الهدوء والتوفيق بين الجيش واللجان الشعبية التابعة للحركة. ومع انعقاد «مؤتمر الحوار الوطني» في صنعاء، شاركت «أنصار الله» فيه بفاعلية، وقدّم فريقها رؤية الحركة لحلّ القضايا اليمنية العالقة، ومقترحاتها لشكل النظام السياسي والإداري لليمن. وفي هذا الشأن قالت مصادر في الحركة، لـ«الأخبار»، إن الصماد هو من تولى مراجعة هذه الرؤية مع الدكتور عبد الكريم جدبان والدكتور أحمد شرف الدين، اللذين اغتيلا في صنعاء قبل نهاية مؤتمر الحوار.

 

مع دخول «أنصار الله» إلى صنعاء في الـ21 من أيلول/ سبتمبر 2014، عيّن الرئيس اليمني (المستقيل لاحقاً)، عبد ربه منصور هادي، الصماد مستشاراً له، في وقت كان يشغل فيه منصب رئيس المكتب السياسي للحركة منذ ما قبل ذلك التاريخ ببضعة شهور. وفي آب/ أغسطس 2016، تحالفت «أنصار الله» مع حزب «المؤتمر» الذي كان يقوده الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وشكّل الطرفان «المجلس السياسي» لإدارة السلطة والتنسيق بينهما في مواجهة الحرب. كان الصماد عضواً في المجلس، وبعدها توافق الطرفان عليه رئيساً للمجلس، ومن يومها إلى حين مقتله حقّق نجاحاً في إدارة شؤون السلطة في صنعاء سياسياً وعسكرياً وأمنياً وإدارياً، وإلى حدّ ما في الجانب الاقتصادي، رغم الحصار المفروض على اليمن.

 

حظي الصماد بثقة زعيم «أنصار الله». ومع محاولة حليفها، علي عبد الله صالح، الانقلاب عليها في كانون الأول/ ديسمبر 2017، ظهر عبد الملك الحوثي مخاطِباً أنصاره وأنصار صالح بقوله: «جمهورية برئاسة صالح الصماد ومن قرح يقرح». وما هي إلا ساعات حتى تمكّن الصماد، بالتفاف قيادات الحركة من حوله، من القضاء على انقلاب صالح، والحفاظ على الوضع الأمني في صنعاء والشمال، وصيانة تماسك أكثر من 40 جبهة قتال تحارب عليها الحركة. عقب ذلك، تمكن الصماد من تجاوز تداعيات مقتل صالح، والحفاظ على تحالف «أنصار الله» و«المؤتمر»، واستئناف عقد جلسات البرلمان الذي ينتمي أغلب أعضائه إلى حزب صالح.

 

عُرف عن الصماد نزاهته ومناهضته للفساد المالي والإداري. وفي هذا تقول مصادر مقرّبة منه، لـ«الأخبار»، إن الصماد لا يملك منزلاً في العاصمة صنعاء، وإنه كان يقيم خلال السنوات الأربع الماضية في منزل مستأجر. كذلك عُرف عن الرجل شجاعته التي تجسّدت في زياراته المتكررة لجبهات القتال، بما فيها الجبهة الحدودية، حيث ظهر العام الماضي وهو يقود طقماً مسلحاً، حاملاً بندقيته ومتنقّلاً بين جبال جيزان.